توصَّل الباحثون في تركيا إلى قراءة مئات الألواح الحيثية المسمارية القديمة، مستخدمين الذكاء الصناعي لأول مرة. / صورة: AA (AA)
تابعنا

توصَّل الباحثون في تركيا إلى قراءة مئات الألواح الحيثية المسمارية القديمة، مستخدمين الذكاء الصناعي لأول مرة.

والحضارة الحيثية واحدة من أبرز الحضارات القديمة التي عاشت في وسط الأناضول، بداية من عام 1650 حتى عام 1200 قبل الميلاد واتخذوا في ما يُعرف اليوم بمدينة تشوروم عاصمة لهم.

ومن أهمّ الآثار التي تركها الحيثيون الألواح المسمارية، وهي نوع من الكتابة يُنقَش فوق ألواح الطين والحجر والشمع والمعادن، وكانت متداولة لدى الشعوب القديمة بجنوب غرب آسيا.

ومنذ عقود يعمل الباحثون وعلماء التاريخ على ترجمة هذه الألواح ومعرفة أسرارها.

وفي بداية هذا العام اكتملت المرحلة الأولى من المشروع الذي تضمن قراءة ورقمنة قسم من الألواح الحيثية في متحف تشوروم ومتحف الآثار في إسطنبول ومتحف حضارات الأناضول في أنقرة.

وقال ألب أصلان نائب وزير الثقافة والسياحة في تصريح لوكالة الأناضول، إن كل الألواح الموجودة بين أيدينا سوف تخضع للقراءة والتحليل من خلال هذا المشروع. ويبلغ عدد هذه الألواح ما يزيد على 70 ألفاً في متحف الآثار بإسطنبول، و40 ألفاً في متحف حضارات الأناضول بأنقرة، ونحو 4 آلاف بمتحف بوغاز قلعة بمدينة تشوروم.

وعن آلية التحليل يقول البروفيسور بجامعة أنقرة نجدت أونوار لوكالة الأناضول: "أولاً نعلّم الآلة اللغة الحيثية، وتدمج الآلة هذه البيانات الجديدة مع البيانات الأخرى، ثم تنقل لنا النتيجة النهائية".

أهداف المشروع الجديد

يساعد المشروع الباحثين على تحليل الألواح القديمة، الأمر الذي ينعكس على سرعة فك شفرتها وتحليلها.

المشرفون على المشروع بالتعاون مع جامعة أنقرة والإدارة العامة للمتاحف التابعة لوزارة الثقافة والسياحة التركية، أكدوا ترجمة 500 لوحة حيثية مسمارية عن طريق التقاط صور عالية الدقة لها ومسحها باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد.

ووفقاً للنتائج، وصل معدَّل نجاح قراءتها إلى 75.66%، ما ساعد على كشف بعض المعلومات المهمة حول الحضارة الحيثية.

ويقول زينل قاراجيل، أحد المشرفين على المشروع، في حديثه لـTRT عربي، إن الذكاء الصناعي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، مضيفاً: "عن طريق عملنا في مجال الذكاء الصناعي، نهدف إلى قراءة الألواح الحجرية التي لم تُقرأ من حضارة الحيثيين، والتي لها أهمية كبيرة في التاريخ التركي. ومن هذا المنطلق يمنح الذكاء الصناعي تاريخ مجتمعاتنا القديمة رؤية جديدة".

وأشار قاراجيل إلى أن الذكاء الصناعي تَمكَّن في المرحلة الأولى من فك شفرة الأحرف بنسبة كبيرة، وأضاف: "واجهنا بعض الصعوبات بسبب بعض الألواح ناقصة الأجزاء، لكننا نحاول حلّها باستخدام خوارزميات مختلفة، وسوف يستطيع الذكاء الصناعي من خلال البيانات المخزنة عنده استكمالها".

وعمل الباحثون سابقاً على فك شفرة اللغة الحيثية يدوياً، لكن الطريقة كانت تتقدم ببطء وتشوبها الأخطاء، فيما يعمل الذكاء الصناعي بسرعة وبهامش أخطاء أقلّ، وفق ما أكده قاراجيل.

وأشار قاراجيل إلى أن الذكاء الصناعي تَمكَّن في المرحلة الأولى من فك شفرة الأحرف بنسبة كبيرة (AA)

واستطاع الفريق التوصل إلى معلومات حول طقوس الحضارة الحيثية في تشوروم وجانب من شكل حياتهم اليومية، بالإضافة إلى فترة حكم بعض الملوك الأوائل، ووضح قاراجيل أن تفاصيل أكثر ستُكشَف من الألواح خلال قراءتها هذا العام.

ويُعَدّ المشروع الجديد بتركيا الأول من نوعه في العالم، من حيث قراءة اللوحات الحيثية بالذكاء الصناعي. يُذكر أنه تُوُصّل إلى اكتشافات مماثلة في جامعات شيكاغو وتورونتو تتعلق باللوحات البابلية والأكادية.

وستُشارَك البيانات المتوصَّل إليها مع العلماء المتخصصين في الهيتتولوجيا، وهو العلم المختص بالحضارة الحيثية، فيما سيتمكن الجمهور من رؤية اللوحات المسمارية بمجرد اكتمال مرحلة الترجمة، على أن تُعرَض في المكتبة الرقمية الحيثية المقرَّر افتتاحها قريباً.

الذكاء الصناعي لاكتشاف تاريخ تركيا

وتقول إخصائية الذكاء الصناعي الدكتورة مروة آي يوجة قيزراق، إن تركيا ستستفيد من تقنيات الذكاء الصناعي في اكتشاف حضاراتها القديمة.

وتضيف في معرض حديثها لـTRT عربي حول المشروع الجديد الذي يعمل على تحليل الألواح المسمارية التي تنتمي إلى الحضارة الحيثية، إنها "واحدة من أقدم حضارات آسيا الصغرى، وقراءة هذه الألواح أمر حيوي". وتستكمل: "سنتمكن عن طريق الذكاء الصناعي من كشف التقاليد والعادات والميزات التي عرفتها الحضارة الحثية من خلال ما كتبوه على ألواحهم قبل 4250 سنة".

وتوصف قيزراق ما يحدث بأنه أشبه بالعمل على "قاموس حيثي رقمي"، مؤكدة أنه باستخدام الذكاء الصناعي يمكن اكتشاف آثار جديدة والعمل على ترميم الآثار الموجودة، لا سيما التي تتعرض للتلف بسبب الكوارث الطبيعية.

وشدّدَت إخصائية الذكاء الصناعي على ضرورة توسيع مجال هذا الاستخدام وتحفيز الخبراء على العمل به لمزيد من الاكتشافات التاريخية.

وتقول: "على سبيل المثال، لا تزال الآثار البيزنطية والرومانية والعثمانية تظهر كل فترة خلال بناء محطات المترو في إسطنبول. يمكن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي في تحديد مواقع هذه الآثار خلال مشاريع التخطيط الحضري والبناء".

وتستكمل قيزراق "باستخدام أدوات التصوير الدقيقة التي تعمل بالذكاء الصناعي، يمكن إنشاء نماذج رقمية للمساحات تحت الأرض وتحليلها للبحث عن مواقع أثرية محتمَلة".

وتطرقت إخصائية الذكاء الصناعي إلى الزلازل الأخيرة التي ضربت تركيا وتسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة بقولها: "أدت الزلازل إلى تضرر عديد من الأماكن الدينية والتاريخية، وما زالت الدراسات جارية لتحديد الأضرار التي لحقت بها، وأتوقع أن تعود التقنيات الذكية بفائدة كبيرة لإعادة هذه المعالم كما كانت".

TRT عربي