سكان جزيرة مايوت يحيون شعائر شهر رمضان (Ali Al-Daher/AFP)
تابعنا

دخلت جزر القمر الإسلام بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بوقت قصير، حوالي عام 632م، عن طريق توافد العرب والفرس في هجرات متتالية إلى ساحل شرق إفريقيا في ما يعرف بالهجرة الشيرازية. ومنذ ذلك الوقت اختلط أفراد هذه الهجرات بالسكان الأفارقة ثم هاجروا إلى الجزر واستقروا فيها ليستقر معهم الإسلام هناك، وحتى الآن مازالت توجد بجزر القمر مقابر هؤلاء الأمراء الشيرازيين.

وفي القرن 19م، سنة 1841، وقعت جزر القمر تحت الاحتلال الفرنسي بجزرها الثلاث الكبرى: أنجوان، وموهيلي، ومايوت. ليخوض شعبها فيما بعد كفاحاً من أجل التحرر انتهى بالاستقلال البلاد سنة 1975. إلا أن الاحتلال الفرنسي رفض استكمال القمريين وحدتهم الترابية، مفضلاً الاحتفاظ بسلطته على جزيرة "مايوت" إلى اليوم. لتبقى الجزيرة وشعبها المسلم الأرض الوحيدة الإسلامية العربية بالاتحاد الأوروبي.

مايوت المسلمة بالاتحاد الأوروبي

يبلغ تعداد سكان جزيرة مايوت حوالي 288 ألف نسمة، 97% منهم مسلمون، يعيشون تحت السيادة الفرنسية إلى يومنا هذا بعد أن احتلت أرضهم سنة 1841م، ويحملون الجنسيَّة الفرنسيَّة. ورغم ذلك يحافظ سكان الجزيرة على هويتهم الإفريقية العربية، حيث ما زالوا يرتدون الأزياء التقليدية للجزيرة ويتحدَّثون لغاتهم الأم القمريَّة والعربية. كما أنهم ما زالوا يحافظون على دينهم الإسلامي، ومآثره بالجزيرة التي يقع فيها أقدم مسجد في فرنسا بني بداية القرن 16م.

وتقع جزيرة مايوت على الساحل الشرقي الإفريقي، في عرض المحيط الهندي، بمساحة تقدر بـ374 كيلومتراً مربعاً. وقد كافح سكان جزر القمر الاحتلال الفرنسي طويلاً، إلى أن متَّعهم بالحكم الذاتي سنة 1961، بعدها بثلاث سنوات طالبت الجزر بالاستقلال التام. وبعد كفاح طويل ضد الاحتلال أجبرت فرنسا على إجراء استفتاء حول الاستقلال في جزر القمر عام 1974.

سنة 1974، حسب تقرير سابق نشره مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية في تركيا، صوّت 95% من سكان جزر القمر الكبرى لصالح الاستقلال، الذي اعترفت به الأمم المتحدة بعد خمسة أشهر، إلا أن فرنسا أعادت الاستفتاء عام 1976، وهذه المرة صوّت 65% من سكان جزيرة مايوت لصالح البقاء تحت الإدارة الفرنسية، في حين صوّت 95% من سكان الجزر الأخرى لصالح الاستقلال. ولم تحصل على استقلالها رغم قرار الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

في سنة 2011، صوَّت سكان الجزيرة لصالح أن تصبح الجزيرة القسم 101 من الإدارة الترابية الفرنسية. وفي 2014 وافق الاتحاد الأوروبي على إدخالها ضمن أراضيه لتصبح أبعد أراض أوروبية عن عاصمته بروكسل. ومنذ سنة 1995، فرضت فرنسا التأشيرة على سكان جزر القمر من أجل الدخول إلى مايوت، ما دفع إلى تنامي الهجرة غير النظامية إليها، وأصبحت الجزيرة وجهة موجات اللجوء، حيث يقضي أغلب اللاجئين نحبهم بعرض قناة الموزمبيق وهم يحاولون الوصول إليها.

خيرات مايوت

حسب إحصائيات سنة 2019، فاق الناتج الداخلي الخام للجزيرة 2.6 مليار يورو، بمعدل 9600 يورو للفرد، أي أعلى بثماني مرات عن الناتج الداخلي لجزر القمر مجتمعة. وتراهن فرنسا في استمرار تمسكها بالجزيرة على مواردها الطبيعية الغنيَّة، وعلى رأسها الثروات البترولية. حيث تحيل تقارير الشركات المنقبة عن البترول في سواحل مايوت على وجود احتياطي مهم من المادة الحيوية. في وقت هدد رئيس جزر القمر، غزالي عثماني،باللجوء إلى القانون الدولي من أجل "حماية موارد بلاده من الاستغلال الفرنسي".

إضافة إلى البترول، تعتبر جزيرة مايوت أحد أهم المصدرين العالميين لزهرة الإيلنغ العطرية، حيث تمثِّل 84% من الواردات الفلاحية لمايوت، وتستخدم هذه الزهرة في صناعة العطور ومستحضرات التجميل. كما تُصدر مايوت كلاً من البُن والفانيليا والموز وجوز الهند.

هذا وتزخر جزيرة مايوت بطبيعة استوائيَّة خلابة، حيث تكسو تضاريسها الغابات الخضراء وتتخللها الوديان والينابيع العذبة، بالإضافة إلى شواطئها الجميلة وأحيادها المرجانية الجاذبة للغطاسين. وبفعل هذه المقومات أصبحت الجريرة وجهة سياحية صاعدة، اجتذبت سنة 2019 أكثر من 65 ألف سائح، بارتفاع بلغ 16% عن السنة السابقة لها.

مع كل هذه الخيرات ليست الحياة الاجتماعية داخل مايوت بالمريحة، هذا ما تثبته أرقام فرنسية، حيث إن 10% من سكان الجزيرة محرومون من الكهرباء، و29% يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، بل وأكثر من نصف سكان الجزيرة لا يتحصلون على حمامات. كما أن الحد الأدنى للأجور هناك أقل بـ25% عن مثيله بأراضي فرنسا الأوروبية.

TRT عربي