مجموعة من الأطفال يتعلون فنون التشفير (Others)
تابعنا

وفي هذا الوقت أصبحنا من المستحيل أن نجد طفلاً لا يستخدم الهواتف الذكية والكمبيوتر وأجهزة الآيباد، فهي تشكّل له متطلبات أساسية في حياته اليومية، لذا من الضروري أن يفهم الطفل اللبنات الأساسية لجزء لا يتجزأ من حياته، وأن يكون أكثر تفاعلاً مع التطور التكنولوجي من خلال تعلُّم البرمجة التي أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى.

وفي هذا السياق عمد عديد من الشركات إلى تصميم برامج تُعنى بهذا الجانب من خلال تبسيط البرمجة والخوارزميات وجعلها في متناول الأطفال. فلم تعُد حكراً على فئة من العلماء والمهندسين المختصين بعلم الحاسوب.

ولغة البرمجة هي "مجموعة أوامر مكتوبة على شكل رموز تستند إلى قواعد معينة يفهمها جهاز الحاسوب وينفّذها. وتمرّ لغات البرمجة بمجموعة من الخطوات والمراحل قبل تنفيذها". وما يميّز البرمجة المقدمة للأطفال استخدامها أدواتٍ برمجيةً ذاتَ ألوان وأشكال وطرق ممتعة تشبه اللعب، وبالتالي يمكن اعتبارها ضمن فئة التعلُّم المصحوب بالمتعة.

متى يجب أن يتعلم الطفل البرمجة

هل يتمكن الطفل في سن معينة من تَعلُّم البرمجة؟ سؤال قد يواجه عديداً من الأُسَر.

في الحقيقية لا يمكن ربط تَعلُّم البرمجة بسنّ معينة، فهي ترتبط بعديد من العوامل، منها إمكانيات الطفل وقدراته العقلية، ومدى شغفه بالأجهزة الإلكترونية، ومدى حبه للاستكشاف. عموماً، أفضل وقت يبدأ الطفل فيه تَعلُّم البرمجة هو عندما يُظهِر اهتماماً ودافعية إلى تَعلُّم هذه المهارة.

في هذا الصدد ترى ستيفاني شيرلي، وهي من أوائل المبرمجين المستقلين في العالم، أن أفضل وقت لتعريف الأطفال أنشطةَ الترميز البسيطة بين سن عامين وسبع سنوات، وأضافت شيرلي: "يبدأ المبرمجون الأكثر نجاحاً في وقت لاحق ما بين الخامسة والسادسة"، بمعنى أن الوقت الأنسب لتعليم الأطفال البرمجة هو هذه السنوات غالباً.

وفي هذه السنّ يمكنهم تَعلُّم برمجة قصصهم وألعابهم التفاعلية والتعبير عن أنفسهم إبداعياً على الكمبيوتر عن طريق لغة سكراتش التي تُعتبر أسهل لغة برمجة وأفضلها للمبتدئين، كما تتميز بواجهة مميزة. وتكمن الفكرة هنا في تعليم أساسيات البرمجة للأطفال من خلال ألعاب بسيطة، ثم يُطوَّر هذا المسار تدريجياً للوصول إلى الاحتراف.

لماذا يجب أن يتعلم الطفل البرمجة؟

في الواقع لتعلُّم الطفل أساليب البرمجة فوائد عديدة، فهي لا تقتصر على تحسين مهارات الأطفال في الرياضيات، وليس الغرض الأساسي من تعليم الأطفال البرمجة أن يصبحوا مبرمجين، بقدر ما تحقّقه من صقل شخصياتهم نحو مهارات حياتية مهمة.

فبينما يتعلم الأطفال البرمجة وإعطاء التوجيهات، يتعلمون أنه ليس للقيام بالأشياء طريقة واحدة، وأنه إن لم تنجح طريقتهم فيمكنهم تطويرها وتعديلها باستمرار للوصول إلى النتيجة التي يريدون تحقيقها.

بذلك يتعلمون خطوة بخطوة حلّ المشكلات، فعندما يتعلم الأطفال كتابة وقراءة الأكواد البرمجية، فإنهم يتعلمون عملية حلّ المشكلات بطريقة منهجية تشبه الكمبيوتر. من جانب آخر يمكن للأطفال تَعلُّم كيفية توقُّع المشكلات وتجنُّبها من خلال البرمجة، إذ يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع الأخطاء المتوقعة، وكتابة الأكواد صحيحةً بما يمنع البرنامج من التعطل بالكامل عند حدوث خطأ ما.

كما تعزز البرمجة لديهم فكرة أن المشكلات الكبيرة هي في حقيقتها مشكلات صغيرة ملتصق بعضها ببعض، وتعتمد طرق حلّها على تجزئة المشكلات الكبيرة إلى صغيرة، ثم ترتيبها لإيجاد الحلول، وهذا بدوره يقود إلى تعزيز مهارة تنظيم الوقت وإدارة المهامّ، وهي من المهارات التي سيحتاج إليها الطفل في المستقبل بغضّ النظر عن المجال الذي سيختاره.

كما تساعد مشاريع البرمجة الأطفال على تطوير المرونة، وبلا شك هي مهارة حياتية حيوية مهمَّة، فمن خلال تجربة الطلاب عديداً من الحلول بسرعة، تنمو لديهم القدرة على التكيف استجابة لمتطلبات الموقف والظروف المتغيرة.

ويؤدِّي تبادل الأفكار مع الأقران في نهاية ورش عمل البرمجة إلى الشعور بالإنجاز والثقة بالنفس والكفاءة الذاتية. علما بأن الشعور بالكفاءة الذاتية، أي ثقة الفرد الكاملة بقدراته خلال المواقف الجديدة، أمر مهمّ، فهو مرتبط بالاستراتيجيات المعرفية والجهود والمثابرة، فكلما تزايدت ثقة الفرد بفاعلية الذات لديه، زاد مجهوده وزاد إصراره على تخطّي ما يقابله من عقبات.

كما تعمل البرمجة على تعليم الأطفال كيفية التفكير المنطقي، إذ وجدت دراسة أن إدماج البرمجة في التعليم قد يعزّز مَلَكة المنطق عند الأطفال والتفكير النقدي. فالطفل في عملية البرمجة مُطالَب بصياغة إجراءات خطوة بخطوة بعيداً عن العشوائية للوصول إلى نتيجة معينة من خلال استخدام التعبيرات والتكرار والعبارات والجمل المشروطة، كل ذلك في صورة تجارب بسيطة وجذَّابة.

على صعيد متصل، يمكن للأطفال أن يكونوا مبدعين، فالإبداع جزء من عملية البرمجة، إذ تُوجِد عملية إدخال مجموعة من الأوامر إلى الكمبيوتر ومن ثم تحويلها إلى شكل في العالم الحقيقي سواء الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو التفاعلية ومواقع الويب، طريقاً لإحياء أفكارهم الفنية وتطوير الخيال لديهم، فينتقل من المحدود إلى اللا محدود في التفكير والطموح.

يحتلّ الترميز المرتبة الأولى على قائمة المهارات الوظيفية المستقبلية، إذ إن أسواق العمل في مختلف دول العالم تركز على المتخصصين في علم الحاسوب والبرمجة، لا سيما بعد هيمنتها على جميع مناحي الحياة. في الواقع، فإن المهرة في الترميز يتمتعون بميزة تنافسية في حياتهم المهنية، ووفقاً لكتيب التوقعات المهنية الصادر عن مكتب إحصاءات العمل بالولايات المتحدة، فمن المتوقع أن ينمو التوظيف في أدوار الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 13% من عام 2020 إلى عام 2032، أي أسرع من متوسط جميع المهن، بما يوضح أهمية تعلُّم الأجيال الصغيرة البرمجة. فضلاً عن العوائد المالية، فالمبرمجون الذين يعملون في الشركات التكنولوجية أصبحوا يحظون برواتب عالية جدّاً مقارنة مع أقرانهم في القطاعات الأخرى، فبلغ متوسط دخل العاملين في مجال البرمجة في شركات السيليكون فالي ما يقرب من 133 ألف دولار سنويّاً.

وبشكل أكثر تحديدا، ووفقاً لتقرير Dice، فإن المناصب التقنية العليا التي ستكون مطلوبة في عام 2022 في الولايات المتحدة وفقاً لأعلى الرواتب تشمل إدارة تكنولوجيا المعلومات (151,983 دولاراً)، ومطوّ البرامج (120,204 دولارات)، ومسؤول قاعدة البيانات (111,362 دولاراً) ، ومصمم UX/UI (101,260 دولاراً).

TRT عربي