تابعنا
بعد أن كان لفترة طويلة قريباً من عالم الخيال العلمي يؤكد العلماء والباحثون اليوم أنه أصبح من السهل التنبؤ بسلوكيات البشر، وذلك بعد الثورة التي حققها علم الشبكات في العالم في فك شيفرة النشاط الدماغي ومؤخراً فك شيفرة المشاعر من خلال ملامح الوجه.

حقق سوق التكنولوجيا نمواً سريعاً في مجال التواصل بين الآلة والإنسان، وبعد كشف العلماء والباحثين عن تمكُّنهم من تحليل النشاط الدماغي وقدرتهم على التنبؤ بسلوكيات البشر، يدعي الباحثون مجدداً توصلهم إلى تقنيات لتحليل مشاعر وأحاسيس الإنسان، وسط تشكيك واسع من العلماء في العالم عن مدى فاعلية وموثوقية هذه التقنيات الحديثة.

وفي هذا الإطار نشرت صحيفة فاينانشال تايمز تقريراً تسلط فيه الضوء على هذه التقنية، ورصدت ردود أفعال الأوساط العلمية في ذلك.

وتشير الصحيفة إلى أن فترة الحجر المنزلي خلال انتشار فايروس كورونا في العالم قد لفتت الانتباه إلى تقنية تحليل المشاعر البشرية. وذلك بالتحديد عندما اعتمدت عدة مدارس تقنية Little Trees 4 ، وهي برنامج ذكاء اصطناعي يساعد المدرسين على مراقبة استجابة الطلاب أثناء دروس التعلم عن بُعد بفحص ملامح وجوههم. وقد زادت خلال الفترة الماضية شعبية هذه التقنية وشاع استخدامها في عدة مدارس، وبخاصة في الصين.

وعلاوة على المدارس تدرس عدة شركات في العالم مدى إمكانية توظيف هذه التقنية في عدة مجالات، بخاصة أن الباحثين يزعمون أنه يمكنهم الذهاب إلى أبعد من مجرد فهم ما يشعر به الشخص إلى فك شيفرة نواياه والتنبؤ بسلوكياته.

استخدامات متنوعة

تعمل مئات الشركات حول العالم على تقنية فك شيفرة المشاعر في محاولة لتعليم أجهزة الكمبيوتر كيفية التنبؤ بالسلوك البشري. ويقدم عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة بما في ذلك Amazon و Microsoft وGoogle تحليلاً دقيقاً للمشاعر، في حين أن الشركات الأصغر منها مثل Affectiva وHireVue تصممه لقطاعات معينة مثل السيارات والإعلانات وغيرها.

وترغب شركات السيارات مثل Ford وBMW وKia Motors في استخدام هذه التقنية لتقييم يقظة السائق. في حين اختبرت شركات التسويق مثل Millward Brown ذلك لقياس مدى استجابة الجماهير لإعلانات العملاء مثل Coca-Cola.

وكشفت فاينانشل تايمز أن أنظمة التعرف على المشاعر تلقت تمويلاً لاستخدامها من قبل شرطة لينكولنشاير في المملكة المتحدة لتحديد الأشخاص المشبوهين.

أما في الصين فقد جرى تركيب كاميرات تعتمد تقنية التعرف على المشاعر في مدينة شينجيانغ، وهي المنطقة الشمالية الغربية الصينية حيث يُحتجز ما يقدر بمليون شخص أغلبهم من مسلمي الإيغور في معسكرات الاعتقال.

وعلى الرغم من التنوع في الاستخدامات والتطبيق، فإن الهدف من هذه التقنية واحد، وهو جعل البشر أقل غموضاً، وتسهيل عملية التنبؤ بنواياهم وأفعالهم.

وبناء على الاستحقاقات التي تواجهها عدة قطاعات في هذا المجال، التي فاقمها طول فترة الحجر المنزلي بسبب استمرار انتشار وباء كورنا في العالم، ترجح شركة Markets and Markets أن يتطور سوق تكنولوجيا التعرف على المشاعر ليحقق 37.1 مليار دولار بحلول عام 2026 بعد أن بلغ نحو 19.5 مليار دولار عام 2020.

انتقادات وتشكيك

بينما تطرح الشركات والحكومات على الجمهور بحماس فكرة التعرف، يشير العلماء إلى عيب كبير في هذه التكنولوجيا. إذ تشير الأبحاث في هذه الخوارزميات إلى أنه على الرغم من قدرتها على فك شيفرة تعابير الوجه فإنها لا تترجم بالضرورة ما يشعر به الشخص أو يفكر فيه حقاً أو ما يخطط لفعله بعد ذلك.

وقد أكد علماء بارزون بأن المشاعر يجري التعبير عنها بعدة طرق، ما يجعل من الصعب استنتاج أحاسيس شخص ما من خلال مجموعة بسيطة من حركات الوجه. فلا يمكن مثلاً استنتاج السعادة بثقة من مجرد الابتسامة، أو الغضب والحزن من العبوس، كما تحاول التكنولوجيا الحالية أن تفعل.

ويعتبر هذا الأساس في تحليل المشاعر بناء على فرضية أن جميع البشر بغض النظر عن الثقافة أو الجنس أو الجغرافيا أو الظروف، يظهرون نفس المجموعة من ستة مشاعر عالمية وهي الخوف والغضب والفرح والحزن والاشمئزاز والمفاجأة. إلا أن الخبراء والعلماء يؤكدون أن فكرة المشاعر العالمية تتجاهل حقيقة مدى تأثير السياق والتكييف والعلاقة والثقافة على إظهار مشاعر البشر. وبالتالي فإن قياس تعبيرات الوجه لا يمكنها ببساطة أن تكشف شعور البشر أو نواياهم.

وبناء على ذلك فقد تكمن مشكلة التنبؤ بالنية الحقيقية وفقاً لمنتقدي هذه التكنولوجيا في أنها تؤدي إلى اتخاذ قرارات مملوءة بالأخطاء ومنحازة في مجالات حساسة للغاية مثل التعليم والشرطة والتوظيف ومراقبة الحدود.

وأشارت فاينانشل تايمز إلى أن قضية حق الشخص في الخصوصية فيما يتعلق بمشاعره، عرضت مؤخراً من خلال لوائح اقترحها الاتحاد الأوروبي على منظمة العفو الدولية. وعرّفت تقنية التعرف على المشاعر على أنها تقنية "عالية المخاطر" وجرى التشديد على ضرورة الحصول على موافقة صريحة من أولئك الذين يجري استخدام هذه التكنولوجيا عليهم.

وعلى الرغم من ذلك فإنه في كثير من الأحيان لا يمكن الوصول إلى كل الشركات التي تستخدم هذه الأدوات، إذ تستخدم غالباً من دون إفشاء ولا الحصول على الموافقة.

TRT عربي