هيمنة إسرائيلية و"دراما يونانية".. هل خرجت صناعة برامج التجسس عن السيطرة؟ / صورة: AFP (Joel Saget/AFP)
تابعنا

في أواخر يوليو/تموز المنصرم كشفت أبحاث أوروبية أُجريَت على هواتف سياسيين وصحفيين من المعارضة اليونانية تعرُّضها لاخترق باستعمال برامج تجسس متطورة تستخدمها الاستخبارات المركزية في أثينا، وهي العملية التي أُطلق عليها إعلامياً اسم ووترغيت اليونانية.

وبعد اتساع رقعة فضيحة التجسس في اليونان السبت لتشمل ثلاثاً وثلاثين ضحية جديدة، من بينهم وزراء ومعارضون وصحفيون، توجهت الأنظار مجدداً إلى سوق صناعة برامج التجسس التجارية المزدهرة التي تهيمن عليها إسرائيل، والفوضى العارمة التي تحدثها على المستوى العالمي من حين إلى آخر بعد خروجها عن السيطرة.

وفي تقرير مفصل تناول موضوع خروج صناعة برامج التجسس عن نطاق السيطرة كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن برامج التجسس التي تستخدمها الحكومات وتسمح بغزو الهواتف المحمولة وسحب البيانات تواصل الازدهار، حتى إن حكومة الولايات المتحدة التي اتخذت موقفاً عاماً العام الماضي ضد إساءة استخدام برامج التجسس لاستهداف نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين، تواصل استخدام مثل هذه البرامج.

فوضى عالمية

نقلت نيويورك تايمز عن الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن ستيفن فيلدشتاين الذي وثق استخدام برامج التجسس من قبل 73 دولة على الأقل، قوله: "العقوبات ضد NSO وأمثالها مهمة. ولكن في الواقع يتدخل بائعون آخرون. ولا يوجد ما يشير إلى أنه سيتوقف عن العمل".

وتستخدم برامج التجسس التجارية من قِبل أجهزة المخابرات وقوات الشرطة لاختراق الهواتف التي تستخدمها شبكات المخدرات والجماعات الإرهابية. لكنها في الوقت نفسه أُسِيء استخدامها من أنظمة وديمقراطيات استبدادية للتجسس على المعارضين السياسيين والصحفيين.

وأدى ذلك بالحكومات إلى تبرير منطقي في بعض الأحيان لاستخدامها -بما في ذلك موقف البيت الأبيض الناشئ بأن تبرير استخدام هذه الأسلحة القوية يعتمد جزئياً على من يستخدمها وضد من.

وتحاول إدارة بايدن فرض درجة معينة من النظام على الفوضى العالمية لكن في هذه البيئة لعبت الولايات المتحدة دور كل من الحريق ورجل إطفاء، حسب نيويورك تايمز. لا سيما أن المؤسسات الأمريكية، ومن بينها مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI نشر أنه استخدم بين عامَي 2020 و2021 برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس "Pegasus" في تحقيقاتهم الجنائية الخاصة قبل أن يتخلى المكتب في النهاية عن الفكرة.

هيمنة إسرائيلية

لأكثر من عقد من الزمان باعت NSO Group لخدمات التجسس برنامجها الشهير بيغاسوس لوكالات إنفاذ القانون حول العالم. وكانت الحكومة الإسرائيلية طلبت من الشركة الحصول على تراخيص قبل تصدير برامج التجسس الخاصة بها إلى جهة إنفاذ قانون أو وكالة مخابرات معينة، مما سمح للحكومة باكتساب نفوذ دبلوماسي على الدول المتلهفة لشراء بيغاسوس.

ولكن مع تراكم مجموعة من الأدلة حول إساءة استخدام بيغاسوس، وإضافة الولايات المتحدة الشركة المصنعة إلى قائمتها السوداء، دخلت شركات إسرائيلية جديدة -التي توظف قدامى المحاربين الإسرائيليين السابقين في مجال الاستخبارات الإلكترونية، والذين عمل بعضهم في NSO- لملء الفراغ الذي خلفته القائمة السوداء على ساحة صناعة التجسس العالمية.

ومع هذا الجيل القادم من الشركات، أصبحت التكنولوجيا التي كانت في يوم من الأيام في أيدي عدد صغير من الدول موجودة الآن في كل مكان - مما أدى إلى تغيير مشهد تجسس الحكومات والأنظمة القمعية على مواطنيها ومنافسيها على حداً سواء.

ووفقاً لنيويورك تايمز فإن إحدى هذه الشركات Intellexa الإسرائيلية التي تبيع أداة قرصنة تسمى بريداتور "Predator" ويديرها جنرال إسرائيلي سابق من مكاتب في اليونان، وهي في قلب فضيحة سياسية في أثينا بشأن استخدام برامج التجسس ضد السياسيين والصحفيين. وجرى العثور على أن بريداتور قد جرى استخدامه في عشرات البلدان الأخرى منذ عام 2021، مما يوضح الطلب المستمر بين الحكومات وعدم وجود جهود دولية قوية للحد من استخدام مثل هذه الأدوات.

وبينما يتطلب بريداتور من المستخدم المستهدف النقر على رابط لإصابة هاتفه، يحتوي بيغاسوس -الأكثر تطوراً- على تقنية "النقر الصفري"، مما يعني أنه يستطيع استخراج كل شيء خلسة وعن بعد من الهاتف المحمول المستهدف، دون أن يضطر المستخدم إلى النقر فوق رابط ضار. ومع ذلك فإن أدوات القرصنة التي لا تحتوي على إمكانية النقر الصفري، والتي تعتبر أرخص بكثير، لها أيضاً سوق كبير.

مساعي للسيطرة

في العام الماضي منعت إدارة بايدن الشركات الأمريكية التعامل مع NSO Group الإسرائيلية أشهر صانع لأدوات القرصنة وأبرزها برنامج بيغاسوس ذائع الصيت، وأدرجتها في القائمة السوداء لوزارة التجارة. كما طالبت هيئة حماية البيانات الأوروبية في فبراير/شباط الماضي بحظر البرنامج في الاتحاد الأوروبي.

وفي أكتوبر/تشرين الأول حذر البيت الأبيض من مخاطر برامج التجسس في مخطط استراتيجيته للأمن القومي، والذي قال إن الإدارة ستكافح "الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا، بما في ذلك برامج التجسس التجارية وتكنولوجيا المراقبة، وسنقف ضد الاستبداد الرقمي".

وفي سياق متصل يعمل الكونغرس على مشروع قانون من الحزبين يطالب مدير المخابرات الوطنية بإعداد تقييم لمخاطر مكافحة التجسس على الولايات المتحدة التي تشكلها برامج التجسس التجارية الأجنبية. كما يمنح مشروع القانون مدير المخابرات الوطنية سلطة حظر استخدام برامج التجسس من أي وكالة مخابرات. فيما يعمل البيت الأبيض على أمر تنفيذي مع قيود أخرى على استخدام برامج التجسس.

ودفعت "الدراما اليونانية" الأخيرة المشرعين لمناقشة التشريع الذي من شأنه أن يفرض عقوبة بالسجن لمدة عامين كحد أدنى لبيع أو استخدام أو توزيع برامج التجسس التجارية، فيما نفى رئيس الوزراء المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس أمر المراقبة باستخدام بريداتور وأكد أن الحكومة اليونانية لا تمتلك برنامج التجسس.

TRT عربي