تَسلُّح غير مسبوق.. لماذا زادت أوروبا إنفاقها العسكري إلى مستويات قياسية؟ / AFP / Sam Yeh (Sam Yeh/AFP)
تابعنا

كشفت دراسة أعدها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 سجّل ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، إذ وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة.

ووفقاً لباحثين في مجال الأمن العالمي، ساهم ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش في تسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً، إذ بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ومدفوعةً بالحرب الأوكرانية المستمرة منذ أواخر فبراير/شباط 2022، عزّزَت أوروبا إنفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13% مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة. وهذه الزيادة هي الكبرى منذ أكثر من 30 عاماً، وتشكّل بسعر الدولار الثابت عودة إلى مستوى الإنفاق عام 1989 مع سقوط جدار برلين، وفقاً لما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

سباق تَسلُّح أوروبي

على الرغم من لعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في الدفاع عن دول الاتحاد الأوروبي منذ تأسيس حلف الناتو عقب الحرب العالمية الثانية، لا شك بأن الأزمة الأوكرانية المشتعلة منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 تُعتبر الدافع الأساسي لدخول الدول الأوروبية سباق تَسلُّح غير مسبوق في العقد الأخير.

فيما دفعت الصدمة التي تمثلت في الهجوم الروسي على حديقة أوروبا الخلفية، القادة الأوروبيين إلى زيادة حجم الإنفاق الدفاعي، إذ يقترب الآن معظم الدول الأوروبية في الناتو من هدف المنظمة المتمثل في أن ينفق جميع الأعضاء ما لا يقلّ عن 2% من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع، مع إنفاق بعض الدول مثل بولندا ودول البلطيق أكثر من ذلك بكثير.

وإلى جانب تدهور الأمن في القارة والديناميكيات المتغيرة للولايات المتحدة وسط انشغالها مع الصين، اكتسبت الحركات الشعبوية والقومية مكاسب في جميع أنحاء أوروبا، مدفوعة جزئياً بتصور أن القارة تتعرض لتهديد من قوى خارجية. جعل عديد من هذه الحركات الإنفاق العسكري المتزايد جزءاً أساسياً من برنامجها، وجذب الناخبين الذين يعتبرون القوة العسكرية جانباً رئيسياً للهوية الوطنية والأمن.

فيما تشير الإحصائيات الأخيرة إلى عودة الإنفاق العسكري العالمي إلى الارتفاع مجدداً منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد انخفاض حادّ في التسعينيات. فيما يرجع الخبراء بداية المنحنى التصاعدي هذا إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في قواتها العسكرية، وما أعقب ذلك من تطورات إثر ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014.

وهناك أيضاً من يعزو ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي إلى الكلفة الباهظة للأسلحة المتطورة تقنياً، كما في حالة فنلندا التي اشترت العام الماضي 64 طائرة مقاتلة أمريكية من طراز "إف-35".

أرقام وحقائق

بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أوروبا نحو 480 مليار دولار خلال عام 2022، مسجلاً بذلك ارتفاعاً فعلياً بمقدار الثلث خلال العقد الماضي، وهو مرشح أن يتسارع أكثر خلال العقد المقبل وسط تزايد التوترات على الحدود الشرقية مع روسيا.

وأشارت الدراسة إلى أن أوكرانيا وحدها ضاعفت إنفاقها سبع مرات ليصل إلى 44 مليار دولار، أو ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، مستفيدة من التبرعات بمليارات الدولارات من الأسلحة. فيما أظهرت التقديرات في الوقت نفسه ارتفاع الإنفاق الروسي على السلاح بنسبة 9.2% العام الماضي.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، بلغ إنفاق الولايات المتحدة على قوتها العسكرية 39% من الإنفاق العالمي، والصين في المرتبة الثانية بـ13%، ومعاً تشكلان أكثر من نصف الإنفاق العسكري العالمي. أما الدول التي تليهما فهي روسيا بنسبة 3.9% والهند بـ3.6% والسعودية بـ3.3%.

أما أوروبياً، فتعد بريطانيا أكبر منفق على الأسلحة في أوروبا، إذ تأتي في المرتبة السادسة بنسبة 3.1% من الإنفاق العسكري العالمي، متقدمة على ألمانيا التي سجلت 2.5% وفرنسا بنسبة 2.4%، وهي أرقام تشمل التبرعات لأوكرانيا. كما وعززت دول أوروبية مثل بولندا وهولندا والسويد استثماراتها العسكرية خلال العقد الماضي.

ماذا عن جيران الصين؟

وفي الشرق تَخلَّى حلفاء الولايات المتحدة عن السياسة السلمية التي تَبنَّوها طوال العقود السبعة الماضية وبدؤوا زيادة الإنفاق الدفاعي والحشد الملحوظ للجيوش والأسلحة خلال السنوات القليلة الماضية، تَخوُّفاً من الطموحات الصينية في المنطقة، بالإضافة إلى التهديدات بشأن تايوان.

وفي تَطوُّر دراماتيكي حدّدت اليابان الصين باعتبارها خصمها الرئيسي في الكتاب الأبيض للدفاع لعام 2019، معلنةً بذلك دخولها سباق التَّسلُّح وتعزيز قدراتها العسكرية وزيادة إنفاقها الدفاعي في غضون السنوات الخمس التالية، محاولةً ردع بكين عن الحرب في شرق آسيا، حسب تقرير تحليلي مطوَّل لـرويترز.

وفي سياق متصل أعلنت أستراليا اليوم الاثنين، عن أكبر إعادة تنظيم لقواتها العسكرية منذ عقود، مع إعادة تركيز استراتيجية جيشها على ردع أعداء محتملين بعيداً عن سواحلها. فيما أشار وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، إلى أن الاستراتيجية القائمة منذ عقود على حماية الأراضي "لم تعُد توفي بالمطلوب"، لافتاً إلى أنه في مواجهة الصين التي باتت أقوى، ستحول أستراليا تركيزها إلى ردع الأعداء قبل أن يصلوا إلى حدودها، سواء في البحر أو الجو أو الفضاء الإلكتروني، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

TRT عربي