إن طرق التعامل مع المراهقين وكيفية إشباع حاجاتهم وإرشادهم لها دور كبير في تحديد شخصية الفرد ومنحاه السلوكي في المستقبل (Others)
تابعنا

يشعر فجأة بالحزن الشديد والبكاء على أمور لا تستدعي ذلك، وأياماً أخرى تبدو عليه السعادة والفرح غير الطبيعي، وقد تتغير طبيعة العلاقة معه فيميل إلى قضاء وقت طويل بمفرده، تصبح فيه الخصوصية أول مطالبه. يرفض الانقياد للأوامر كما يرفض التزام القواعد، يُلاحَظ عليه النسيان وعدم التركيز والانتباه، ويشعر فجأة بالقلق.

هذه مجموعة من العلامات التي تظهر على المراهق صاحب التقلبات المزاجية، ترجع إلى طبيعة هذه المرحلة الخاصة، فمن المعلوم أن المراهق يختبر خلال هذه المرحلة العمرية عديداً من التغيرات، لا سيما في نظامه الهرموني، التي تسبّب له اضطراباً في المشاعر ينجم عنه التصرُّف بطريقة غير عقلانية.

بطبيعة الحال، يتبع هذه التغيرات الهرمونية تغيرات جسدية جذرية تظهر معها قفزة سريعة في النمو من ناحية الطول والوزن، وهو الأمر الذي يخلق له حالة من التوتر والاضطراب، فشكله الخارجي أصبح مختلفاً عمَّا اعتاده، ويدرك حينها أنه انفصل عن عالم الطفولة الذي كان يتمتع فيه بعديد من الامتيازات. ولكن في الوقت نفسه، لا يستطيع التصرف كالكبار. بناء على هذه الحالة من التذبذب، يصبح متقلب المزاج سريع الانفعال.

في سياق متصل، يكون دماغ المراهق لا يزال في مرحلة النمو لكي يصل إلى النضج. علمياً تُعتبر القشرة المخية أمام الجبهة هي آخر مراحل تطور الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن التوازن والتحكم في الانفعالات، واتخاذ القرار، لذلك يصعب على معظم المراهقين التحكم بمشاعرهم.

كما يرى عديد من الخبراء أسباباً خارجية قد تؤثّر في مزاج المراهق، منها على سبيل المثال الضغوط الأكاديمية، والنوم غير الكافي. فالمراهق يحتاج إلى نحو 9 ساعات من النوم على الأقلّ. توجد بطبيعة الحال أسباب تتعلق بسوء التغذية، وعدم القدرة على بناء صداقات دائمة ومستقرة.

جدير بالذكر هنا أن استمرار المزاج السيئ بشكل كبير ولفترات طويلة لا يعبر عن حالة طبيعية، وهو الأمر الذي يستدعي تدخلاً طبياً متخصصاً بناءً على الحالة. أما في حال كانت تقلبات المزاج ضمن المستوى الطبيعي فالأمر لا يستدعي القلق. وحسبما يرى المتخصصون، يجب أن يكون تدخُّل الأهل هنا حكيماً حتى لا تزاد الأمور سوءاً وليعبر من هذه المرحلة بسلام.

علاج تقلُّب المزاج عند المراهقين

الاستعداد المسبق

للتغلب على تقلبات المزاج يرى الخبراء ضرورة أن يستعدّ كلا الوالدين لهذه المرحلة، من خلال تَعرُّف سماتها والتغيرات التي تصاحبها وحاجات المراهق وآماله، إذ تكمن أهمية معرفة خصائص هذه المرحلة في تقديم المعلومات والتوجيهات والإرشادات للأبناء بطريقة تربوية تنسجم مع طبيعة المرحلة، حتى يجتاز هذه المرحلة اجتيازاً يقوّي ثقته بنفسه وبمن حوله، إذ إن أغلب المشكلات التي تقع مع المراهقين سببها نقص معرفة الوالدين بطبيعة المرحلة ومتطلباتها، فالمشكلات السلوكية الشائعة بين المراهقين التي يجدها الآباء صعبة ويقفون في حيرة أمامها هي جزء أساسي من هذه المرحلة.

لا بد من الإشارة إلى أنّ طرق التعامل مع المراهقين وكيفية إشباع حاجاتهم وإرشادهم لها دور كبير في تحديد شخصية الفرد ومنحاه السلوكي في المستقبل، وهنا تكمن أهمية التعامل معهم بطرق علمية، لكي لا تُشبَع حاجاتهم بطرق غير صحيحة فيؤدّي ذلك إلى سوء التكيف والصراعات التي تؤثّر في حياة المراهق. تمكن كلمة السر هنا في ضرورة الاستيعاب.

ضرورة إعطاء المراهق بعض الخصوصية

أغلب الآباء ينظرون إلى المراهق على أساس الطفل الذي تَعوَّد طاعتهم بلا مراعاة لخصوصية هذه المرحلة التي يبحث فيها المراهق عن تشكيل ذاته من خلال التقوقع الداخلي والبحث عن الخصوصية.

يرى إخصائيو التربية أن على الأهل هنا إدراك أن المراهق قد غادر مرحلة الطفولة، لذلك فقضية إشرافهم عليه وتوجيهه يجب أن تكون مختلفة. يرون أن أهمّ ما في الأمر الابتعاد عن أسلوب الطلب أو الأمر المباشر، وتبنّي عملية الإقناع. فالمراهق في هذه المرحلة يكون قد بنى نظاماً معرفياً يخوّل إليه أن يسائل المسلَّمات التي كان في السابق يستقبلها بلا تردُّد من والديه. وإن كان نظام المعرفة هذا غير ناضج فإنه كافٍ ليمنح المراهق الشعور بالذات والاستقلالية. أما كلمة السر هنا فتكمن في ضرورة الابتعاد عن الوصاية.

التواصل مع المراهق

اتفق خبراء التربية وعلماء النفس على أهمّية إشراك المراهق ومناقشته في حلّ مشكلاته وتعويده طرحها ومناقشتها مع الكبار، في الواقع معظم الآباء يشتكي عدم رغبة أبنائهم في التحدث إليهم، وهم في الحقيقة يهربون من أسلوب المحاضرة الذي يلجأ إليه الآباء غالباً بدلاً من المناقشة، فقد بيّنت نتائج إحدى الدراسات الميدانية أن أفضل أساليب المعاملة الوالدية للأب كما يدركها الأبناء هي التواصل، ثم التعاطف الوالدي.

في العموم مصاحبة المراهقين ومشاركة الهوايات والاهتمامات معهم من الوالدين تكون نقطة فارقة في حياتهم بالكامل، مما يعطيهم زيادة كبيرة في الثقة بالنفس والتعبير عمَّا يدور بداخلهم.

تشجيع المراهق على ممارسة الرياضة

ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية مهمَّة للغاية في التعامل مع تقلبات المزاج، إذ تساعد التمرينات الرياضية على توازن الهرمونات، فالرياضة تطلق هرمونات مفيدة مثل الدوبامين والإندروفين في الجسم، وهذا بدوره يُشعِر المراهق بالسعادة والحيوية.

على صعيد آخر، تُعتبر الرياضة من أفضل الوسائل لقضاء أوقات الفراغ مع الأصدقاء، وبديلاً صحياً من الجلوس أمام الشاشات، فقد أظهرت دراسة حديثة أن المراهقين الذين يمارسون الرياضة أقلّ عرضة للقلق والاكتئاب، كما أكّد الباحثون أن الرياضات الجماعية أكثر فاعلية في مواجهة مشاعر القلق والتوتر والاكتئاب.

الثناء وتعزيز السلوك الإيجابي

حتى نملأ الجانب العاطفي للمراهقين، لا بد من تقديم الدعم النفسي من خلال تعزيز القدرات وتقديم المكافأة، لذلك مهما كانت إنجازاتهم كبيرة أو صغيرة، وبغضّ النظر عن المرحلة العمرية، فالتعزيز والمديح يساعدهم على الشعور الإيجابي ويزيد تقديرهم لذواتهم وثقتهم بأنفسهم، ويحميهم من الوقوع في فخّ العلاقات المبكّرة التي تظهر في مرحلة المراهقة نتيجة الحاجة إلى سماع كلمات المدح والحب. كما يرى خبراء علم النفس، يُعَدّ الإشباع العاطفي إحدى أهمّ دعائم العبور الآمن لمرحلة المراهقة. فلا يعد من الحكمة شعور المراهق بالحرمان من الإشباع العاطفي، خصوصاً بعد أن اعتاده خلال فترة الطفولة.



TRT عربي