أعلنت أستراليا فجأة انسحابها من صفقة استيراد الغواصات التقليدية من فرنسا، مقابل حصولها على غواصات نووية من الولايات المتحدة وبريطانيا.
ووفقاً لما أفادت به مصادر إعلامية نقلاً عن خبراء عسكريين، فإنّ فائدة الغواصة الأمريكية النووية تكمن في عدم اضطرارها إلى الغوص في أعماق البحار، لأنها تتيح لطاقمها أن يبقيها مغمورة بالمياه وأن تبقى متخفّية لفترة أطول، وهو الأمر الذي لا تتمتع به الغواصات التقليدية على غرار الغواصات الفرنسية، دون تعريض نفسها للاكتشاف، إضافة إلى عديد من المزايا الأخرى.
وتطمح أستراليا عبر هذا الاتفاق التاريخي، باستحواذها على غواصات الدفع النووي، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، وفتح الطريق أمام حصولها على مزيد من المعدات العسكرية، على غرار صواريخ "كروز" الأمريكية من طراز "توماهوك"، التي أعلن عنها موريسون في إطار اتفاق "أوكوس" الجديد.
فما الغواصات النووية؟ وما أهمّ ما يميّزها من الغواصات التقليدية؟ وما الدول التي تمتلكها؟
سرعة فائقة والبقاء عشرات السنين تحت سطح البحر
تعمل الغواصات النووية بواسطة مفاعلات على متنها، تنتج طاقة نووية عن طريق تقسيم الذرات لتوليد الحرارة، التي تُستخدم بعد ذلك في صنع بخار للتوربينات التي تولّد بدورها الكهرباء لتشغيل قوة الدفع وأنظمته الداخلية.
وتسحب الغواصة النووية مياه البحر وتنقيها عبر عملية تحلية المياه، وذلك بُغية تكوين البخار وخلق الأكسيجين من خلال التحلل المائي بعد امتصاص ثاني أكسيد الكربون أو ملوثات أخرى من الهواء، ويُستخدَم بعض هذه المياه النظيفة للشرب أيضاً.
وبصفة أساسية، تعمل الغواصات النووية في عُرض البحار والمحيطات بعيداً عن الشاطئ، وتستطيع الغوص إلى عمق يبلغ مئات الأمتار تحت سطح البحر ولسنوات طويلة يصل إلى حد عمرها الذي يبلغ نحو 25 سنة، إذ لا تحتاج إلى إعادة التزوّد بالوقود طوال تلك السنوات.
كما تستطيع الحركة بسرعة فائقة في عرض المحيطات، غير أنّها لا تتمتع بنفس الخصائص المذكورة عند سيرها في مياه ضحلة بقرب السواحل، وبطبيعة الحال مدة بقائها تحت سطح البحر محددة بعامل الإنسان الذي يحتاج إلى غذاء، فلا بد بين حين وآخر من الرسوّ وتلقّي تموين الغذاء للبحّارة من أحد المواني.
ميزات استراتيجية ومخاطر كارثية
يوفّر محرك الطاقة النووية للغواصة عديداً من المزايا، فعند مقارنة هذا النوع بالغواصات التقليدية التي تعمل بالديزل، نجد أن المفاعل النووي يُغني الغواصات النووية عن الحاجة المستمرة إلى الهواء الذي تحتاج إليه ذوات محرّك الديزل لتحدث عملية الاحتراق الداخلي لتوليد طاقة الحركة الضرورية للمسيرة تحت الماء.
وعلى عكس الغواصات التقليدية، تتمكّن الغواصات النووية من البقاء لمدد طويلة في رحلات بعيدة بلا حاجة إلى التزوّد بالوقود، فالوقود النووي هو كمية صغيرة بمقارنتها بكميات هائلة من زيت الديزل، مما يضطرّ الغواصة التقليدية إلى الرسوّ بين حين والآخر لتعبئة الوقود.
وفي تلك العوامل ميزة عسكريّة واستراتيجية غاية في الأهمية، إذ تحتاج الغواصات التقليدية إلى أن تطفو الغواصة أو تمد أنبوب إلى أعلى الماء في الهواء، حتي يمكن لمحرك الديزل العمل لاحتياجه إلى الأكسيجين لعملية الاحتراق الداخلي، وفي هذه الحالة من الممكن أن يكتشف الغواصةَ أعداؤها بسهولة.
وعملت ألمانيا مؤخراً على تصميم غواصات غير نووية من فئة "كلاسّي 212 A"، مستخدمةً خلايا الوقود بدلاً من محرك الديزل، لتجنُّب الحاجة الدائمة إلى الهواء، لكن هذا النوع يحتاج أيضاً إلى تموين جديد بالوقود بعد فترة قصيرة من التشغيل.
وتحمل الغواصة النووية مفاعلاً نووياً ويورانيوم عالي التخصيب مثلما تعمل أيّة محطة للطاقة النووية على البر، إلا أنّ المفاعل النووي عليها يكون أصغر حيث يكتفي بقطر عرضي للغواصة أقل من 10 أمتار. ويسخن المفاعل النووي الدورة الرئيسية، وتعطي حرارتها عن طريق مبادل حراري إلى دورة الماء النقي الثانية، فيكون ماء الدورة الثانية خالياً من الشوائب المُشعّة.
وينتج من الماء الساخن المضغوط عملية تدوير توربين، إذ يولد مولّد كهربائي متّصل محورياً مع التوربين الكهرباء لتغذية أجهزة الغواصة ولشحن البطاريات الضخمة، وتعمل البطاريات على تسيير الغواصة عند توقُّف المفاعل النووي.
ويكمن خطر الغواصة النووية إذا حدث تسرُّب إشعاعي أو إذا تعطل جهاز تبريد المفاعل ولم يُغيَّر بسرعة، فإنّه يؤدي إلى انصهار وقود المفاعل من الحرارة الزائدة التي قد تتعدى 1000 درجة مئوية، وتشكّل خطراً كبيراً على سلامة البحارة وعلى الغواصة نفسها.
ويحّذر مختصون من خطورة الإشعاع النووي واليورانيوم على أمن طاقم العمل داخل الغواصة، فمن بين أشهر حوادث الإصابة بإشعاع حدثت لثماني غواصات نووية روسية، إذ تسرّبت إشعاعات من غواصات نووية أدت إلى وفاة طاقمها بالكامل.
وعام 1963 فُقِد الاتصال مع طاقم غواصة روسية نووية من طراز "USS ثريشر"، وذلك خلال اختبارات الغوص العميق، ولقي 129 من أفراد الطاقم مصرعهم إثر الواقعة. فيما تبع ذلك الحادثة الشهيرة التي تٌعرف بـ"كارثة غواصة "كورسك" النووية الروسية" عام 2000، حيث تجاوز عدد ضحاياها 100 غريق.
"سلاح الكبار؟"
أنتجت الولايات المتحدة الأمريكية أول غواصة نووية عام 1954 عُرفت باسم "USS نوتيلوس"، وأصبحت الأخيرة أول غواصة تصل إلى القطب الشمالي عام 1958، ومن خلالها اكتُشف ممر بحري شمالي غربي.
وتمتلك الآن ست دول غواصات نووية هي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وجمهورية الصين الشعبية والهند.
وبعد أن كانت واشنطن أول من صنّع غواصة نووية دفعت اتفاقية الدفاع المشترك بينها وبين المملكة المتحدة المُبرمة عام 1958 إلى مشاركة الأولى تكنولوجيا الدفع النووي الخاصة بها مع المملكة المتحدة.
فيما استهلت الصين أولى تجاربها مع الغواصات النووية عام 1987، وكان لدى الهند أول غواصة لها عام 2012.
ولم يأتِ زعماء الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا على ذكر الصين عند إعلانهم عن المجموعة الأمنية الجديدة، لكن واشنطن وحلفاءها يسعون لمقاومة قوة بكين المتنامية بخاصة تعزيزاتها العسكرية وضغوطها على تايوان ونشرها قوات في بحر الصين الجنوبي محل النزاع.
ما مواصفات الغواصة التي ستحصل عليها أستراليا؟
على الرغم من الزخم الذي اكتسبه الحدث الأخير بعد أن أعلنت أستراليا بشكل مفاجئ انسحابها من صفقة استيراد الغواصات التقليدية من فرنسا مقابل حصولها على غواصات نووية من الولايات المتحدة وبريطانيا، لم يُعلن بعد عن تفاصيل تتعلّق بطراز الغواصة التي ستمتلكها كانبيرا ومواصفاتها بموجب اتفاقها الجديد مع واشنطن ولندن، حسب ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وحسب خبراء عسكريين فإن أحدث تصميم للبحرية الأمريكية هو غواصة من طراز "فرجينيا"، وصُنعت من قبل شركة الطيران والدفاع الأمريكية "جنرال ديناميكس"، ومرت بالعديد من الاختبارات وأثبتت عملها على نحو جيد. ويتكوّن طاقمها من 15 ضابطاً و 117 من جندياً، وتُستخدَم "فرجينيا" في الحرب ضد الغواصات الأخرى وعمليات جمع المعلومات الاستخبارية.
يجري تشغيل الغواصة الأمريكية "فرجينيا" بواسطة مفاعل نووي واحد فقط يعمل بالماء المضغوط بقوة 210 ميجاوات، يجري بداخله إغلاق وقود اليورانيوم المخصّب. ولا تلزم إعادة تزويد المفاعل بالوقود خلال عمره الافتراضي البالغ نحو 25-30 عاماً.
جدير بالذكر أنّ الشراكة الأمنية الجديدة التي أعلنتها واشنطن ولندن وكانبيرا في منطقة المحيطين الهندي والهادي التي يُطلق عليها اسم "أوكوس" تعتبر نقطة تحوّل في السياسة الأمريكية التي تسعى لتوسيع تحالفاتها في المنطقة لمجابهة التهديد الصيني.
وأعلنت أستراليا الأربعاء على لسان رئيسها سكوت موريسون انسحابها بالتالي من صفقة اقتناء الغواصات الفرنسية التقليدية المُبرمة مع شركة "نافال غروب" (NAVAL GROUP) عام 2016.
واعتبرت باريس قرار كانبيرا "طعنة في الظهر"، لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية وخسائر مادية فادحة للأولى، إذ وصلت قيمة الصفقة 90 مليار دولار، أي ما يعادل تقريباً 56 مليار يورو، يقضي بتزويد الأخيرة بنحو 12 غواصة تقليدية من طراز "أتاك"، تعمل بالديزل.