تابعنا
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، يوم الأربعاء، عن انتخابات سابقة لأوانها في البلاد، وذلك بعد حصوله على إذن من الملك بحل البرلمان، سيصير لاغياً منذ نهاية الشهر، في انتظار انتخاب نواب جدد عبر الاقتراع المرتقب.

وحدّد سوناك تاريخ الانتخابات المبكّرة، في يوم 4 يوليو/تموز المقبل. وقال خلال الكلمة التي ألقاها أمام داونينغ ستريت: "الآن هو الوقت المناسب لبريطانيا لتختار مستقبلها"، بينما اعتبر أن بريطانيا، من خلال التصويت لحزب العمال، "ستخاطر بالعودة إلى المربع الأول".

ويأتي هذا الإعلان على بعد أيام قليلة من إجراء الانتخابات المحلية في بريطانيا، التي شهدت أسوأ انتكاسة للمحافظين منذ 40 عاماً في الانتخابات. وبينما يصارع سوناك للبقاء على رأس الحزب المحافظ، تشير استطلاعات الرأي حاليّاً إلى نتائج تتراوح بين الفوز المريح لحزب العمال وهزيمة مدمرة للحزب الحاكم في شهر يوليو/تموز المقبل.

وردَّ زعيم المعارضة، كير ستارمر، على هذا الإعلان، بالقول إن "بريطانيا تستحق أفضل" من حزب المحافظين، وإن حزب العمال الذي يتزعمه سيفعل ذلك، مشدداً على أن "وقت التغيير قد حان"، وأن "الإجابة ليست خمس سنوات أخرى من حكم المحافظين.. لقد فشلوا".

ويطرح الإعلان المفاجئ عن الانتخابات المبكرة عدة أسئلة حول أسباب إقدام سوناك على هكذا خطوة في ظل الظرفية السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، فضلاً عن تداعياتها على المشهد السياسي البريطاني.

ماذا وراء قرار سوناك؟

من الناحية السياسية، يُجمع محللون أنه بعد النتائج السيئة التي حصدها المحافظون خلال الانتخابات المحلية، يتعلق سوناك بمغامرة انتخابية جديدة، سعياً منه للواقع المأزوم الذي عاشه هو وحزبه خلال الأشهر الأخيرة.

وهو ما أكده تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية، بقوله إنه عندما تستمر في تلقي الأخبار السيئة على طول الأشهر الأخيرة، بنفس القدر الذي تلقاها بها رئيس الوزراء البريطاني، فسوف تتقبل أي شيء في طريق الحظ السعيد.

وكان من المتوقع أن يشهد الحزب المحافظ ثورة ضد سوناك، لولا إعادة انتخاب عدد من مرشحيه لرئاسة بلدياتهم، وإن كان ذلك جرى بفوارق ضئيلة للغاية. غير أن المخاوف لا تزال مستمرة في أوساط المحافظين، يحفزها نجاح حزب العمال في تدارك فجوة الشعبية بينه وبين الحزب الحاكم لأول مرة منذ 2019، وفق ما أشارت إليه الاستطلاعات.

وبالتالي، فإن ركض سوناك وراء انتخابات عامة مبكرة هو محاولة لقلب الطاولة على خصومه داخل الحزب، كما قلب الطاولة على العماليين، مستفيداً من بعض النجاحات التي حصدتها حكومته مؤخراً، مثل بداية الانفراج الاقتصادي في البلاد بعد سنوات الركود التي أعقبت اندلاع الحرب في أوكرانيا، ونجاحه في المُضيّ قُدُماً في خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.

وكشفت المؤشرات، يوم الأربعاء، حدوث اخفاض حاد في مستويات التضخم، لتقترب من عتبة 2%، التي كان البنك البريطاني قد حددها لها. كما أظهرت الأرقام الصادرة، يوم الخميس، أن أعداد الهجرة إلى المملكة المتحدة تراجعت بنسبة 10% في عام 2023، وهو ما اعتبره وزير الداخلية جيمس كليفرلي انتصاراً للحكومة.

وفي خطابه لإعلان الانتخابات العامة، سعى سوناك إلى تأكيد هذه النجاحات، محذراً من التراجع عنها في حال التصويت لصالح العمال، إذ "ستخاطر البلاد بالعودة إلى المربع الأول".

ويراهن رئيس الوزراء أيضاً على عنصر المفاجأة التي يمكن أن تشوب عملية الانتخاب، بالرغم من إجماع المحللين على أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، خصوصاً وأن استطلاعات الرأي تشير إلى تخلُّف حزب المحافظين بفارق 20 نقطة عن حزب العمال المعارض.

وهو ما أكدته الغارديان، بقولها إن الجميع كان ينتظر استمرار سوناك في منصبه حتى الخريف المقبل، من أجل تدارك انحدار نسب نيّات التصويت للمحافظين. لكن على ما يبدو فإن رئيس الوزراء يعتقد أن آفاق حزبه من غير المرجح أن تتحسن بين الحين والآخر، وربما كان يأمل أن يقف عنصر المفاجأة إلى جانبه ويعزز إمكانية التصويت لصالحه.

ما تداعيات الانتخابات المبكرة؟

ويشكك عديد من المحللين للشأن البريطاني في نجاح رهان سوناك بإعلانه انتخابات مبكرة. وقال برونوين مادوكس، مدير مركز تشاتام هاوس للأبحاث، إن موعد الانتخابات صدم عديداً من المحافظين، الذين كانوا يعتقدون أنها ستُجرى بفارق زمني بسيط عن انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأضاف المحلل السياسي: "يجب أن نفهم أن سوناك كان يرى (إجراء الانتخابات في الخريف) أمراً جيداً قدر الإمكان (...) إذ سيمنحه ذاك مجالاً أوسع (لتحسين صورته) مع بدء سماع مؤشرات تحسن الاقتصاد، وانخفاض أسعار المنازل، وتراجع القلق بشأن فواتير الطاقة، لكنني مندهش من أنه لم يفعل ذلك، وقرر عدم منح هذه المؤشرات وقتاً أطول لتتجلَّى".

بالمقابل، يرى آخرون أن تراجع المحافظين في الانتخابات المحلية يعني أن العمال سيفوزون بالانتخابات العامة. وقالت المحاضِرة في جامعة إكستر، هانا بونتينغ: "بينما كان أداء المحافظين سيئاً للغاية في تلك الانتخابات (المحلية)، فإن الفائزين الحقيقيين كانوا الأحزاب الصغيرة والمستقلين، بدلاً من حزب العمال".

وتخلُص بونتينغ إلى أنه "إذا تُرجم ذلك إلى انتخابات عامة أيضاً، فإن فوز حزب العمال الساحق يبدو أقل تأكيداً بكثير".

ومن الناحية الاقتصادية، فإن إعلان انتخابات عامة مبكرة في بريطانيا، أزال طبقة عدم اليقين التي خيمت لأشهر طويلة على الأسواق، وبعثت برسائل طمأنة للمستثمرين من تعافي اقتصاد المملكة المتحدة، حسب وكالة رويترز.

وهو ما انعكس إيجابيّاً على الأسواق، وأدى إلى دفع قيمة الجنيه الإسترليني إلى تحقيق ارتفاع طفيف، فضلاً عن تراجع بسيط للعقود الآجلة للأسهم.

ونقلت الوكالة عن إيمانويل كريماليس، استراتيجي أسعار الفائدة في بنك "يو بي إس"، قوله: "هذه (الانتخابات) شيء كانت السوق تتوقعه منذ فترة. وحقيقة فإن تبكير موعدها قد يكون جيداً للسوق، مع الأخذ في الاعتبار وجود بعض التكهنات حول مزيد من التحفيز المالي قبل الانتخابات".

TRT عربي
الأكثر تداولاً