الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين قيرغيزستان وطاجيكستان أدّت إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص (AP)
تابعنا

أدّت الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين قيرغيزستان وطاجيكستان إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص من الدولتين المجاورتين في آسيا الوسطى، في ما يبدو أنه مؤشر قد يزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

وبينما كان قادة الصين وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى مجتمعين في مدينة سمرقند بأوزبكستان في إطار الاجتماع السنوي لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) قبل أيام، اندلعت الاشتباكات العنيفة بين الدولتين العضوين في المنظمة.

ومع وصول عدد الجرحى إلى مئات من كلا الجانبين، اتُّفق على وقف إطلاق النار في 16 سبتمبر/أيلول، ورغم ذلك، فإن الخبراء والمتابعين للأوضاع هناك ليسوا متفائلين بشأن انتقال وقف إطلاق النار إلى سلام دائم.

يقول أوتابيك أومونكولوف، الأكاديمي الأوزبكي الباحث في مركز سياسات آسيا الوسطى، إن "من المثير للاهتمام أن الاشتباكات القيرغيزية-الطاجيكية حدثت في وقت اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون".

الرئيسان القيرغيزي والطاجيكي في اجتماع منظمة شنغهاي  (Reuters)
ويضيف أومونكولوف في حديثه لـTRT WORLD أن "صمت أوزبكستان وكازاخستان، الدولتين الوسطيتين خلال الاشتباكات الماضية بين قيرغيزستان وطاجيكستان يفسر تجاوز التنافس الإقليمي في المنطقة نقطة التهدئة".


واختارت كل من أوزبكستان وكازاخستان، وهما جمهوريتان سوفييتيان سابقتان، مؤخراً خطّاً سياسياً دقيقاً في ما يتعلق بعلاقاتهما مع موسكو، والبقاء على الحياد بشأن النزاع في أوكرانيا.

واعتبر رافايللو بانتوتشي، الباحث الأول في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، وهو مؤسسة فكرية بريطانية، أن دول أوراسيا تعاملت مع الصراع القيرغيزي-الطاجيكي من مبدأ "لا أحد يكبح جماحهم".

وأجبرت الاشتباكات أكثر من 137 ألف مدني قيرغيزي على الفرار من المناطق الحدودية، وهو ما يبدو أنه مؤشر على أن الجانب الطاجيكي كانوا الأكثر عدوانية، فيما تتهم طاجيكستان جارتها قيرغيزستان بإثارة القتال الأخير.

لماذا تجددت الاشتباكات؟

يعتقد بانتوتشي في حديثه لـTRT، أن سلوك طاجيكستان "العدواني" قد يكون مرتبطاً "بموقف عامّ في الحكومة" لأن الرئيس إمام علي رحمان، الذي يقود البلاد منذ عام 1994، أظهر مؤخراً بعض الدلائل على أنه قد يتنحى قريباً.

لذلك فإن عملية الخلافة المستمرة في دوشانبي، التي لها علاقة كبيرة بإرث رحمن، قد تخلق بعض التوتر في القيادة الطاجيكية، وفقاً لبانتوتشي.

ويؤكد الباحث في المعهد البريطاني التوترات الأخيرة بين الحكومة الطاجيكية المركزية والسكان المحليين في مقاطعة بادخشان، قائلاً: "لقد كانوا عدوانيين بالمثل في مقاطعة غورنو بادخشان المتمتعة بالحكم الذاتي".

ويضيف أن التوترات الحالية ليس لها طابع جديد خاصّ، ويشير إلى أن "الاشتباكات التي شهدناها مؤخراً على الحدود تعود بالفعل إلى ما قبل سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل".

ويرجح بانتوتشي إن السبب الأخير لتصعيد التوترات بين البلدين، قد يكون مرتبطاً بالاتهامات المتبادَلة بأن أحد الجانبين يمنع الطرف الآخر من الوصول إلى مصادر المياه، لكن يؤكد أنها "استمرار لما كان يجري منذ أكثر من عام".

وتشكل الاشتباكات بين قيرغيزستان وطاجيكستان أيضاً مصدر إزعاج لروسيا، المنشغلة بهجومها على أوكرانيا، ولكن تبقى موسكو ذات تأثير قوي على كلتا الدولتين، إذ يقول بانتوتشي عن ذلك: "أنا متأكد من أنهم (الروس) لا يحبون رؤية قتال قيرغيزي-طاجيكي، لكنهم لم يفعلوا أي شيء حيال ذلك في الماضي".

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو صوت بارز في منظمة شنغهاي للتعاون، الذي يريد تحويله إلى تحالف بديل ضدّ الهيمنة الغربية، كلا الجانبين "إلى اتخاذ خطوات لحلّ الوضع في أقرب وقت ممكن".

صورة على هامش اجتماع منظمة شنغهاي  (Reuters)

ويرى كمال علم، المحلل العسكري والباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي، أن للاشتباكات بين البلدين التي لهما حدود مع روسيا، دافعاً سياسياً غربياً.

وقال عالم لـTRT إن "وجهة نظر تقول إن الأمر مرتبط بالتحريض العامّ على روسيا المستوحى من الولايات المتحدة لزعزعة استقرار روسيا عبر آسيا الوسطى".

ويضيف: أعتقد أنهم (الولايات المتحدة) لا يدفعونهم مباشرة إلى الحرب، لكن هي استراتيجية لمحاولة زعزعة خواصر روسيا".

حدود مصطنعة

يعتقد الخبراء أن المشكلة الحقيقية بين قيرغيزستان وطاجيكستان تعود إلى حدود آسيا الوسطى "الاستعمارية" المصطنَعة التي رسمها بشكل أساسي الاتحاد السوفييتي السابق، إذ أوجدت هذه الجمهوريات على شكلها الحالي، وقسمت المنطقة.

ويقول أومونكولوف: "في حين أن حدود القيرغيز والطاجيك يبلغ طولها 970 كم، لم تتفق الدولتان حتى الآن على أكثر من 400 كيلومتر". يقول الأكاديمي الأوزبكي: "لديهم باستمرار مشكلات في تلك المناطق الحدودية المتنازَع عليها لأن كلا الجانبين يطالب بالسيادة".

يقول الباحث الأوزبكي أوتابيك أومونكولوف إنه في الأشهر الاثني عشر الماضية، وقع أكثر من 100 اشتباك منفصل في تلك المناطق الحدودية، وفقاً للسلطات القيرغيزية. ويؤكد أن كلا البلدين يرفض تقديم أي تنازلات للطرف الآخر، مما قد يزيد فرص نشوب صراع مسلح.

خلال الاشتباكات الأخيرة أغلقت قيرغيستان حدودها مع طاجيكستان، مما شكّل ضربة لتجارة دوشانبي التي تمر عبر بيشكيك إلى آسيا الوسطى، وفقاً لأومونكولوف.

خريطة الحدود بين قيرغيزستان وطاجيكستان  (TRT World)

من جانبه يقول كمال علم إن "المجتمعات في تلك المناطق عابرة لهذه الحدود التي وضعها الاتحاد السوفييتي، إذ يشبه الوضع هناك إلى حد ما الحدود الهندية-الباكستانية أو الحدود الأفغانية-الباكستانية، لذا فإن القضية الرئيسية هي الحدود الخاطئة التي تحاول تغيير تاريخ هذه الشعوب".

ويضيف الأكاديمي العسكري أن "القومية والجغرافيا السياسية تتحدان في الوقت الحالي من أجل القوى العظمى والقوى الإقليمية، بما يسبب اضطرابات دائمة".

ومثل المخططات الاستعمارية الغربية في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية، رسم السوفييت حدود آسيا الوسطى للسيطرة على المنطقة، وفقاً لأومونكولوف. ولإثبات وجهة نظره يقدّم الأكاديمي الأوزبكي مثالاً على وادي فرغانة، وهي منطقة متنوعة إثنياً احتلتها الإمبراطورية الروسية في نهاية القرن التاسع عشر.

يقول أومونكولوف عن ذلك: "قسّم السوفييت وادي فرغانة إلى ثلاث جمهوريات سوفييتية: قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، بمعنى أنه إذا حصلت هذه الدول على استقلالها في المستقبل، فستحدث خلافات بينها حول أراضيها في المنطقة التاريخية".

وتقع أجزاء من وادي فرغانة في شرق أوزبكستان وجنوب قيرغيزستان وشمال طاجيكستان، لذلك فإن المناطق الحدودية لقيرغيزستان، وهي دولة ناطقة بالتركية، وطاجيكستان، وهي دولة ذات أغلبية فارسية، يسكنها أعراق مختلطة، بما في ذلك القيرغيز والطاجيك، وكذلك الأوزبك وغيرهم.

TRT عربي