مجموعة من الطلاب في قاعة امتحان (Others)
تابعنا

لذا ينبغي بدايةً النظر إلى هذه المرحلة بواقعية، حتى لا نقع في فخّ التعظيم بإعطائها أكبر من حجمها، أو فخ التقليل بالتعاطي معها بنوع من اللا مبالاة. تحقيق التوازن هنا هو بداية الطريق نحو فترة اختبارات صحية، ففي النهاية هي فترة امتحانات مثل باقي الامتحانات يجب الاستعداد المُسبَق لها.

العامل النفسي من أهمّ الجوانب التي يجب الاهتمام بها، لذلك من الضروري تقديم الدعم النفسي اللازم للأبناء لخوض تلك الامتحانات بسكينة وطمأنينة بعيداً عن التوتر والقلق، وهذا الأمر يقع على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى، فهي التي يمكنها أن تمتصّ القلق من نفوس الأبناء وتكون مصدراً للاطمئنان لهم حتى لا يتحول هذا القلق إلى عقبة نحو دافعيتهم إلى الدراسة.

جدير بالذكر هنا أن من الطبيعي أن يشعر الطلاب بمشاعر الخوف والقلق، فهذه امتحانات مفصلية في سلكهم التعليمي. وهنا على الوالدين تقليل هذا الشعور لا إنكاره، فتفهُّم الأهلِ أولادَهم وتقديرهم حالتهم النفسية له دور فعَّال، ويساعدهم على تجاوز هذه المرحلة بهمَّة وطمأنينة.

فقد توصلت دراسة إلى عدة نتائج، أهمّها أن القيود التي تفرضها الأسرة على الطلبة وتعرُّضهم لكثير من النقد والضغط عليهم للمذاكرة المستمرة ومتابعة الأسرة بطريقة غير تربوية كالاستذكار والتدخُّل في شؤونهم الخاصة، كل ذلك يزيد الضغط النفسي. وكلما زاد الضغط النفسي على الطلبة قلّ مستوى الأداء الدراسي وظهرت مشكلات في الانتباه والتركيز وعدم القدرة على تخزين المعلومات واسترجاعها. إن أسرع طريقة للتعلم السريع والتذكُّر المثالي إنما تكون مع ذهنية بعيدة عن التوتر، وعقل غير منشغل بإرضاء الآخرين.

قلق الامتحانات

يُعرف قلق الامتحان في موسوعة علم النفس بأنه "حالة من القلق والتوتر والخوف تصيب الفرد نتيجة تعرُّضه لموقف اختبار". إذاً هو مزيج من الأعراض النفسية، كالتوتر الدائم والتردُّد والارتباك وضعف القدرة على التركيز وعدم الثقة بالنفس، إضافة إلى الأعراض الجسدية التي تظهر من خلال نوبات صداع وألم في الصدر وفقدان للشهية.

غالبية الدراسات تشير إلى أن القلق يقلّل مستوى التركيز والانتباه اللذين يُعتبران من العوامل الهامة لاجتياز الامتحانات بنجاح، لذلك يؤكّد علماء النفس أن قلق الامتحانات مشكلة حقيقة تواجه عدداً كبيراً من الطلاب وتشكّل مصدر أرق، ليس لهم فقط، بل يمتدّ أثرها إلى الأسرة. ويرى البعض أن القلق قد يكون أمراً إيجابياً ومفيداً إذا كان ضمن معدَّله الطبيعي الذي يحثّ الفرد على بذل مزيد من الجهد ويزيد حالة اليقظة والانتباه بما يساعد على إنجاز المطلوب. هنا المعادلة دقيقة ويجب الانتباه لها، فلا بأس ببعض القلق، ولكنّ كثيره مُقلِق.

يرى المختصون في المجال النفسي والتربوي أن قلق الامتحان موجود بين الطلاب بدرجات متفاوتة، ويُعزَى إلى أسباب عديدة، منها: القصور في الاستعداد للامتحان، وطريقة الاستذكار، ونقص الثقة بالنفس، والضغوط البيئية بخاصة ضغوط الأسرة التي تطمح طموحاً لا يتناسب مع قدرات أبنائها… هنا تبرز أهمية معرفة الأسرة قدرات الطالب والتعاطي معها بواقعية بعيداً عن تحميل الابن أو الابنة ما لا طاقة لهما به.

دور الأسرة في إزالة أو تخفيف قلق الامتحانات

على الأسرة مشاركة الطالب تنظيم أوقات الدراسة والفراغ على حد سواء، لتجنُّب إضاعة الوقت والتشتت. كما أن الدراسة الجيدة والتخطيط للامتحانات مُسبَقاً يخفِّفان الضغط على الطالب في أثناء الامتحانات، فمن المعروف أن الفترة التي تسبق الامتحان يجب أن تكون مخصصة للمراجعة فقط. فمن المفروض أن يكون الطالب أنهى دراسة الموادّ كاملةً ولا يعرّض نفسه للإرهاق الجسدي والنفسي قبل الامتحان. هنا يأتي دور الأسرة من خلال نقل خبرات أفرادها السابقين لأفرادها الذين يواجهون تجربة الامتحانات. هذا يقودنا إلى ضرورة إبقاء قنوات الاتصال بين الأسرة والطالب مفتوحة دائماً، فالتواصل ومشاركة المشكلات والحوار وتلاقُح الخبرات من أهمّ الأسباب التي تُفضي إلى نوع من الطمأنينة والثقة.

هنا تبرز ضرورة عدم ترهيب الطالب من الامتحانات من خلال إرسال النصائح السلبية من قبيل أنها "سنة تحديد المصير"، بل يجب إعطاؤه حوافز إيجابية لزيادة الدافعية لديه، مع الحرص على الابتعاد عن المنافسة السلبية مِثل "يجب أن تحصل على معدَّل أعلى من فلان"، فهذا من وجهة نظر الأهل نوع من التحفيز، إلا أنه في الحقيقة يُحبِط الطالب ويوتّره ويعوق إنجازه.

كذلك يجب وجود فترة استراحة في الجدول الدراسي، والفترة الصحيحة للاستراحة من خمس إلى عشر دقائق بعد كل ساعة مذاكرة، ونصف ساعة بعد كل ساعتين، على أن يقضيها الطالب كما يحب بأي نشاط، بعيداً عن الدراسة، سواء بالجلوس مع العائلة أو مشاهدة التليفزيون أو غيرهما. هذا يساعد على تجديد النشاط، مع الآخذ بعين الاعتبار وضع وقت محدَّد للاستراحة فلا تطول، فتنظيم الوقت مهمّ في هذه المرحلة.

أما عن التغذية فهي أحد أهمّ العوامل التي تساعد على الدراسة وتخفيف التوتر، فالاهتمام الجيد بالتغذية السليمة والأطعمة التي تعمل على زيادة التركيز وتمدّ الجسم بالطاقة، وتجنُّب استعمال المنبهات، والحرص على النوم عدد ساعات كافياً لتجنُّب فقدان التركيز وتشتيت الانتباه والوظائف الذهنية المختلفة، فقلة النوم تزيد القلق والتوتر. في السياق ذاته لممارسة التمارين الرياضية وتمارين التنفُّس دور كبير للتخلص من التوتر.

أما عوامل البيئة المحيطة كالإضاءة وعدم كفايتها أو سوء توزيعها أو الضوضاء بالإضافة إلى سوء التهوية وارتفاع درجة الحرارة، فإنها جميعاً عوامل مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار، ويؤدي تنظيم مكان الدراسة إلى خلق شعور إيجابي لدى الطالب وتشجيعه على الدراسة.

ومن الأمور المهمة بهذا الصدد مراعاة الابتعاد عن المشتتات، وهي من أهمّ الخطوات التي تساعد على الإنجاز والتركيز في أثناء الدراسة. وبالطبع الهاتف أكبر مشتِّت في حياتنا وحياة طلابنا، ويشكّل مصدراً لإهدار وقت الطالب الذي هو أحوج إليه في هذه الفترة. وفي دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا حول التركيز، خلصت إلى أن الشخص يحتاج إلى 20 دقيقة للعودة إلى مستوى التركيز الذي كان عليه.

من ناحية أخرى، يجب الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي وما تبثّه من شائعات حول طبيعة الامتحانات ومدى صعوبتها وما تنشره من أسئلة متوقعة تعمل على تشويش ذهن الطالب وتزيد توتره. بالأخذ بهذه النصائح العملية تكون الأسرة عاملاً مساعداً على تجاوز فترة امتحانات الثانوية العامة بنجاح.



TRT عربي