هل تعوّض الولايات المتحدة أحفاد ضحايا "زمن العبودية"؟ (AP)
تابعنا

أُلغيَ بيع البشر وشراؤهم في الولايات المتحدة قبل أكثر من 200 عام، بيد أن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لممارسة الرق لا تزال قائمة. مؤخراً برزت حركة "حياة السود مهمة" التي أثارت موضوع تعويضات الولايات المتحدة لأحفاد ضحايا الرق. أما الأمم المتحدة فقد دعت في تقرير لها الثلاثاء الولايات المتحدة إلى دفع تعويضات لأحفاد الذين عانوا الاسترقاق.

تتمثل الفكرة الأساسية في هذا المطلب، في ضرورة منح أحفاد الذين أخضعوا للاستعباد تعويضاً مالياً عن أضرار استمرت بعد فناء الأجيال الذين تأثرت حياتهم مباشرة بالعمل القسري الذي كانوا يؤدونه خلال فترة العبودية. وركز القائمون على هذه الحملة على ضحايا الاتجار بالعبيد عبر المحيط الأطلسي، أي استعباد ونقل أحد عشر مليون رجل وامرأة وطفل إفريقي إلى الأمريكتين، ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر.

الأمم المتحدة تدعو إلى دفع التعويضات

دعت "لجنة القضاء على التمييز العنصري" التابعة للأمم المتحدة في التقرير الذي صدر عنها الثلاثاء، الولايات المتحدة إلى بدء عملية منح تعويضات لأحفاد العبيد كجزء من "التعويض عن إرث الماضي". وذكرت اللجنة في تقريرها أنها "يساورها القلق من استمرار تركة الاستعمار والرقّ في تأجيج العنصرية والتمييز العنصري بالولايات المتحدة وتقويض تمتُّع جميع الأفراد والمجتمعات تمتُّعاً كاملاً بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

يذكر جوش ماركوس في تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت أن "لجنة القضاء على التمييز العنصري"، وهي جزء من مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تراقب تَقدُّم الدول الأعضاء في تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، "التي انضمّت إليها الولايات المتحدة عام 1994 بتحفظات عديدة".

سلّط تقرير الثلاثاء الأممي الضوء على الطرق التي تواصل بها الولايات المتحدة تكريس عدم المساواة العرقية من خلال عنف الشرطة، واستخدام السلاح، والعنصرية الانتقائية، وأوصى بتشكيل "لجنة تعويضات" كاستراتيجية رئيسية لبدء عملية تحقيق العدالة.

من ناحية أخرى ثمّنَت الأمم المتحدة الجهود المبذولة على مستوى الدولة في مجال "المعالجات العنصرية والتعافي" بالولايات المتحدة، مثل لجنة "لينشينغ للحقيقة والمصالحة" في ولاية ماريلاند، أول هيئة من نوعها بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى اهتمام ودراسة ولاية كاليفورنيا المستمرة لتعويضات أحفاد من كانوا مسترَقّين.

سبق أن أصدرت "فرق العمل المعنية بالتعويضات في ولاية كاليفورنيا" أول تقرير لها شرح بالتفصيل تاريخ الولاية من العبودية والعنصرية، وأوصى بالطرق التي قد تبدأ بها الهيئة التشريعية إنصاف سكان كاليفورنيا السود، بما في ذلك مقترحات لتقديم منح الإسكان، وقروض الأعمال، والتعليم المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور. كما تصف الدراسة المكونة من 500 صفحة عقوداً من الإجراءات الحكومية والفيدرالية التي أضرت بالأمريكيين السود من العبودية الأمريكية إلى الخطوط الحمراء الأخيرة، والسجن الجماعي، وإجراءات الشرطة، واتساع فجوة الثروة بين السود والبيض.

التعليم المجاني وتأمين الوظائف

لطالما نوقشت فكرة التعويضات في الولايات المتحدة، من الوعود المبكرة بـ"40 فداناً وبغل" من زمن الرقيق والتحرر بعد الحرب الأهلية، إلى النقاش والحوار الذي أثير مؤخراً. ففي الولايات المتحدة أتبع إلغاءَ العبودية عام 1865 تعهُّدٌ بدفع "أربعين فداناً من الأرض وبغل" لكل عامل تَحرَّر. فالموضوع بالغ التعقيد، ويثير كثيراً من التساؤلات حول مدى اتساع نطاق قياس ضرر العبودية، وأفضل السبل لتحديد من يجب أن يتلقى تعويضات نتيجة لذلك.

يقدّر أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك ويليام داريتي، أحد الأكاديميين البارزين الباحثين بمسألة التعويضات، أن قرابة 30 مليون شخص يمكن تتبع أسلافهم العبيد، وأنه يجب أن يحصل كل منهم على ربع مليون دولار. لكن هذا المبلغ المتواضع نسبيّاً قد يكلّف عشرة تريليونات دولار، بما يتجاوز ضعفَي ميزانية الحكومة الأمريكية كاملة. ويضيف أن "الغرض من التعويضات هو محو اللا مساواة بين السكان البيض والسود".

تَضمَّن التقرير الأممي بعض الإيجابيات، إذ أشاد مراقبو الأمم المتحدة بالقادة الأمريكيين للتقدم المُحرَز في بعض النواحي، مثل الأمر التنفيذي للرئيس جو بايدن في مايو بشأن تكتيكات "استخدام الشرطة للقوة"، وقانون "الخطوة الأولى" لدونالد ترمب عام 2018 الذي أصلح جزئيّاً الأحكام المتعلقة بالمخدرات وإعادة التأهيل.

لكن تقرير "لجنة القضاء على التمييز العنصري" الأممي في الوقت نفسه حثّ الولايات المتحدة على بذل مزيد من الجهد، مشيراً إلى مآسي إطلاق النار الأخيرة مثل "أوفالدي" و"بافالو" التي تُظهِر كيف تتشابك وتتلاقى كثيراً مشكلات الولايات المتحدة المختلفة مع العنف المسلح والعنصرية.

TRT عربي