يُعد الأمير عبد القادر أحد أهم رموز الجزائر الذي وضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة وجاهد الغزاة الفرنسيين لسنوات طويلة (Le Monde)
تابعنا

يُعد الأمير عبد القادر ابن محي الدين المعروف بعبد القادر الجزائري أوّل من حارب الاحتلال الفرنسي للجزائر إذ قاد مقاومة شعبية لـ15 عاماً متواصلة إبّان بدء غزو فرنسا لبلاده، حيث كان الأمير عبد القادر قائداً سياسياً وعسكرياً ومجاهداً من طراز فريد.

وعند بداية الاحتلال في يوليو/تمّوز 1830 أخذ الأمير عبد القادر، وكان وقتئذ ابن الـ22 ربيعاً، يفكر في كيفية مقاومة فرنسا الغاشمة، حتّى أطلق مقاومته ضدها في 27 يناير/كانون الثاني 1832، وعمل على توحيد صف أمته ليجعلها أساس لنهضة دولته رغم عراقيل الاستعمار.

نشأة قائد

ولِدَ عبد القادر ابن محي الدين في قرية القيطنة قرب مدينة "معسكر" غرب الجزائر في سبتمبر/أيلول 1808 ليكون الابن الثالث لـ"سيدي محي الدين" وهو شيخ الطريقة الصوفية القادرية، وتلقّى الأمير عبد القادر تعليماً دينياً صوفياً سنياً، وأجاد القراءة والكتابة وهو في سن الخامسة.

ومنذ نعومة أظفاره، شجّعه والده على الفروسية وركوب الخيل ومقارعة الأنداد والمشاركة في المسابقات التي تقام آنذاك فأظهر تفوقاً مدهشاً. ثم بعثه والده إلى وهران لطلب العلم من علمائها، وحضر دروس الشيخ أحمد بن الخوجة فازداد تعمقاً في الفقه كما طالع كتب الفلاسفة وتعلّم الحساب والجغرافيا.

وبعد عودته إلى بلدة القيطنة، وكان بلغ الخامسة عشر، بادر والده إلى تزويجه واختار ابنة عمه لالة خيرة زوجة له فهي تجمع بين محاسن الخلق والنسب الشريف.

وجاب الأمير عبد القادر عدة دول عربية وإسلامية وهو في الـ17 من عمره، فخرج مع والده لتأدية فريضة الحج عام 1825، فكانت رحلتهما إلى الحجاز طويلة فمرّوا بتونس ثم برقة وطرابلس، ثم مصر ثم الحجاز، وبعدها زارا بلاد الشام ثم بغداد، ثم عادا بعد ذلك إلى الجزائر عبر الطريق ذاته.

مقاومة الاحتلال

عقب رحلة الحج التي كتبت للأمير عبد القادر مشاهدة الوطن العربي والإسلامي في هذه الفترة من تاريخه وهو في سن مبكّرة، وجعلته يكتسب وعياً ودرايةً ومعايشةً لواقع الأمة ومشاكلها، عاد إلى موطنه ليمضي وقت قليل حتّى تعرّضت بلاده لحملة عسكرية فرنسية غاشمة.

وفي ذلك الوقت، سرعان ما انتقلت المقاومة إلى الغرب الجزائري حيث كان محيي الدين الجزائري والد الأمير عبد القادر، رضي بمسئولية القيادة العسكرية، والتفّت حوله الجموع بعد أن حقّق عدّة انتصارات على الغزاة الفرنسيين.

وكان ابنه الأمير عبد القادر الجزائري على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، فاقترح والده أن ينصّب عبد القادر قائداً للجيش، وجمَعَ الناس لبيعته، فقبل الحاضرون من علماء وكبراء ووجهاء القوم، وقبل الأمير الشاب تحمّل المسؤولية وقيادة أبناء شعبه لمجابهة الاستعمار الفرنسي.

وبعد البيعة، لقبّه والده بناصر الدين، واقترح الوجهاء إضافة لقب الأمير إلى اسمه، وأصبح مذ ذاك اليوم الأمير عبد القادر الجزائري، وهو ابن 24 عاماً. ثم توجّه الأمير حينئذ إلى معسكر المجاهدين، ووقف خطيباً في مسجدها أمام الجموع الحاشدة، وحثّ الناس على الجهاد وتوحيد الصف والانضباط.

وعمل الأمير عبد القادر على وحدة الأمة، وشرع في إصلاحات اجتماعية كثيرة، مثل محو الأمية ونشر التعليم، ومحاربة الفساد الأخلاقي، والعمل على سياسات طويلة المدى لبناء مجتمع قوي يستطيع مقاومة الاحتلال الفرنسي لأعوام طويلة. كما عمل على بناء جيش منظم، وتأسيس مصانع للأسلحة، وبناء الحصون والقلاع.

نفي الأمير

قاد الأمير عبد القادر ووالده حملة مقاومة عنيفة ضد الغزاة الفرنسيين، وعمل الأمير بعد بيعة الناس له على تنظيم المُجاهدين، وإعداد الأهالي وتحفيزهم لمقاومة الاستعمار، حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين الهزيمة تلو الأخرى.

واضطرت فرنسا إلى توقيع معاهدة دي ميشيل عام 1834، معترفة بسلطة الأمير عبد القادر غرب الجزائر، لكنّ باريس لم تلتزم بتلك المعاهدة ولا غيرها من العهود التي وقعوها مع الأمير الشاب، ونقضتها واحدة تلو الأخرى.

وعمل الفرنسيون في تلك الفترة على وقف الدعم الذي تلقاه الأمير عبد القادر من المغرب، وكان لذلك دور كبير في إضعاف قوات الأمير، وترجيح كفة القوات الفرنسية، فلما نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبق أمامه سوى وقف القتال حقناً لدماء من تبقى من المجاهدين والأهالي.

وفي عام 1847 سُجِنَ الأمير عبد القادر في فرنسا، وفي بداية الخمسينات أُفرِج عنه شريطة ألّا يعود إلى الجزائر، فسافر إلى إسطنبول ومنها إلى دمشق عام 1855، وسرعان ما أصبح ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام، ودرّس بالمدرسة الأشرفية، ثم الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك.

يُشار إلى أنّ الجزائر حصلت على استقلالها عن فرنسا عام 1962 بعد حرب دامية دامت سبع سنوات، وأنهت الحكم الاستعماري الذي استمر نحو 132 عاماً وأودى، حسب بعض المؤرخين، بحياة 5 ملايين شخص.

TRT عربي