تابعنا
تلقت الجماهير الرياضية العربية صدمة كبيرة بعد الخروج المبكر للمنتخبات العربية المشاركة في بطولة كأس الأمم الإفريقية المقامة في ساحل العاج، رغم أن بعضها كان مرشحاً بقوة للمنافسة على أغلى الألقاب في القارة السمراء والصعود إلى منصات التتويج.

وتوقف مشوار المنتخبات العربية في أدغال إفريقيا عند الدور ثُمن النهائي (دور الـ16)، خلافاً لكأس آسيا التي تجري منافساتها بالتوازي مع البطولة الإفريقية، إذ نجح منتخبا قطر والأردن في الوصول إلى نصف نهائي المسابقة القارية.

نتائج العرب

ويمكن وصف حصيلة العرب في "كان 2023" بـ"الكارثية"، لكن في الوقت نفسه يمكن الحديث عن مستويين اثنين، يتعلق الأول بخروج منتخبات من دور المجموعات، وهنا يدور الحديث حول منتخبي الجزائر وتونس، ومستوى ثانٍ يخص منتخبات المغرب ومصر وموريتانيا التي انتهى مشوارها في دور الـ16.

ولم يتمكن منتخبا الجزائر وتونس من تحقيق أي انتصار بدور المجموعات، واكتفى كلاهما بنقطتين، ليتذيَّلا جدول ترتيب المجموعتين الرابعة والخامسة توالياً.

وفي التفاصيل، حقق "محاربو الصحراء" -اسم الشهرة لمنتخب الجزائر- تعادلين أمام أنغولا وبوركينا فاسو، وخسارة ضد موريتانيا، بينما لم يختلف مشوار "نسور قرطاج" -اسم شهرة منتخب تونس- كثيراً، فسقطوا في فخ التعادل في مناسبتين أمام منتخبي مالي وجنوب إفريقيا بجانب هزيمة أمام ناميبيا.

وصعد منتخب موريتانيا عن المجموعة الرابعة ضمن أفضل أربعة منتخبات حلّت في المركز الثالث بالدور الأول، مستفيداً من فوزه أمام الجزائر، ليحصد 3 نقاط معوضاً خسارتيه بصعوبة في بداية المشوار أمام بوركينا فاسو وأنغولا، قبل أن يتوقف بدور الـ16 بهزيمة متأخرة أمام الرأس الأخضر.

بدوره وقف الحظ كثيراً مع منتخب مصر، إذ صعد للدور ثمن النهائي من موقع الوصافة رغم سقوطه في فخ التعادل في جميع مبارياته بالدور الأول وبنتيجة واحدة (2-2) أمام موزمبيق وغانا والرأس الأخضر، ليواصل مسلسل التعادلات بدور الـ16 أمام جمهورية الكونغو ويودع البطولة بضربات الترجيح.

أما منتخب المغرب، الذي حصد المركز الرابع بمونديال قطر 2022، فقد كان مشواره جيداً بدور المجموعات بعدما تصدَّر المجموعة السادسة بـ7 نقاط من انتصارين أمام تنزانيا وزامبيا وتعادل أمام جمهورية الكونغو، لكنه سقط بثنائية نظيفة أمام جنوب إفريقيا بدور الـ16 ليحزم حقائبه مبكراً.

وبلغة الأرقام التي تتحدث عن نفسها، حققت المنتخبات العربية مجتمعة 3 انتصارات فقط في النسخة رقم 34 من المسابقة الإفريقية، وفشلت منتخبات مصر وتونس والجزائر في تحقيق أي فوز.

ويعد المنتخب المصري حامل الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بالكأس الإفريقية بـ7 ألقاب أعوام 1957، 1959، 1986، 1998، 2006، 2008 و2010، فضلاً عن ثلاث مرات اكتفى بالوصافة أعوام 1962، 2017 و2021.

وتأتي الجزائر في المرتبة الثانية عربيّاً من حيث التتويج بالكأس الإفريقية بلقبين حققتهما عامي 1990 و2019، بينما اكتفى منتخبا المغرب وتونس بلقب لكل منهما عامي 1976 و2004 على الترتيب، فيما لم يسبق لمنتخب موريتانيا الصعود إلى منصة التتويج القارية.

خروج متوقع

ويقول محلل شبكة قنوات "بي إن سبورت" القطرية، عبد الناصر البار، إن خروج المنتخبات العربية بكأس إفريقيا "متوقع"، ورجع الأمر إلى عوامل عدّة، من بينها إقامة البطولة بعيداً عن شمال إفريقيا، إذ دائماً ما عانت المنتخبات العربية عندما تقام البطولة في غرب القارة أو وسطها.

ويوضح البار في حديثه مع TRT عربي، أن معظم لاعبي منتخبات المغرب والجزائر وتونس ينشطون في الدوريات الأوروبية، حيث البرد القارس، خلافاً للعب في أدغال إفريقيا المشبعة بالرطوبة عالية حتى في ظل إقامة البطولة شتاءً.

ويلفت إلى أن منتخب مصر هو الوحيد الذي كان مؤهلاً للتألق في هذه الأجواء لكونه يضم عدداً كبيراً من لاعبي الأهلي المصري.

ويرى البار أن مشكلة "الفراعنة" كانت فنية بامتياز، إذ إن الجيل الحالي للكرة المصرية "من أسوأ الأجيال"، وأضاف: "لا منافسة في الدوري المصري"، مستدلاً بحديث الإعلام الرياضي المصري بواقعية عن حظوظ المنتخب.

ويؤكد المحلل الرياضي الجزائري أن منتخب تونس لا يختلف عن نظيره المصري، إذ يعاني من ضعف فني واضح ولم يقدم مستويات قوية، وخروجه من الدور الأول كان متوقعاً من مختلف الأوساط الكروية في البلاد.

أما بخصوص منتخب الجزائر، فيعتقد البار أنه كان حاضراً فنيّاً بشكل جيد واقترب من الأجواء الإفريقية بمعسكر تحضيري في توغو، لكنه "كان يتعرض لضغط من أذرع إعلامية جزائرية بهدف إفشاله ورحيل المدرب جمال بلماضي، وهو ما حدث"، كما أن التحكيم لعب دوراً كبيراً في إقصاء المنتخب الجزائري، حسب قوله.

ويضيف أن "الخُضر" منتخب الجزائر دخلوا البطولة تحت ضغط كبير، ووُجد من كان يطالبهم باللقب، كما أن الوصول إلى النهائي لا يرقى إلى مستوى التطلعات، مبيناً أن "الاتحاد الجزائري الحالي كان متماهياً مع هذه الأذرع الإعلامية بهدف إجبار بلماضي على الرحيل".

ويشير البار إلى أن منتخب المغرب لم يتأقلم مع الأجواء الإفريقية رغم أن الآمال كانت كبيرة على "أسود الأطلسي" ليُتوَّجوا بالنسخة الحالية، للدخول بأفضل شكل ممكن في النسخة المقبلة التي تستضيفها المملكة المغربية.

ويؤكد أن الخروج المبكر شكَّل صدمة كبيرة للشارع الرياضي والصحافة المغربية بعد الإنجاز المونديالي في "قطر 2022"، مبيناً أن الصدمة كانت مضاعفة بعد الخروج أمام منتخب جنوب إفريقيا، متَّهماً اللاعبين بدخول البطولة "بتكبر والوقوع في فخ التساهل وعدم احترام الخصوم".

وبعد هذا الفشل الكبير، لا يعتقد البار في وجود تبعات سوى السيناريو المعتاد بإقالة المدربين، وهو ما حدث برحيل جلال القادري والبرتغالي روي فيتوريا عن منتخبي تونس ومصر، وقرب رحيل بلماضي عن منتخب الجزائر، مؤكداً أنه في الدول العربية لا تُعالَج المشكلات من جذورها، بل تستمر المنظومة "الفاشلة" في العمل، حسب قوله.

"خيبة ومشاركة كارثية"

من جانبه، وصف المعلق الرياضي التونسي زياد عطية، نتائج العرب بالكأس الإفريقية بـ"الخيبة والصدمة الكبيرة لمنتخبات شمال إفريقيا"، باستثناء موريتانيا التي حققت الإنجاز وخطفت الأضواء بينما قدمت بقية المنتخبات مستويات "سيئة للغاية".

ويؤكد عطية لـTRT عربي، أن المشاركة العربية في "كان 2023" كارثية بكل المقاييس، مشيراً إلى أن أخطاء فنية كبيرة حدثت لهذه المنتخبات في البطولة خلال دور المجموعات.

ويؤكد أن التعامل مع المنافسين لم يكن بالشكل المثالي، إضافةً إلى سوء إدارة المنتخبات وغياب تخطيط مسبق للبطولة، خصوصاً تونس ومصر.

ويوضح عطية أن الشعور بالمثالية والأفضلية أصبحت طامة كبرى تُصيب منتخبات شمال إفريقيا خلال مواجهاتها مع بقية منتخبات القارة، خصوصاً منتخبات المستويين الثالث والرابع التي قدمت دروساً لعرب إفريقيا.

ويلفت إلى أنه لم تتسم منتخبات شمال إفريقيا بالتواضع والواقعية واحترام الخصوم، خصوصاً الرباعي التقليدي (مصر وتونس والجزائر والمغرب) تجاه المنافسين، وكان التفكير دائماً في الأدوار المتقدمة دون التحضير بشكل جيد لدور المجموعات.

ويتوقع عطية أن تبعات كبيرة قادمة عقب الخيبة العربية، مثل تغييرات مؤكدة ستطرأ على الأجهزة الفنية والرصيد البشري، كما ستطال القائمين على الاتحادات الكروية في تلك الدول.

ويشير إلى أن "كان 2023" شكَّلت صفعة قوية لمنتخبات شمال إفريقيا لإدراك حجم التطور والتغيير الحاصل في الكرة الإفريقية، والإقرار بضرورة وأهمية التغيير والتزام مشاريع ومخططات جديدة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً