الرئيس إيمانويل ماكرون يكرم "الحركيين" الجزائريين (Gonzalo Fuentes/Reuters)
تابعنا

يبلغ تعدادهم أكثر من 800 ألف فرنسي الآن، حسب آخر إحصاء لتعدادهم، هم "الحركيون" وعائلاتهم، أولئك الجزائريون الذين تعاونوا مع الجيش الفرنسي وخدموا في عسكريَّته أثناء احتلاله بلادهم. أتى عليهم الدور ليعترف الرئيس إيمانويل ماكرون بما قدَّموه لفرنسا، يعتذر لهم، ويكرِّمهم بحزمة تعويضات مالية تشملهم.

يأتي هذا وفق تقرير من 188 صفحة أعده مؤرخون فرنسيون بالتنسيق مع جمعيات وممثلين عن وضع هؤلاء "الحركيين" وعائلاتهم منذ وصولهم إلى فرنسا بعد إعلان اتفاق وقف النار في 19 مارس/آذار 1962 الذي مهد الطريق لاستقلال الجزائر في 5 يوليو/تموز من العام ذاته. ويتضمن التقرير الذي عنونَ بـ "فرنسا تُكِنّ الاحترام والتقدير للحركييين" 56 إجراء أبرزها إنشاء "صندوق للتضامن ومساعدة الحركيين" بقيمة 40 مليون يورو، هدفه تقديم الدعم المالي لهم ولعائلاتهم وتمويل بعض المشاريع الاقتصادية، وفق القناة نفسها.

فيما لا يفصل المحللون في قراءتهم لإجراء ماكرون الأخير الأمر عن توقيت الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أقل من سبعة أشهر، مفسرين الأمر على أنه طوق نجاة للرئيس الذي ينوي إعلان ترشحه لولاية ثانية، بعد كل الهزائم التي عرفتها ولايته الأولى. كما يحاول خوض حملة انتخابية سابقة لأوانها من باب هذه الشريحة من الشعب الفرنسي.

تكريم "الحركيين" مناورة انتخابية؟

"الحركيون قدموا قوتهم، وسفكوا دماءهم من أجل فرنسا" هكذا وصفهم الرئيس ماكرون في خطابه أثناء دعوته لحوالي 300 شخص من الحركيين إلى قصر الإليزيه، الاثنين 20 سبتمبر/أيلول، قبل أن يشدد على أنه "عندما تهين حركياً، فأنت تهين فرنسا". في خطوة قرأت فيها جريدة لوموند الفرنسية أن الرئيس بدأ يلتجئ إلى شريحة استراتيجية من السكان استعداداً لخوض انتخابات 2022 بعد ولاية أولى لم تعرف سوى الانتكاسات المتتالية.

الشيء ذاته قرأه سياسيون فرنسيون، أغلبية ومعارضة، في إجراء الرئيس. حيث وصفت السيناتورة الجمهورية (أغلبية)، فاليري بويير، خطاب الرئيس بـ"كلمة الحق". قبل أن تتأسف قائلة: "إنه من المحزن انتظارنا إلى حين اقتراب السباق الانتخابي لنرى الرئيس يقوم بإجراءات جرى رفضها في السابق حينما كان الجمهوريون من يقترحونها".

على جانب المعارضة، غرَّدت زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، مارين لوبان معلِّقة على الأمر بـ "الكرم الانتخابي" لرئيس الجمهورية الذي "لن يمحو عقوداً من الاحتقار والمساس بذاكرة هؤلاء المحاربين لصالح فرنسا الذين جرى اتهامهم سنة 2017 بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية". في إشارة إلى خطاب ماكرون أثناء حملته الانتخابية السابقة حين زار الجزائر وقال بأن الاستعمار الفرنسي "ارتكب جرائم ضد الإنسانية" هناك.

القوة الانتخابية للحركيين

تعيد خطوة ماكرون إزاء "الحركيين" إلى الأذهان ما حدث سنة 2016، خلال ظرفية سياسية مشابهة للتي تعرفها فرنسا اليوم، أثناء إحياء "اليوم الوطني لذكرى الحركيين" الذي يحل في 25 سبتمبر/ أيلول من كل سنة. هذا اليوم الذي غالباً لا يثير اهتمام السياسيين، لكن في ذلك الوقت حضرت مراسيمه كل الزعامات السياسية الفرنسية والمرشحين للرئاسيات التي كانت ستبدأ لتوها.

وقتها، أوردت صحف فرنسية بأن علة هذا الحضور هو الرهان الانتخابي على تلك الشريحة من الفرنسيين. بالمقابل يمثِّل "الحركيون" بضع عشرات الآلاف من الأصوات، لكن "التوجه إليهم بالتكريم يحمل رسالة كذلك لشريحة الفرنسيين المزدادين بالجزائر الفرنسية والذين يمثلون أكثر من ثلاثة ملايين صوت" تقول مراسلة "فرانس آنفو" أثناء تغطيتها ذلك الحدث.

وقبلها لم يفت المرشح الرئاسي الاشتراكي فرانسوا هولاند أثناء حملته الانتخابية سنة 2012 تقديم وعود لـ "الحركيين" حيث تعهَّد بـ"الاعتراف بخطأ فرنسا في التخلي عنهم". فيما يعود ترسيم يومهم الوطني إلى ولاية الرئيس السابق جاك شيراك، الذي قرر تخليد ذلك اليوم في تاريخه المذكور بداية من سنة 2001.

TRT عربي