طفرة فيزيائية في عالم الموصلات.. هل باتت البشرية على أعتاب حقبة جديدة؟ / صورة: Getty Images (Harold Cunningham/Getty Images)
تابعنا

العثور على الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة، التي لا تُظهر مقاومة كهربائية عند درجات حرارة يمكن تحقيقها باستخدام طرق التبريد التقليدية، كان حلم الفيزيائيين على مدار عقود، وذلك لقدرتها الخارقة على إعادة تشكيل مشهد التكنولوجيا والابتكار والانتقال بهما إلى مستويات جديدة.

في الآونة الأخيرة، تصدَّر فريق من علماء الفيزياء من كوريا الجنوبية عناوين الصحف بإعلانهم أنهم ابتكروا أول موصِّل فائق في درجة حرارة الغرفة والضغط المحيط، LK-99. ومع الاحتمال المحيّر لنقل الطاقة بكفاءة، والحوسبة الأسرع، والأجهزة الطبية الثورية، تقف البشرية على شفا حقبة جديدة، حيث يمكن تحطيم حواجز فقدان الطاقة وتبديد الحرارة.

مثل هذا الاكتشاف، في حال إثباته، هو بالتأكيد الفائز بجائزة نوبل المقبلة في الفيزياء. وفي حين أن الاكتشاف المحتمل لموصِّل فائق في درجة حرارة الغرفة جعل مجتمع الفيزياء يضج بالمناقشات، إلا أنه وإنْ طُبِّق على أرض الواقع سيكون بلا منازع واحداً من أكثر الاكتشافات العلمية تأثيراً في هذا القرن. ومع ذلك، فقد ثبت أن مثل هذه المواد صعبة المنال.

ما المقصود بالموصِّلات الفائقة؟

الموصِّلية الفائقة، هي الظاهرة التي يمكن فيها لمواد معينة إجراء تيار كهربائي دون أي مقاومة أو فقدان للطاقة، واستحوذت على خيال العلماء والمهندسين على حد سواء لفترة طويلة، واعدةً بجلب فوائد الموصلية الفائقة للتطبيقات اليومية، من نقل الطاقة إلى الإلكترونيات الاستهلاكية. ولكن حتى وقت قريب، ظل الأمر بعيد المنال بسبب تحديات الفيزياء والمواد المعقدة التي تنطوي عليها.

ومع ذلك، تتطلب الموصلات الفائقة التقليدية درجات حرارة منخفضة للغاية، غالباً ما تكون قريبة من الصفر المطلق (صفر كلفن: 273.15 درجة سلزيوس تحت الصفر)، لإظهار خصائصها الرائعة. وفي درجات حرارة منخفضة للغاية يمكن للإلكترونات أن تتزاوج وتتحرك بسهولة عبر المادة، متحديةً المقاومة وتوصيل الكهرباء دون أي خسارة، ويؤدي هذا النقص في المقاومة إلى انتقال شبه مثالي للطاقة.

وحدَّت متطلبات التبريد هذه من تطبيقاتها العملية، مما يجعلها مناسبة فقط لتطبيقات متخصصة محددة مثل آلات التصوير بالرنين المغناطيسي ومسرعات الجسيمات.

وخلال العقد الماضي، سعى الباحثون إلى بديل مثير للاهتمام، حيث اكتشفوا مركبات أساسها الهيدروجين وهي موصلات فائقة في درجات حرارة دافئة نسبياً -ولكن فقط في أثناء ضغطها على ضغوط أكبر من مليون مرة من الضغط الجوي، كما أن الحفاظ على مثل هذه الضغوط العالية أمر غير عملي أكثر من الحفاظ على درجات حرارة منخفضة للغاية.

الاختراق الذي طال انتظاره

في ورقتين بحثيتين جديدتين، نُشرتا في أواخر يوليو/تموز ولم يُتحقَّق منهما بعد، قال باحثون من كوريا الجنوبية إن LK-99، وهو مركّب من الرصاص والنحاس والفوسفور والأكسجين، قد أظهر خصائص فائقة التوصيل في درجة حرارة الغرفة، وتحت ظروف الضغط العادية. وزعم الباحثون أن مركبهم الجديد يُظهر علامات على الموصلية الفائقة، مثل تدفق التيار دون مقاومة وطرد المجال المغناطيسي.

وأبلغ المخترعون أيضاً عن إجراء اختبارات LK-99، وقالوا إنهم وجدوا المقاومة الكهربائية تنخفض بشكل حاد حول 378 كلفن (أي أكثر من 100 درجة سيليزية) ثم وصلت إلى ما يقرب من الصفر حول 333 كلفن (نحو 60 سيليزية).

وعلى الرغم من أن المقاومة الكهربائية الصفرية هي السمة المميزة للموصلية الفائقة، فإنه يلزم إجراء اختبارات أخرى لتأكيد وجود موصل فائق حقيقي. أحد هذه الاختبارات يتعلق بتأثير "مايسنر"؛ نظراً لأن الموصل الفائق يطرد المجالات المغناطيسية، فإنه يصد المغناطيسات الأخرى، مما ينتج عنه تأثير ارتفاعي.

ولدعم ادعائهم، نشر الباحثون مقطع فيديو لما يقولون إنه LK-99 يعرض تأثير "مايسنر"، لكن الموصلات الفائقة ليست الأشياء الوحيدة التي تطفو فوق المغناطيس -الغرافيت، على سبيل المثال، يرتفع أيضاً.

ماذا لو كان الاكتشاف حقيقياً؟

توحد الباحثون من مختلف المجالات، بما في ذلك الفيزياء وعلوم المواد والهندسة، لمواجهة التحديات التي أعاقت إيجاد مواد تتمتع بالموصلية الفائقة في درجة حرارة الغرفة، المهمة المستحيلة التي تعد حلماً لكل فيزيائي وعالم يعمل في هذا المجال.

وفي الواقع فإن الآثار المترتبة على الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة مذهلة وتَعِدُ بفتح عصر جديد للبشرية، لا سيما أن بإمكان مثل هذا الاكتشاف أن يحوّل الكثير من الصناعات وينقلها إلى بُعد آخر. ومن أبرز هذه الصناعات:

نقل الطاقة وتخزينها

يواجه نقل الطاقة عبر مسافات شاسعة حالياً خسائر كبيرة في الطاقة بسبب المقاومة في خطوط الكهرباء، تقدر بنحو 7% من استخدام الطاقة العالمي.

ويمكن أن تتيح الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة نقلاً عالي الكفاءة لمسافات طويلة، مما يقلل من إهدار الطاقة ويجعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر سهولة وقابلية للتطبيق على نطاق عالمي.

الحوسبة والإلكترونيات

تعدّ الحرارة التي تولّدها الأجهزة الإلكترونية في أثناء معالجتها للمعلومات، عاملاً مقيداً مهماً في تطوير أجهزة كمبيوتر أسرع وأكثر قوة.

كما يمكن أن تمهِّد الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة الطريق لأجهزة الحوسبة فائقة الكفاءة، مما يتيح تطورات هائلة في معالجة البيانات والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.

التكنولوجيا الطبية

في عالم التكنولوجيا الطبية، يمكن أن تُحدث الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة ثورة في أجهزة التصوير مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي.

ويمكن أن يؤدي تحسين الكفاءة والدقة إلى تشخيص أسرع ونتائج طبية أفضل، مما يؤدي في النهاية إلى إنقاذ الأرواح.

المواصلات

تزداد شعبية المركبات الكهربائية كحلِّ نقل مستدام. ومع ذلك، فإن تقييد سعة البطارية وسرعة الشحن يعيق اعتمادهما على نطاق واسع. ويمكن أن تساعد الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة في تطوير بطاريات عالية السعة وشحن سريع، مما يجعل المركبات الكهربائية أكثر عملية وجاذبية، وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال".

وقد يُحدث هذا الاكتشاف ثورة في مجال قطارات الرفع المغناطيسي التي تعمل وفق مبدأ التنافر المغناطيسي، بالاعتماد على ظاهرة "مايسنر"، ويمكن رفع القطارات فوق قضبان تعتمد على هذا النوع من الموصلات الفائقة التي لا تتطلب أنظمة تبريد مكلفة.


TRT عربي
الأكثر تداولاً