مظاهرات في عدد من المدن الأوروبية رفضاً لإجراءات متعلقة بمكافحة كورونا (Geoffroy Van Der Hasselt/AFP)
تابعنا

احتجاجات عارمة، اشتباكات مع الشرطة، عشرات الجرحى والمعتقلين، وقتيل واحد راح ضحية عنف بوليسي شرس. كلها مشاهد من نهاية أسبوع عرفتها أوروبا، كانت الانتفاضة ضد "الجواز الصحي" عنواناً لها بكل من فرنسا، ألمانيا وإيطاليا.

بالمقابل، لا استجابات من حكومات الاتحاد سوى قمع المتظاهرين، الذين جمعوا كل المشارب السياسية والمواقف إزاء اللقاح، رفضوا أن يكون الجبر هو جواب حكومتهم على الأزمة الصحية، التي دفعوا أساساً ثمنها من مقدراتهم المالية ومناصب شغلهم، ليضاف ذلك الجبر على الهشاشة الاقتصادية راسماً وضعاً يهدد بانفجار أكبر، قد تكون قضية "الجواز الصحي" مستهلًا لاضطراباته.

نهاية أسبوع ملتهبة!

في مظاهرات تعدَّت 200 ألف مشارك احتضنتها شوارع المدن الفرنسية، خرج الفرنسيون محتجين على ما اعتبروه مساساً بحريتهم تضمنه القرار الحكومي بفرض "جواز صحي". مضافة إلى أكثر من 160 ألفاً آخرين، شاركوا في مظاهرات مماثلة الأسبوع الماضي. رغم ارتفاع المخاوف من تزايد أعداد الإصابات بمتحورة دلتا، في الآونة الأخيرة.

هذا وردّد فيها المتظاهرون شعارات مثل "هذه ديكتاتورية صحية" و"لا للقاح، لا للبطاقة الصحية"، و"لقحوني ضد الفاشية والرأسمالية" و"وسائل إعلام كاذبة! نريد الحقيقة". فيما شهدت مشاركة شخصيات وتمثيليات من اتجاهات مختلفة داخل الساحة السياسية الفرنسية؛ من حركة السترات الصفراء، إلى حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وغيرهما من اليسار واليمين. كما عرفت تلك المسيرات اشتباكات حادة بين المتظاهرين وقوات الشرطة، أدّت إلى توقيف 19 شخصاً وإصابة 3 من عناصر من الأمن في باريس بجروح، وفق وزارة الداخلية الفرنسية.

باريس ليست وحدها، فالعاصمة الألمانية برلين كذلك احتضنت مظاهرات حاشدة ضد تدابير الإغلاق المقترنة بفيروس كورونا. حيث خرج الآلاف متحدين الحظر المفروض على التظاهرات، وتجمّعوا الأحد، الأول من أغسطس/آب الجاري، رغم رفض المحاكم الألمانية التصريح لتلك المظاهر خشية خرق المشاركين قواعد وضع الكمامات والتباعد الاجتماعي. هذا ونقلاً عن صفحة شرطة برلين على تويتر فإن 1000 من هؤلاء المتظاهرين تعرَّضوا للاعتقال على خلفية أعمال شغب وصدامات بينهم وبين قوات حفظ الأمن.

هذا وتزعَّم المشككون في التلقيح مظاهرات برلين، رافعين لافتات كتب عليها "حرية" و"لا لديكتاتورية كورونا"، كما لم يضع العدد الأكبر منهم كمامات. وضمت هي الأخرى خليطاً من الأشخاص، بينهم المعارضون للّقاحات وأصحاب نظريّات المؤامرة وأعضاء في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف. فيما استعملت شرطة برلين، التي نُشر منها 2000 عنصر من أجل تفريق المظاهرة، العصي والهراوات وخراطيم المياه في ذلك، ما أدى إلى سقوط ضحية جراء استعمال العنف المفرط حسب ما صرحت به الشرطة.

في إيطاليا كذلك شهدت عاصمتها روما هي الأخرى مظاهرات حاشدة مناوئة لـ"الجواز الأخضر" الذي أقرته حكومة، بلغ المتظاهرون فيها أكثر من 30 ألف عبر التراب الإيطالي. هاتفين "الحرية" و"لا الجواز أخضر" للتعبير عن معارضتهم له حيث شبهوا هذا الإجراء باضطهاد ألمانيا النازية لبعض الأقليات خلال الحرب العالمية الثانية. وكاد انقسام الرأي هذا أن يفكك الحكومة الإيطالية، إذ انتقدت وزيرة الداخلية الإيطالية، لوسيانا لاموغريسي، معارضي الإجراءات الصحية التي أقرتها حكومتها. فيما ردَّ عليها ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف، بأنه "على السياسيين احترام أصوات المحتجين والاستماع إليها".

لماذا يعارض الأوروبيون الجواز الصحي؟

يعد "الجواز الصحي" شهادة تسلَّم إلى صاحبها بعد تلقيه التطعيم الكامل ضد فيروس كورونا، يتاح له بموجبها التمتع بحرية السفر والتنقل بين أرجاء البلاد نفسها بل وقضاء الأنشطة اليومية، دون القيود التي فرضت مع اجتياح الوباء.

في فرنسا، صدّقت الجمعية الوطنية الأحد الماضي نهائياً على القانون الذي يفرض إبراز شهادة تطعيم كاملة ضد كوفيد-19، أو فحص سلبي حديث، من أجل السفر وولوج الأماكن الثقافية والترفيهية، كما وُسّعت دائرة هذه النشاطات لتشمل المقاهي والمعارض والمطاعم والقطارات اعتباراً من 9 أغسطس/آب الجاري. فيما تضمن القانون كذلك إلزامية التلقيح على المشتغلين بالجسم الطبي، وإلا العزل من العمل سيكون نصيب من رفض ذلك.

إيطاليا هي الأخرى أقرت إلزامية التوفر على ذلك الجواز، في نسخة رقمية أو ورقية، تُظهر ما إذا كان حامله قد تلقى جرعة واحدة على الأقل من اللقاحات المضادة لكورونا أو أن نتيجة اختباره سلبية أو تعافى مؤخراً من الفيروس. وسيجري تطبيق هذا الإجراء على الأفراد الراغبين في الذهاب إلى مختلف أماكن التجمعات العامة كصالات الألعاب الرياضية، وحمامات السباحة، والملاعب الرياضية، والمتاحف، والمنتجعات الصحية، ودور السينما، والمطاعم.

فيما جبرية هذه القرارات هي ما دفعت شعوب تلك البلدان إلى الاحتجاج، رافضين أن يُفرض عليهم الإجراء بشكل لا ديموقراطي، بينما لا ينفي ذلك الدورَ الذي تلعبه الجماعات المشككة في التلقيح والمروجة لنظرية المؤامرة، على أقليتها، في تأجيج تلك الاحتجاجات. إحداها جماعة "كويردنكر" الألمانية، التي لعبت دوراً أساسياً في مظاهرات الأحد ببرلين، والتي أقر جهاز الأمن الداخلي الألماني في أبريل/نيسان الماضي أنه سيفرض رقابة على بعض أعضاء “كويردنكر” على خلفية المخاوف المرتبطة بتهديدهم للديموقراطية وارتباطهم باليمين المتطرف.

هذه الجماعات التي في معظمها يمينية متطرفة، نجد الأحزاب من هذا التيار تقف داعمة لها، كما الحال بالنسبة لزعيم حزب الرابطة الإيطالي، وحزب الحرية الهولندي الذي حرَّض على أعمال العنف التي عرفتها البلاد شهر يناير/كانون الثاني هذه السنة. كما نظَّمت "بيغيدا" المعادية للإسلام والمهاجرين عدداً من المظاهرات ضد الإجراءات الصحية للحد من تفشي كوفيد في ألمانيا، أكثرها تخللته أعمال عنف وصدامات، وأبرزها اقتحام مبنى "الرايخستاغ" الصيف الماضي.

TRT عربي