ما مستوى التكنولوجيا في أسلحة روسيا المتطورة؟ (Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي تستخدم فيه روسيا أسلحة دقيقة ومتطورة لضرب أهداف عسكرية على الأراضي الأوكرانية، وبينما يفخر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بامتلاك بلاده صواريخ فرط صوتية عالية الدقة لا يمكن اعتراضها ولا مثيل لها في العالم، فوجئ المحققون الذين فحصوا الأجهزة الإلكترونية في أحدث صواريخ كروز وطائرات الهليكوبتر الهجومية الروسية بالعثور على تقنية عمرها عقود أعيد استخدامها من طرازات سابقة. وفقاً لتقرير نشرته مؤخراً صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن تقرير جديد صدر يوم السبت عن Conflict Armament Research، وهي مجموعة مستقلة مقرها بريطانيا تحدد وتتتبع الأسلحة والذخيرة المستخدمة في الحروب في جميع أنحاء العالم، قول الخبراء إن الأسلحة الروسية تحتوي على مكونات منخفضة التقنية إلى حد ما، بما في ذلك نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، ولكن الأكثر هو ما عُثر عليه أيضاً في الذخائر الأخرى التي جرى الاستيلاء عليها.

ولفت التقرير إلى أن فريق البحث فحص المعدات الروسية في يوليو/تموز بدعوة من الحكومة الأوكرانية، والتي بدورها خوّلت ضباطاً من جهاز الأمن الأوكراني للعمل مع محللين خاصين بجمع أجزاء من الصواريخ المحطمة لكشف أسرار عدوهم.

ترسانة الصواريخ الروسية الحديثة

بعد مرور أقل شهر من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، كشفت وزارة الدفاع الروسية عن استخدام صواريخ فرط صوتية لا يمتلكها أحد سواها لضرب أهداف أوكرانية. ووفق بيان وزارة الدفاع الروسية الذي نشرته يوم 19 مارس/آذار الماضي، فقد جرى تدمير مستودع كبير تحت الأرض للصواريخ وذخيرة الطيران للقوات الأوكرانية في منطقة إيفانو فرانكيفسك باستخدام صواريخ "كينجال" (وتعني الخنجر بالروسية)، موضحة أن هذا الطراز من الصواريخ يمكن التحكم به بشكل كبير وتعجز عن رصده كل أنظمة الدفاع الجوي.

كانت تلك الضربة بمثابة المرة الأولى التي تعلن فيها موسكو استخدام صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل ولديها قدرة على المناورة والإفلات من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، وذلك بعد أن أصبحت روسيا رسمياً بمثابة أول دولة بالعالم تدخل هذا النوع من الأسلحة ضمن مخزونها العسكري عام 2018.

وإلى جانب صاروخ "كينجال" البالستي الذي تصل سرعته 10 أضعاف سرعة الصوت وباستطاعته حمل حمولة حربية نووية أو تقليدية بوزن 500 كيلوجرام، يحتوي مخزون القوات الروسية من الصواريخ فرط الصوتية عالية الدقة والتطور على صاروخ "أفانغارد" (وتعني الرائد بالروسية)، والذي كُشف عنه نهاية عام 2018 وبإمكانه التحليق بسرعة 27 ماخ (أي 27 ضعف سرعة الصوت) ويمكنه ضرب أهداف بدقة متناهية على بعد نحو 6000 كيلومتر. بالإضافة إلى صاروخ "تسيركون" الذي كُشف عنه عام 2021، وهو عبارة عن صاروخ روسي بحري "غير مرئي" مجنح وفرط صوتي، تصل سرعته القصوى إلى 9 أضعاف سرعة الصوت ويبلغ مداه الأقصى 1000 كيلومتر.

البصمة الغربية حاضرة

تُظهر التحقيقات أن الأسلحة التي تستخدمها روسيا في الحرب الأوكرانية غالباً تكون مدعومة بالابتكار الغربي، وذلك على الرغم من العقوبات المفروضة على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014، والتي وُضعت بالأساس لحظر توريد المنتجات عالية التقنية التي يمكن لها مساعدة القدرات العسكرية لروسيا.

وفي سياق متصل، قال المحقق في المجموعة التي أسهمت في التقرير داميان سبليترز: "رأينا أن روسيا تعيد استخدام المكونات الإلكترونية نفسها عبر أسلحة متعددة، بما في ذلك أحدث صواريخ كروز وطائرات الهليكوبتر الهجومية، ولم نتوقع رؤية ذلك". "الأسلحة الروسية الموجهة مليئة بالتكنولوجيا والمكونات غير الروسية، ومعظم رقائق الكمبيوتر التي وثقناها صنعتها دول غربية بعد عام 2014".

ووجد المحققون الذين حللوا بقايا ثلاثة أنواع من صواريخ كروز الروسية بما في ذلك أحدث طرازات موسكو وأكثرها تقدماً "Kh-101"، وأحدث صاروخ موجه وهو "Tornado-S"، أن كلاً منهم يحتوي على مكونات متطابقة تحمل علامة SN-99 والتي عند التفتيش الدقيق ثبت أنها أجهزة استقبال للملاحة عبر الأقمار الصناعية ضرورية لعملية الصواريخ. ما يعني أن روسيا تستخدم المكونات نفسها، الأمر الذي يمكن قراءته على وجود اختناقات في سلسلة التوريد الخاصة بها وأن تقييد توريد مكونات SN-99 سيبطئ قدرة موسكو على تجديد مخزونها المتناقص من الأسلحة الموجهة، وفقاً لسبليترز.

عقول قديمة تقود ترسانة حديثة

يقوّض التقرير الذي استندت إليه الصحيفة الأمريكية رواية موسكو عن جيش أعيد بناؤه محلياً ينافس مرة أخرى خصومها الغربيين، كما يثير كثيراً من الشكوك حول صحة ما تدعيه موسكو من امتلاك صواريخ ومقاتلات حديثة يصعب تعقبها والتصدي لها.

كما كشف التقرير عن اختلافات حادة بين الأسلحة الروسية عالية الجودة وتلك التي تلقتها القوات الأوكرانية من الولايات المتحدة. وقال المحققون إنهم صُدموا من اللامبالاة الواضحة من جانب روسيا لامتلاكها كثيراً من الأسلحة التي يمكن لعدوٍ ما أن يعيد هندستها، بعكس وزارة الدفاع الأمريكية التي تفرض معايير صارمة تلزم المتعاقدين العسكريين اتباعها لجعل الأمر أكثر صعوبة على الدول المعادية لبناء نسخها الخاصة من الأسلحة التي جرى الاستيلاء عليها.

وفي هذا الصدد، قال أرسينيو مينينديز، وهو مقاول في وكالة ناسا عكَس هندسة توجيه مكونات الأسلحة هوايةً، بعد فحص صور للإلكترونيات العسكرية الروسية التي التقطها الباحثون: "هذا هو مستوى أواخر التسعينيات أو منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في أحسن الأحوال". "إنها في الأساس تعادل وحدة التحكم في ألعاب الفيديو Xbox 360، ويبدو أنها مفتوحة لأي شخص يريد تفكيكها وإنشاء نسخته الخاصة منها".

TRT عربي