لوحة تصويرية لمعركة بروزة. (Others)
تابعنا

في أعقاب فتح العثمانيين مدينة إسطنبول منتصف القرن الخامس عشر وزيادة نفوذهم البحري في بحر إيجه، وما لحقه من انتصار عظيم للبحرية العثمانية على أسطول مملكة البندقية تحت قيادة القبطان العثماني الشهير كمال رئيس في معركة سابيينزا عام 1499 التي كانت شاهدة على ولادة الأسطول العثماني القوي، حشد بابا الفاتيكان آنذاك بولس الثالث الممالك الأوروبية من أجل التصدي للأسطول العثماني الآخذ في التنامي والتمدد نحو المتوسط.

ومع حلول صيف عام 1538، اكتمل الحشد الأوروبي تحت اسم تحالف الرابطة المقدسة الصليبي بقيادة البحار الإيطالي أندريا دوريا، ممثل مملكة جنوة. فيما شهد يوم 28 سبتمبر/أيلول 1538 على وقوع معركة بروزة بالقرب من ميناء بريفيزا غربي اليونان، والتي انتصر فيها الأسطول العثماني بقيادة القبطان العثماني الشهير خير الدين بربروس انتصاراً ساحقاً على تحالف الرابطة المقدسة الصليبي الذي نظمه البابا بولس الثالث.

شكل هذا الانتصار نقطة تحول مهمة للبحرية العثمانية التي فرضت سيطرتها المطلقة على البحر الأبيض المتوسط حتى عام 1571، وارتبطت ذكرى الانتصار هذا بعيد البحرية التركية الذي يحل موعده باليوم نفسه.

الطريق إلى بروزة

قاد خير الدين بربروس في عام 1537 أسطولاً عثمانياً كبيراً استولى به على معظم الجزر في بحر إيجه والبحر اليوناني التي كانت تتبع مملكة البندقية، كما أضاف دوقية "ناكشا" إلى الأراضي العثمانية. ثم حاصر جزيرة "كورفو" الواقعة أيضاً في أيدي البنادقة، وهاجم سواحل كالابريا في الطرف الجنوبي من الحذاء الإيطالي، والذي كان في ذلك الوقت أرضاً إسبانية.

وخوفاً من النفوذ المتنامي للعثمانيين في البحر الأبيض المتوسط ولوقف فتوحات خير الدين بربروس، نجح بابا روما، بولس الثالث، في فبراير/شباط 1538 في إنشاء البحرية الصليبية، التي أطلق عليها اسم تحالف الرابطة المقدسة الصليبي، والتي تتكون من الإمبراطورية الإسبانية ومملكة البندقية ومملكة جنوة والدولة البابوية إلى جانب فرسان مالطا.

وما أن حل الصيف حتى تحرك أندريا دوريا قائد الأسطول الصليبي باتجاه كريت من أجل الاستيلاء على السفن القادمة من مصر إلى إسطنبول. وفور علمه بذلك، أبحر على بربروس من إسطنبول لمنع دوريا وفرض السيطرة العثمانية على كريت والجزر المحيطة بها، وفي 13 يوليو/تموز 1538 نجح بغزو سواحل كريت وإرسال 7 سفن محملة بالغنائم والأسرى إلى إسطنبول.

معركة بروزة

في الـ28 من شهر سبتمبر/أيلول عام 1538 تحركت أوروبا الصليبية كلها استجابة لنداء بابا روما من أجل التصدي للأسطول العثماني بقيادة بربروس، وشكلوا مجتمعين أسطولاً بحرياً ضخماً تكون من حوالي 600 سفينة حربية ما بين قادس كبير وسفن شراعية وغيرها حملت مجتمعة قرابة 60 ألف جندي وبحار تحت قيادة البحار الإيطالي أندريا دوريا.

في المقابل، خرج العثمانيون بـ122 سفينة تقلّ 22 ألف جنديّ فقط بقيادة خير الدين بربروس.

ومع بزوغ فجر 28 سبتمبر/أيلول، التقى الأسطولان في بروزة بالقرب من ميناء بريفيزا غربي اليونان، وفي غضون 5 ساعات فقط قاد بربروس العثمانيين لتحقيق نصر عظيم دون خسارة أي من سفن الأسطول العثماني، فقد نجح من تحقيق صدمة ومفاجأة لخصومه قبل أن يستعدوا للمعركة، فتفرقت سفنهم وهرب قائدهم دوريا من ميدان المعركة بعد فترة وجيزة من بدئها.

وخلال 5 ساعات فقط، تمكن الأسطول العثماني من تدمير 13 سفينة من سفن التحالف الصليبي، وأسْر 36 سفينة أخرى وحوالي 3 آلاف أسير، كما جرى إعطاب أكثر من 100 سفينة أوروبية، بينما لم يفقد الأسطول العثماني أي سفينة واكتفى بالخسائر البشرية فقط.

ضمن نصر بربروس هذا السيطرة العثمانية على البحر المتوسط بصورة مطلقة لفترة طويلة حتى عام 1571، وارتبطت ذكراه بعيد ميلاد البحرية التركية.

خير الدين بربروس

ولد خير الدين بربروس باشا عام 1478 في جزيرة لسبوس (التابعة لليونان اليوم) لعائلة تمتهن البحر ووصناعة السفن، اسمه الحقيقي خضر، واستخدم اللقب الإيطالي "بربروسا" الذي يصف لحيته الحمراء بعد وفاة أخيه الأكبر عروج ريس. وخير الدين اسم منحه إياه السلطان سليمان القانوني تشريفاً وتكريماً له، عُرف أيضاً بلقب "أسد البحر الأبيض المتوسط". وعند موته في عام 1546، أعلنت الإمبراطورية العثمانية عن موت "زعيم البحار".

وفي عام 1538، بزغ اسم البحار العثماني خير الدين بربروس بعد الانتصار الضخم الذي حققه أثناء الغزو الصليبي ضد البحرية العثمانية، وذلك بعدما قاد أندريا دوريا، أحد رجال الدولة في مملكة جنوة، أسطولاً بحرياً مكوناً من 250 سفينة من أجل إخماد النفوذ المتنامي للبحرية العثمانية في البحر الأبيض المتوسط، بينما كان أسطول خير الدين مكوناً من 122 سفينة فقط.

وعلى إثر الانتصار الساحق الذي قاده القبطان بربروس، استقبله السلطان سليمان القانوني في مدينة إسطنبول وترقيته لرتبة قبطان باشا (كبير أدميرالات) في الأسطول العثماني، إلى جانب تعيينه حاكم حكام شمال إفريقيا ورودس، التي ضمها خير الدين تحت راية الدولة العثمانية.

وفي الوقت الذي شغل به خير الدين بربروس منصب أدميرال للبحرية العثمانية أوائل القرن السادس عشر، أظهر مهارةً بحرية رائعة، إذ ازدادت القوة البحرية العثمانية تحت قيادته أضعافاً مضاعفة، وتمكن من توسعة رقعة النفوذ العثماني فوق مياه البحر الأبيض المتوسط كاملة وعلى السواحل الأوروبية، فضلاً عن ضم تونس والجزائر وليبيا إلى الأراضي العثمانية إبان فترة توليه قيادة الأسطول العثماني.

TRT عربي