تابعنا
برزت مخاوف وتحذيرات من قبل جهات عدة تدق ناقوس الخطر تجاه كارثة إنسانية جديدة، تزيد من احتمالية فقدان المزيد من الأرواح عبر انتشار واسع للأوبئة والأمراض المعدية.

لم تنته تداعيات كارثة فيضانات ليبيا عند التسبب بموت وإصابة الآلاف، فلا يزال واقع الحال في المناطق المنكوبة يُنذر بتداعيات إنسانية أخرى كارثية، تتصدرها تلك المتعلقة بالبيئة الخصبة لانتشار الأمراض والأوبئة خصوصاً مع تزايد احتمال تحلل الجثث الموجودة تحت الردم.

وأعلنت الأمم المتحدة في آخر إحصائية لأعداد الضحايا وصولها إلى 11 ألفاً و300 قتيل، و 10 آلاف و100 مفقود، فيما أودت الفيضانات بحياة 170 شخصاً في أماكن أخرى بمناطق شرقي ليبيا خارج درنة، بينما وصل عدد النازحين في شمال شرقي البلاد إلى نحو 40 ألفاً.

وبرزت مخاوف وتحذيرات من قبل جهات عدة تدق ناقوس الخطر تجاه كارثة إنسانية جديدة، تزيد من احتمالية فقدان المزيد من الأرواح عبر انتشار واسع للأوبئة والأمراض المعدية.

وكان المجلس البلدي في درنة قد أعلن عبر بيان مقتضب الأحد 17 من سبتمبر/أيلول أن "مكتب الإصحاح البيئي التابع للبلدية باشر بتعقيم أماكن تجمع الجثامين والمواقع (الأخرى)"، وصرّح أحد موظفي المكتب لوكالة "الأناضول" أن "الخطوة تأتي استجابة للتحذيرات المتكررة من مخاطر واحتمال وقوع كارثة بيئية ناتجة عن تحلل الجثث غير المنتشلة في المياه، وبخاصة بعد اختلاط مياه الفيضانات بمياه الصرف الصحي ومياه الشرب التي يعتمد عليها سكان المناطق المنكوبة".

هل المقابر الجماعية تُهدد الصحة العامة؟

حجم الكارثة وكثرة أعداد الضحايا شكّل تحديات تواجه السلطات الرسمية في التعامل مع جثث المتوفين، وطرق الدفن، إذ ترفع هذه المشكلة تساؤلات حول ازدياد فرص انتشار الأمراض والأوبئة في مناطق ليبيا المنكوبة.

رجال إنقاذ أتراك يساهمون في عمليات الإغاثة (TRT Arabi)

وحسب شهادات محلية، فإن الفرق الطبية وفرق الطوارئ المحلية والدولية لا تتناسب أعدادها مع حجم الكارثة وأعداد المصابين والضحايا، مما يشير إلى المزيد من فرص التعامل الخاطئ مع الجثث خصوصاً أن المواطنين يساهمون بإجراءات الدفن ومساعدة الفرق المختصة دون معرفة معايير السلامة والإجراءات المتبعة.

ويقول المتحدث باسم هيئة الطوارئ والإسعاف الليبية الدكتور، أسامة علي، لـTRT عربي إن "سوء التعامل مع الجثث، واضطرار الجهات الفاعلة على الأرض إلى التوجه لدفن ضحايا الفيضانات بمقابر جماعية، وذلك بسبب الأعداد المهولة للجثث وصعوبة تهيئة ظروف مناسبة لإجراءات الدفن المناسبة، أبرز التحديات الأساسية".

وأضاف أن "معظم المواطنين الناجين من الفيضان تعاملوا مع الجثث التي لفظها البحر ودفنوها بأنفسهم".

وصرّح عبد المنعم الغيثي، عمدة بلدية درنة، لوكالة "رويترز"، أنه "يخشى أن تصاب المدينة الآن بالوباء بسبب العدد الكبير للجثث الموجودة تحت الأنقاض وفي المياه".

كما أعلن رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان أسامة حماد عن إجراءات احترازية في إطار مواجهة الكارثة، وأن السلطات قد تعزل المناطق المتضررة عن درنة خوفاً من انتشار الأوبئة.

بدورها، نفت منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي تشكيل جثث قتلى الكوارث مخاطر على الصحة العامة على خلفية فيضانات ليبيا.

وقال رئيس وحدة العلوم الطبية والتقنية الشرعية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيار غويومارك، "لا توجد أدلة تؤكد الاعتقاد السائد بأن الجثث ستسبب الأوبئة، ونحن نرى حالات عديدة تتناول فيها تقارير إعلامية وحتى بعض المتخصصين في مجال الصحة هذه المسألة بشكل خاطئ، واحتمال أن يسبب الناجون من حادثة مثل كارثة طبيعية انتشار الأمراض أكثر من احتمال تسبب جثث الموتى بانتشار الأمراض".

وأكدت المنظمتان الدوليتان أهمية أخذ العامل النفسي بالاعتبار للأسر التي فقدت أحباءها عبر دفنهم بمقابر فردية موثقة بشكل جيد ويسهل تعقب مكان وجودها.

صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة

وإضافة إلى أزمة التعامل مع الجثث زادت المخاوف من تفاقم أزمة المياه الملوثة في المناطق المنكوبة وانتشار الأمراض، إذ جرى تسجيل 150 حالة تلوث لمياه الشرب نتيجة اختلاطها بمياه الصرف الصحي في درنة إلى غاية 16 سبتمبر/أيلول الحالي، حسب مدير المركز الليبي لمكافحة الأمراض، حيدر السائح.

استمرار عمليات رفع الأنقاض في مدينة درنة وسط مخاوف من انتشار وباء بسبب تحلل الأجساد (TRT Arabi)

ويؤثر تلوث مصادر الطاقة المائية وما ينجم عنه من مخاطر على جميع مناحي الحياة، ويودي بحياة المزيد من الضحايا وعلى الأخص الأطفال منهم، إذ تشير الدراسات إلى أنه يجب أن تكون المقابر على بعد 30 متراً على الأقل من مصادر المياه الجوفية المستخدمة لمياه الشرب، كما يجب أن تكون أرضيات القبور على الأقل 1.5 متر فوق منسوب المياه الجوفية، وهذه ظروف لم تجرِ مراعاتها في الغالب في عمليات الدفن العشوائية التي وقعت في المناطق المنكوبة.

وبعد أيام من الكارثة بدأت حكومة الوحدة الوطنية بتسجيل حالات تسمم بالمياه الملوثة معظمها من الأطفال النازحين الذين فقدوا عائلاتهم خلال الفيضانات، إذ أعلنت أن تلك الإصابات نجمت عن المياه المختلطة بمياه الصرف الصحي.

كما نشر المركز الوطني لمكافحة الأمراض توصيات حول مياه الشرب، واستخدام المياه لأغراض أخرى، شملت غلي أو تنقية المياه إذا لم يجرِ التأكد من سلامتها، وتخزين المياه بشكل صحيح، إضافة إلى تجنب شرب مياه الفيضانات.

مخاطر نقل مخلفات الحرب

جانب آخر من هول الكارثة في بلد يشهد حرباً منذ سنوات عديدة أن الفيضانات أدت إلى نقل مخلفات الحرب إلى جميع المناطق المنكوبة.

وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن خطر مواجهة مخلفات الحرب القابلة للانفجار منتشر بجميع أنحاء مدينة درنة والمناطق المنكوبة، وهو الأمر الذي يضيف عبئاً جديداً على خلايا الأزمة.

وقال رئيس بعثة اللجنة الدولية إلى ليبيا، يان فريديز، إن "اللجنة الدولية تقيّم المخاطر التي تشكلها الذخائر غير المنفجرة ومخازن الذخيرة المهجورة في درنة، ما يشكل تحدياً إضافياً للسكان"، وأن "فرق الطوارئ والسلطات تعمل الآن على تخفيف الصعوبات".

حالة طوارئ لمدة عام

يشدد المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا على تقسيم درنة إلى ثلاث مناطق حسب شدة الخطورة، وهي:

جانب من الدمار الذي لحق مدينة درنة الليبية جراء الإعصار (TRT Arabi)

المناطق المتضررة شديدة الخطورة التي تعرضت للضرر الأكبر بفعل الكارثة البيئية ويحظر بشكل تام وصول المواطنين إليها ويقتصر الوجود فيها على العاملين بالقطاع الصحي والمدني وفرق الإنقاذ.

ويتوجب على العاملين بالقطاع الصحي وفرق الإنقاذ اتخاذ إجراءات السلامة وارتداء البدل الواقية والحرص على استخدام القفازات والكمامات، خصوصاً أثناء التعامل مع الجثث.

المناطق الهشة، وهي المناطق التي تعرضت للضرر بشكل أقل يسمح بالوجود فيها للضرورة القصوى مع حظر استخدام الموارد الطبيعية للمياه، والاعتماد فقط على المياه المعدنية التي توفرها الجهات المعنية.

المناطق الآمنة، وهي التي لم تتضرر أثناء الفيضانات وتأوي حالياً العوائل النازحة من بقية المناطق لكنها تحتاج إلى المزيد من الدعم والمراقبة الصحية والحرص على التعقيم والإجراءات الطبية خصوصاً لدى الأطفال، إذ إن هذه المناطق سجلت عشرات حالات التسمم جراء استخدام مياه الشرب الآسنة ومعظم مصادر المياه اختلطت بمياه الصرف الصحي.

وكان المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا قد أعلن في 16 سبتمبر/أيلول حالة الطوارئ لمدة عام في كامل المناطق الشرقية، فيما من المتوقع استمرار عمليات البحث عن الناجين وانتشال الجثث في المناطق المنكوبة "عدة أيام" لوجود عديد من المباني المدمرة، وفق الناطق باسم جهاز الإسعاف والطوارئ بحكومة الوحدة الوطنية أسامة علي.


TRT عربي
الأكثر تداولاً