تابعنا
في 27 أبريل/نيسان الماضي، جلبت تركيا أول وقود نووي لمحطة "آق قويو" النووية، وهي أول محطة من نوعها في البلاد، مما سيوفر للبلاد نحو 6.5 مليار دولار ويغنيها عن استيراد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، حسب ما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان.

في خضم تسابق الدول المتقدمة والنامية من أجل تعزيز الاكتفاء الذاتي من الطاقة، عملت تركيا على تعزيز استثماراتها في مصادر الطاقة النظيفة، جنباً إلى جنب مع اكتشافات الغاز والنفط التي ستنقلها إلى مصاف الدول المنتجة والمصدرة للطاقة في المستقبل.

ومنذ وقت مبكر نسبياً رسمت تركيا على هذا الصعيد عدة أهداف، نجد أن معظمها بدأ يتحقق في 2023؛ ابتداء من خطة "صفر نفايات" إلى إنشاء محطة طاقة نووية، وضخ استثمارات كبيرة في محطات الطاقة الشمسية، وإنتاج سيارة كهربائية محلية الصنع.

فمن خلال جهود قادتها تركيا خصصت الأمم المتحدة لأول مرة يوماً لـ"صفر نفايات" في 30 مارس/آذار الماضي، أقرته 105 دول وبدأت العمل به منذ 2017، مما ساهم في زيادة الطاقة المتجددة.

وفي 27 أبريل/نيسان الماضي، جلبت تركيا أول وقود نووي لمحطة "آق قويو" النووية، وهي أول محطة من نوعها في البلاد، مما سيوفر للبلاد نحو 6.5 مليار دولار ويغنيها عن استيراد 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، حسب ما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان.

وفي 2 مايو/آيار الجاري، افتتحت تركيا أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى تركيا وأوروبا أيضاً، وهي محطة "قاليون قره بينار" بمدينة قونية، وهي واحدة من القلائل من نوعها عالمياً، حسب صحيفة "حرييت" التركية، وتلبي احتياجات مليوني شخص من الكهرباء.

إلى جانب ذلك، هناك السيارة الكهربائية محلية الصنع "توغ" التي طرحت في الأسواق رسمياً مطلع أبريل/نيسان المنصرم، وما ساهمت به من خلق بنية تحتية كبيرة من محطات الكهرباء، بشكل يعزز مع مرور الوقت الاعتماد على السيارات النظيفة.

ومن ناحية أخرى، جرى اكتشاف حقل الغاز الطبيعي بصقاريا في البحر الأسود، ويصل حجم الاحتياط فيه إلى 710 مليارات متر مكعب، وفق وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز. ولقد بدأ ضخّه بالفعل من البحر إلى البر في 20 أبريل/نيسان الماضي، ويمكنه تلبية احتياجات تركيا لـ35 عاماً، حسب تصريحات دونماز.

وإلى جانب الغاز، أعلنت تركيا عن اكتشاف نفطي جديد في 2 مايو/أيار الجاري، بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ألف برميل يومياً، وهو ما يعني تلبية نحو 20% من حاجة تركيا من النفط، حسب وزير الطاقة التركي.

يرى الخبراء أن جميع هذه الخطوات تعد جوهرية في تحقيق استقلال طاقوي يخفف بشكل تدريجي من اعتماد تركيا على الخارج في استيراد موارد الطاقة المختلفة، ليحولها بالتدريج إلى دولة منتجة ومصدّرة، لا سيما للغاز الطبيعي نظراً إلى حجم الاكتشافات الموجودة.

نهضة نظيفة

رغم الإشادة باكتشافات الغاز والنفط، إلا أن تركيا ركزت بشكل مطرد على مصادر الطاقة البديلة "النظيفة"، كما يرى رئيس مركز أبحاث تركيا لاستراتيجيات وسياسات الطاقة أوغوزهان آق ينر، مشيراً إلى أن تركيا "وضعت خطوات مهمة للغاية على صعيد الطاقة النظيفة، وتتمتع بمعدل يفوق نظيره المتوسط في الاتحاد الأوروبي".

وأشار أق ينر في حديث لـTRT عربي إلى أن هذا المعدل سيكون "أعلى بكثير" من المتوسط الأوروبي بفضل تشغيل محطة "آق قويو" النووية، مؤكداً مساهمة تطوير التقنيات المحلية في هذا السياق والتي قلّلت فاتورة الاستثمارات في قطاعات الطاقة النظيفة.

في هذا السياق، يلفت الخبير التركي إلى أن تطوير التكنولوجيا المحلية في مجالات الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح جعل الاستثمارات أسهل، لأن تكاليف الاستيراد من الخارج كانت عالية جداً، كما استشهد بانخفاض تكاليف تركيب أنظمة الطاقة الشمسية بشكل كبير بسبب التقنيات المحلية المتطورة.

ولدى سؤاله حول تدشين تركيا مؤخراً أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى أوروبا، أوضح أق ينر أن جميع البلدان بدأت تميل إلى هذا النوع من الطاقة، نظراً "لانخفاض تكلفتها بالدرجة الأولى، ولأسباب أخرى مثل تنويع الموارد، والاعتماد على مصادر طاقة ذات انبعاثات أقل من الكربون". "كما يمكن اعتبار الطاقة المتجددة حلاً للمناطق النائية أو القرى التي يصعب توصيل الكهرباء إليها"، حسب الخبير التركي.

بدوره، قال زاهر هاشم الصحفي المختص في قضايا البيئة، في حديث لـTRT عربي، أن تركيا تسعى إلى تقليل انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون من 21% إلى 41% بحلول عام 2030، والوصول إلى الحياد الكربوني أي صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2053.

وأردف بالقول: "لذلك فإن الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أن يعزز ويسرع هذه الاستراتيجية من خلال الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مشيراً إلى أن تركيا تمتلك مشاريع كبيرة في هذا المجال".

ولفت هاشم إلى أن تركيا حققت هذا العام إنجازاً كبيراً في مجال طاقة الرياح حيث أنتجت منها نحو 23% من إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائية لتحلّ في المركز الثاني بعد محطات الفحم، مشيراً إلى أن إسهامات محطة "قاليون قره بينار" في قونية على هذا الصدد.

كما أضاف هاشم أن "تركيا تستثمر في الهيدروجين الأخضر الذي يعتبر أكثر مصادر الطاقة النظيفة كفاءة، ولا يسبب أي انبعاثات غازية، ومن شأنه تأمين طاقة كهربائية نظيفة لمحطات شحن السيارات الكهربائية التي بدأت تركيا بإنتاجها".

عوائد اقتصادية

لا تقتصر أهمية الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة على تصنيع طاقة محلية وتحقيق اكتفاء ذاتي وتقليل المخاطر على البيئة فحسب، بل لها عوائد اقتصادية كذلك، فهي "تؤمن استقراراً في الاقتصاد المحلي بعيداً عن تقلبات أسعار النفط العالمية" كما يرى هاشم.

ويضيف: "تساهم الطاقة المتجددة في تأمين مصدر طاقة رخيص للمواطنين، من حيث إمداد ملايين المنازل بالكهرباء الرخيصة، كما أن أسعار الطاقة المتجددة وتجهيزاتها تنخفض بشكل مستمر مع تطور تقنياتها يوماً بعد يوم".

ويرى هاشم أن الطاقة المتجددة تخلق فرص عمل كبيرة في مجالات واسعة وتفتح المجال للابتكار في مجال تصنيع السيارات الكهربائية وغيرها من التقنيات المبتكرة.

كما لفت في الوقت ذاته إلى أن مساهمتها في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري يساهم بدوره في تقليل التلوث البيئي، وتحسين الصحة العامة، وبالتالي في تخفيف عبء الآثار الصحية التي تتكلفها الدولة، كما تحسن جودة الحياة وتشجع السياحة.

من جانبه، يؤكد الخبير التركي أق ينر أن تركيا صنعت سوقاً جديداً بفضل الطاقة المتجددة، ووضعت بعض السياسات لتشجيع ودعم الاستثمارات المحلية في هذا المجال، على رأسها الطاقة الشمسية، مثل ضمان الشراء من المنتجين المحليين ودعم التكنولوجيا المحلية.

وأضاف أن الطاقة المتجددة ساهمت في تنمية الاقتصاد وزيادة الاستثمارات ومعدلات التوظيف، كما لفت إلى أهمية الطاقة الشمسية على وجه الخصوص في تعزيز الإنتاج المحلي للطاقة الكهربائية وتوفير تكلفة استيرادها من الخارج.

في الوقت ذاته، شدد أق ينر أهمية محطات الطاقة النووية في سياق استقلالية الطاقة، بسبب سعتها الطاقوية "الأعلى بكثير" مقارنة بالطاقة الشمسية، وبسبب عدم تأثرها بالظروف الجوية من جانب آخر، ما يجعلها محطة منتجة على مدار الوقت.


TRT عربي
الأكثر تداولاً