أحد عروض "مسرح الثلاجة" للأطفال (TRT Arabi)
تابعنا

وهو عبارة عن مسرح عرائس متنقل جديد على طابع فلسطين الفني ولأول مرة يعرض داخلها في المسرح والديكور، انطلق من قرية بيت عوا غرب مدينة الخليل، وهو مسكن السويطي الذي تتنقل وفريقها منه إلى مختلف القرى المهمشة في الضفة الغربية، فهي تفتقر إلى أي نشاطات ثقافية للأطفال وحتى الكبار.

تعمل السويطي وفريقها على تقليد أصوات متعددة من الشخصيات بأعمار مختلفة لتجذب حماسة الأطفال التي تصفق بحرارة وسط أجواء من الفرح والتشجيع والتفاعل بين الجمهور والفنانين.

دمى خشبية بصناعة فلسطينية

"لا متنفس للأطفال سوى الشارع، من هنا أتت فكرة أن نؤسس مسرحا في منطقة بيت عوا"، تقول الفنانة الفلسطينية ديانا السويطي لـTRT عربي: "لم نتوقف هنا بل أضفنا إلى المسرح مكتبة عامة تهدف إلى تشجيع الأطفال على زيارتها بين المرتين والثلاث في الأسبوع لقراءة القصص ومناقشتها وإعادة تمثيلها، وبعدها بناء فاعليات وأنشطة خاصة بها، بالإضافة إلى فنون يدوية وتصنيع أنواع مختلفة من الدمى الصغيرة والرسم والتلوين".

وتوضح السويطي أن "مشروعهم الفني بالشراكة مع "مسرح الماريونيت البلجيكي" الذي تعلموا منه استخدام الدمى الخشبية المعلقة التي تحفر يدوياً، بالإضافة إلى استخدام القصر الخشبي كمسرح وديكور".

"تأسيس مسرح الثلاجة أواخر عام 2019 جاء من الواقع الذي تعيشه قريتي بيت عوا، والذي يعتمد الاقتصاد بها على الأثاث المستعمل الذي يحضرونه من الداخل المحتل. يعمل التجار على بيع ما هو بحالة جيدة، أما القديم فيبيعونه قطعاً من النحاس والألمنيوم، ويبقى شكل الثلاجة الداخلي كما هو لأن معظمها يصل تالفاً فلا يستطيعون إصلاحه، بالتالي بعض السكان يستعملونه لزرع الورود والبعض الآخر يصنعون سوراً مائياً بينهم وبين الجيران"، حسب السويطي.

من إحدى عروض مسلح الثلاجة في فلسطين (TRT Arabi)

وتضيف: "لأن عدد الثلاجات بات كبيراً جداً بجانب الأسواق والمدارس باتت الأراضي الزراعية التي نقصدها في الربيع للتنزه مغمورة بالثلاجات، وهذه المشكلة تتفاقم وتزيد من دون حل، بالتالي لجأ السكان إلى حرقها وهذا يسبب تلوثاً بيئياً كبيراً فقررنا طرح هذه المشكلة في كل مسرحية نقدمها".

"قدمنا إنتاجاً مسرحياً واحداً لدى تأسيس المسرح، وبعدها سافرت إلى بلجيكا للعمل على إنتاج مسرحي جديد. علقت هناك خلال فترة كورونا مدة ستة أشهر أثناءها تعلمت كيف أصنع الدمى الخشبية المعلقة ونحتها على الخشب، ولم يكن من أولوياتنا حينها العمل بهذا النوع، لكنني استثمرت الوقت كثيراً في التعلم بسبب وجودي في بلجيكا. وعندما عدت بتنا نصنعه بعد أن كنا نتعامل مع فنان بلجيكي يصنع لنا الدمى بعد أخذ مواصفاتها منا. بالتالي نحن سعداء جداً بصناعة هذه الدمى بيد عاملة فلسطينية".

اليد العاملة هذه لا تقف عند صناعة الدمى الخشبية فحسب، إنما يخرج الفريق التابع لمسرح الثلاجة بمهمات تطوعية تهدف إلى النظافة تحت الشجر وحول المكتبة، والكثير من النشاطات التي تنفذ داخلها، كون الفريق لا يتمكن أسبوعياً أو حتى شهرياً من إنتاج مسرحية جديدة، من هنا عزز الاهتمام بالمكتبة ليكون هناك شيئاً جديداً بشكل أسبوعي.

قصة عائلة "ظريف الطول" كانت الولادة الأولى لمسرح الثلاجة، فهي تستهدف الصغير الذي يستمع لها بشغف ويطالب بتمديد مدة عرضها، والكبير الذي يستذكر التراث الفلسطيني من الأغاني والقصص ضمن جو من التفاعل بين الممثلين والجمهور الذي يتابع المسرحية لمدة 55 دقيقة.

أما عن الولادة الثانية فهي قصة من قصص مؤسسة "تامر للتعليم المجتمعي" التي تعمل على طباعة كتب وقصص للأطفال، اخترنا واحدة منها اسمها "السيد الأسد ولص التفاح" حولناها إلى عرض مسرحي على مدار 30 عرضاً. ونحن اليوم بصدد العمل على إنتاج الولادة الثالثة لمسرحنا بالتأكيد ضمن مواضيع وقضايا تمس حياة الأطفال في فلسطين.

تتابع السويطي: "لدينا تعاون مع الكثير من المؤسسات والجمعيات التي تعنى بالأطفال في فلسطين، ولدينا شراكات خارجية مع مسرح "رويال ماريونيت" البلجيكي. هدفنا الرئيسي العمل من أجل صحة نفسية أفضل للأطفال الفلسطينيين وفي كل مكان، كما نسعى لنشر ثقافة المسرح في جميع المناطق الفلسطينية لنصل إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال لمشاهدته على أرض الواقع وليس فقط عن طريق التلفون والإنترنت والتلفزيون".

وتطمح في المستقبل أن "يكبر فريق عمل مسرح الثلاجة ويطور خبراته عبر حضور ورش عمل أو مؤتمرات أو تدريبات لها علاقة بالمسرح وتصنيع الدمى، ليصبح كل موظف متخصص بخبرة معينة، بالإضافة إلى إيصال المسرح إلى العالمية لمتابعته من أكبر عدد ممكن من الأطفال سواء في فلسطين أو الوطن العربي أو الدولي لأن الفن الذي نقدمه يستحق تسليط الضوء عليه من ناحية المواضيع المطروحة ونوع المسرح والديكور المستخدم".

عوائق السفر تعوق الانتشار

"كثيرة هي العوائق التي يواجهها الفنانون الفلسطينيون أهمها السفر"، يقول الفنان الفلسطيني نورسان زياد أحد أعضاء فريق "مسرح الثلاجة" لـTRT عربي: "من أبرز التحديات التي نواجهها هو لدى مشاركتنا في المهرجانات العربية نتعرض لعرقلة السفر خارج البلاد من قبل الاحتلال بسبب المواضيع الفنية التي نختارها أو بهدف طمس هويتنا الفنية للعالم العربي، والحد من قدرتنا وإبداعنا الفني فيجري أحياناً منعنا السفر بالإضافة إلى منعنا الحصول على فيزا للسفر إلى الدولة التي تعقد المهرجان".

أحد عروض مسرح الثلاثة في فلسطين (Others)

ويضيف زياد: "لدينا عوائق أخرى وهي رفض الدعم المشروط الذي يطلب أن نتحيز إلى جهة أو فكرة معينة وهنا نحاول دائماً أن ننتج من أموالنا الشخصية لكي لا نرضخ للدعم المشروط. أما العائق الأهم فهو التجزئة الجغرافية من ناحية تقسيم مدن الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48. للأسف نحن محرومون هذا التخالط الشخصي ولا نستطيع التواصل إلا عبر الإنترنت لذا يعجز بعضنا عن الاستفادة من خبرات بعض".

ويرى أن "هذه المبادرات مهمة جداً في فلسطين بسبب التجزئة الجغرافية التي نعيشها بسبب الاحتلال، مثلاً المناطق C هي قرى مهمشة بعيدة عن المدن المحتلة، وتكون على حدود المستوطنات، بالتالي يجري تهميشها بشكل متعمد وتتعرض لانتهاكات ومضايقات عدة، لذا نحن هنا دائماً لنفرح هذا الطفل الذي يعيش داخل هذه القرى، بالتالي يصعب عليه حضور أي مسرح أو المشاركة في أي نشاطات معينة للأطفال. كما نعمل أيضاً للمدن الأخرى التي هي دائماً موجودة في القطاع الثقافي والفني سواء في المسرح أو الموسيقى".

ويشير إلى "أولوية المواضيع التي نتناولها تعنى بالقضية وليست شرطاً أن تكون مباشرة، يمكن أن نجسدها بطرق مختلفة توضح لنا الصراع الفلسطيني على الأرض، وأهمية بقائنا على دراية كافية بأبعاد الأحداث التي تتعرض لها قضيتنا".

وعن دوره في مسرح الثلاجة، يوضح أنه "يشارك في المسرحيات من ناحية التمثيل بالدمى واستخدام المؤثرات الصوتية للشخصيات الأخرى التي لا يمكن أن يجري اللعب بها في الماريونيت. لا توجد شخصية معينة أحب تقديمها فيمكنني لعب أي دور، بخاصة الخرافية كالساحرة والغول والحيوانات المتكلمة، بالإضافة إلى اللعب في مسرح الطفل من إخراج وتمثيل".

"الاستمرارية في التمثيل مهمة جداً لعرض القضايا وطرح المواضيع ضمن سياق فني، ونحن كشعب فلسطيني تعددت لدينا طرق التعبير عن شتى الأمور المتعلقة بقضيتنا سواء بالرسم أو الموسيقى أو الفن. في السنوات الأخيرة كان من المهم جداً إثبات هويتنا الفنية للشرق الأوسط والعالم وإظهار قدرة الفلسطينيين على ترسيخ وجودهم كفنانين ومبدعين في هذا المجال رغم عوائق الاحتلال، ومن الضروري أن نتوارث هذا الشيء من جيل إلى جيل ونعمل على تطويره"، وفقاً لزياد.

مما لا شك فيه أن الفن يعد أحد أهم الأساليب التي يختارها الفلسطينيون لإيصال رسائل إنسانية حول قضيتهم العادلة إلى العالم، وكثير من الأحيان كانت تجدي نفعاً. فتحديات الشعب الفلسطيني أينما حل لا تعد ولا تحصى لكن يبقى خيار النجاح حاضراً على سلم أولوياتهم في الدفاع عن فلسطين بشتى الطرق.

TRT عربي