تابعنا
منذ عاصفة الزلازل المدمرة التي ضربت جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط 2023، تعمل تركيا بمؤسساتها المتنوعة، على تقديم الدعم بمختلف أشكاله للمتضررين، بهدف توفير الرعاية النفسية والاجتماعية لهم.

"الإسعاف النفسي الأوّليّ مهمّ بقدر الإسعاف الطبي"، يؤكد علماء الطب النفسي هذه المقولة في كل مرة يتعاملون فيها مع الصدمات بعد وقوع الكوارث، لا سيما الزلازل.

ومنذ عاصفة الزلازل المدمرة التي ضربت جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط 2023، تعمل تركيا بمؤسساتها المتنوعة، على تقديم الدعم بمختلف أشكاله للمتضررين، بهدف توفير الرعاية النفسية والاجتماعية لهم، وذلك من خلال إرسال المختصين النفسيين إلى المناطق المتضررة لتقديم العلاج، وتوفير مراكز تقديم المشورات للناجين، بجانب تأمين المستلزمات اللازمة لعلاج الإصابات النفسية. بالإضافة إلى ذلك، تنظيم الأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية لمساعدة المتضررين في استعادة حياتهم الطبيعية.

ويقول الباحث في علم النفس السريري في جامعة ابن خلدون باسطنبول، يقين إسكندر، إن تركيا تدرك التحديات التي يواجهها المتضررون من الزلزال وأهمها الصحة النفسية، مشيراً في حديثه إلى TRT عربي أن وزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية نشرت عناصرها في مواقع الإيواء، منذ اليوم الأول بهدف توفير الدعم النفسي.

فرق متخصصة للعلاج النفسي بالميدان

يقول اسكندر: "بعد وقوع الزلازل في جنوب شرق تركيا، أجرينا نحن فريق المعالجين النفسيين الذي يدرس الدكتوراه بجامعة ابن خلدون جلسة تدريبية عملية لمدة ثلاث ساعات مع مشرفينا حول توفير الإغاثة النفسية الأولية على الفور لضحايا الزلزال".

ويوضح إسكندر، أن قراراً اتُخذ بأن يعمل الفريق المؤلف من 50 معالجاً نفسياً على الأرض بتناوب يستمر لمدة أسبوع على الأقل. مضيفاً: "جرى التخطيط ليستمر المشروع مدة عام، لتلبية الاحتياجات المتزايدة للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي".

ويعمل فريق المركز على تقديم خدماته في أربعة مواقع مختلفة في جنوب شرق تركيا، حسب إسكندر، الذي أشار إلى أنه بحلول نهاية هذا الشهر، سينشئون عيادة متنقلة تضم ستة معالجين نفسيين يقدمون خدمات الصحة النفسية للأطفال والكبار.

وتقول بورجو أويصال، مديرة مركز ابن خلدون للعلاج النفسي والبحوث (IPAM)، إنه إلى جانب الفريق الذي يعمل ميدانياٍ، فإن 63 متخصصاً يعملون بشكل تطوعي لتقديم الدعم النفسي على الإنترنت لمساعدة أكبر عدد ممكن.

وتضيف أويصال في حديثها إلى TRT عربي إن "الزلزال الذي حدث كان كارثة كبيرة، وفقد عديد من الأشخاص منازلهم وأفراد أسرهم وأصدقائهم ووظائفهم، وستوجد حاجة إلى الدعم النفسي لفترة طويلة للتعافي من جروح الخسائر الكثيرة".

الأطفال هم الأكثر تأثراً

تؤكد مديرة مركز ابن خلدون للعلاج النفسي أن الأطفال والكبار تأثروا بفعل الزلزال كثيراً. لكن عملية التكيف لدى الأطفال الذين فقدوا ذويهم ستكون أكثر تحدياً.

ويشرح الباحث في علم النفس السريري، يقين إسكندر آلية تقديم العون النفسي للمتضررين في حديثه إلى TRT عربي قائلاً "في الشهر الأول، قدمنا الدعم النفسي الأولي ويُعرف هذا بفترة الإجهاد الحاد. ومع انتهاء الشهر الأول، شخصنا اضطرابات مابعد الصدمة، ووضعنا خطة العلاج".

ويوضح إسكندر أن الأهمية الحقيقية للعلاج النفسي للمتضررين من الزلزال أنه يساعد على تقليل تأثيرات الصدمة النفسية والمساعدة على تخفيف الألم والقلق والاكتئاب التي يمكن أن تنشأ عنها.

ويؤكد "يساعد التحدث مع خبير نفسي الأطفال في معالجة صدمتهم، وهذا ينطبق على البالغين أيضاً، فالعلاج المبكر هو المفتاح نحو تشخيص جيد. عند سرد القصص المؤلمة في مكان آمن مثل مراكز العلاج، يختفي الشعور بالذنب ويأتي بعدها التقبل والتكيف".

وتقول أويصال، إنه على الرغم من أن الأعراض التي تظهر بعد التعرض للصدمة تتلاشى خلال بضعة أسابيع بالنسبة لمعظم الناس، يحتاج الناجون من هذا الزلزال إلى دعم نفسي مستمر، للتكيف مع بدء حياة جديدة. وتضيف " ونحن في IPAM، نسعى لتحويل الخدمات التي نقدمها في الميدان إلى خدمات طويلة الأمد".

الصدمات المجتمعية بعد الزلزال

يقول الطبيب النفسي التركي حذيفة إبراهيم، في حديثه إلى TRT عربي، إن الصدمات الاجتماعية هي نوع من الصدمات التي يجب ذكرها بشكل خاص في هذه المرحلة، لأن المجتمعات أيضاً تتفاعل مع الأحداث والتغيرات مثل الأفراد. فالضغط الذي يؤثر على غالبية المجتمع سيخلق ضغطاً على الجميع، حتى على المواطنين الذين لم يعيشوا الكارثة فعلياً".

ويتابع: "لذلك، فإن تحليل الصدمات الاجتماعية سيوفر أيضاً تحسينات في الصدمات الشخصية للأفراد".

ويستكمل إبراهيم: "القضية الحقيقية ليست الوقت الحالي، ولكن ما سنواجهه في المستقبل. لهذا نحتاج إلى وضع خطط عمل حتى نتمكن من العودة إلى الوضع الطبيعي في أسرع وقت ممكن"، مضيفاً: "التضامن الاجتماعي هو أحد العناصر الأساسية للأفراد للتغلب على الصدمات. لهذا السبب، سيكون من الأفضل بكثير إعطاء أهمية للعمل الجماعي في هذه الفترة، فعندما يكون الناس معاً في خيام أو مناطق اجتماعية، يجب أن نسمح لهم بمشاركة آلامهم وأن يساعد بعضهم بعضاً".

جهود الدولة.. وجهود الأفراد

ويتابع إبراهيم، أن خدمات الدعم النفسي والاجتماعي قُدمت لأكثر من 200 ألف شخص من المتضررين بمشاركة 2000 من موظفي وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية وموظفي وزارة الصحة التركية.

ويشير إبراهيم إلى التبرعات التي جمعها الشعب التركي بمشاركة جمعيات ومسؤولين وأفراد للمتضررين من الزلزال جنوبي تركيا قائلاً: "هذا يعني كثيراً للناجين، بأن الناس يشاركون مدخراتهم معهم، فإرسال الأطفال ألعابهم إلى منطقة الزلزال أمر رائع. هذه كلها دلالات على أن الناس متكاتفين وهذا ينعكس إيجاباً على المتضررين".

ويعمل عديد من المستشفيات التركية على محو آثار الصدمات النفسية التي تعرض لها الناجون، مثل مستشفى أتاتورك للتدريب والأبحاث بجامعة كاتب جلبي بولاية إزمير.

ويؤكد المتخصصون النفسيون في المستشفى أن الأشخاص المصابين بصدمات نفسية جراء الزلازل يشعرون بتوتر مستمر، وينزعجون حتى من أدنى صوت يصدر "بما في ذلك صرير السرير".

وينصح رئيس الأطباء بالمستشفى أورخان جوك آلب في حديث إلى وكالة الأناضول قائلا: "إذا بدأت مشاعر القلق التأثير على سير الحياة اليومية فإن أفضل طريقة للتعامل مع مشاعر الحزن هو طلب الدعم النفسي".

جهود الجهات الدينية لمساعدة المتضررين من الزلزال

إلى جانب جهود الجهات الصحية والاجتماعية في الدعم النفسي للناجين، توجد جهود كبيرة من الجهات الدينية في تركيا.

وتقول العاملة في رئاسة الشؤون الدينية التركية، نورهان رمضان أوغلو أوزجان في حديثها إلى TRT عربي أن عدداً كبيراً من الأئمة نُقل إلى منطقة الزلزال بعد حدوثه على الفور.

وتضيف "في المقام الأول، حاولوا المساعدة في عمليات البحث والإنقاذ والدفن. أقيمت صلاة الجنازة لجميع الجثث بشكل فردي".

وأعلنت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا عن تنظيم صلوات جماعية في المساجد والجوامع في مناطق الكوارث، إلى جانب توفير الإمدادات الضرورية للمتضررين والمشاركة في عمليات الإغاثة.

كما جرى تنظيم فعاليات دينية وعمليات توعية للتعامل مع الأزمات، وفقاً لأوزجان.

وشاركت وزارة الشؤون الدينية في حملات تبرعات كبيرة نُظمت داخل تركيا من ناحية تقديم الدعم المادي للمتضررين أو المساهمة في إعادة إعمار المنازل المهدمة.

وتتابع أوزجان: "في الوقت الحالي، يقدَّم الدعم المعنوي والروحي للمتضررين على شكل فرق، ضمن خطة وبرنامج محدد. هذا أمر مهم للغاية، لأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعد الشخص الذي فقد كل شيء هو الإيمان والتسليم".

TRT عربي