يتخوف كثيرون من تحول وادي السيليكون إلى قاعدة استخباراتية (Others)
تابعنا

بعد أن أصبحت الحروب السيبرانية، وليدة التطور التكنولوجي، إحدى العناصر المؤثرة في السياسات الدولية والاقتصاد العالمي، باتت القوى الدولية تتنافس فيما بينها حول امتلاك التكنولوجيا المتطورة، لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز بنيتها التحتية الأمنية، في الوسط الرقمي للتصدي لأي اختراق محتمل.

ووظفت بذلك العديد من القوى العالمية، كافة إمكانياتها لإحراز خطوة متقدمة على بقية منافسيها في هذا المجال، ورصدت ميزانيات مالية ضخمة. وكان على رأسها، الولايات المتحدة الأمريكية، التي لطالما كانت في مرمى الاستهداف السيبراني، والتي وفق ما أشارت إليه العديد من التقارير الإعلامية، يبدو أنها تخطط لتحويل وادي عمالقة التكنولوجيا "وادي السيليكون"، الذي تتفوق به على بقية دول العالم، إلى قاعدة استخباراتية صناعية.

وعلى ضوء ذلك، يتخوف الكثيرون حول العالم، من أن تضع المخابرات الأمريكية يدها فعلاً على أهم قطب لكبرى شركات التكنولوجيا العالمية، النافذة والمنتشرة في العديد من الدول. كما يتساءل آخرون عما إذا كانت هناك فعلاً علاقات غير معلنة بين السيليكون وبين أجهزة الاستخبارات.

"وادي السيليكون" عملاق تكنولوجي عالمي

اكتسى "وادي السيليكون" أو "السيليكون فالي" وهي المنطقة التي تقع جنوبي مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، أهمية كبرى منذ ستينات القرن الماضي، حين ارتبط اسمه بنجاح شركة ناسا التي تتخذ من المنطقة مقراً رئيسياً لها في الوصول إلى القمر، وكان قد اشتهر من قبل عند اختراع التلغراف الذي استخدمه الجيش الأمريكي لتبادل الرسائل بين القواعد العسكرية، هذا بالإضافة إلى وجود جامعة ستانفورد به، وهي إحدى أكبر وأعرق الجامعات الأمريكية، التي تركز على البحث العلمي ومساعدة الطلاب على تأسيس أعمالهم.

ومنذ ذلك الحين أصبح وادي السيليكون، وجهة للعديد من الشركات التكنولوجية الناشئة، واستقطب عمالقة التكنولوجيا في العالم، كشركة "غوغل" و"آبل" و"فيسبوك" و"آي بي آم" و "اتش بي" وغيرها الكثير من الشركات، التي كانت في البداية مجرد أفكار مشاريع ومقترحات، لاقت الدعم الكافي من المسؤولين على السيليكون، من إحاطة أكاديمية وبحثية وتوجيه، وحظيت فيما بعد بالتمويل، الذي خُصص من العديد من المستثمرين لدعم الأفكار التكنولوجية الرائدة.

وفي هذا السياق لا يزال الاستثمار في وادي السيليكون مقتصراً بشكل مشدد على الأمريكيين فقط، ويحظر أي دعم أو استثمار من خصوم الولايات المتحدة، كما أشارت إلى ذلك العديد من التقارير.

ولا تزال إلى اليوم العديد من الدول تتنافس للتفوق على الولايات المتحدة في هذا الجانب، وامتلاك مركز تكنولوجي يضاهي "السيليكون فالي"، بالرغم من إحرازها بعض التقدم في ذلك، على غرار ألمانيا والصين وغيرها.

وبينما بدأ وادي عمالقة التكنولوجيا يتوسع، ويحقق إنجازات لافتة وطفرة تكنولوجية غير مسبوقة، بدأت فئة جديدة من المستثمرين تفكر في تشكيل مستقبل "السيليكون"، وتوجيه الدعم والاستثمار إلى التكنولوجيات التي تخدم الأمن القومي. وتتمثل هذه الفئة أساسا في مسؤولين سابقين في المخابرات والجيش الأمريكيين.

وادي السيليكون قاعدة استخباراتية؟

كشف تقرير إعلامي أن العديد من الشركات التكنولوجية في وادي السيليكون، على غرار شركات New North Ventures وHarpoon و Scout Ventures وRazor's Edge، يديرها مسؤولون سابقون في المخابرات والجيش الأمريكيين، وتدعم هذه الشركات بدورها بقية الشركات الناشئة التي تعمل في الفضاء السيبراني والمتخصصة في التكنولوجيا المتعلقة بالأمن القومي.

واعتبر التقرير أن هذا التمويل "المخيف" و"الخفي"، على حد تعبيره، يعد إشارة واضحة لتنامي العلاقة بين شركات السيليكون، وأجهزة الاستخبارات والجيش الأمريكي، التي لطالما سعت إلى الاستفادة من هذا القطب التكنولوجي العالمي.

وفي هذا السياق، قال رونالد ماركس، وهو أستاذ زائر في جامعة جورج ميسون وضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية: "ما تراه، وهو يتطور أساساً بمرور الوقت، هو" قاعدة استخبارات صناعية ".

ويضيف ماركس : "كان لديك من قبل قاعدة صناعية عسكرية، والآن لديك قاعدة استخبارات صناعية".

ومن جانبه، أكد هيذر ريتشمان، مؤسس شبكة Defense Investor Network وهي مجموعة مقرها في وادي السيليكون، وتربط كبار المسؤولين من البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأمريكية، بشركات رأس المال الاستثماري والشركات الناشئة في الوادي، على ضرورة التنسيق بين السيليكون و "بيروقراطيات الأمن القومي"، ودعم تطبيقات الأمن القومي، محذراً من التمويل الصيني، المنافس الأول للولايات المتحدة، على حد تعبيره.

وبذلك يكاد يكون التوجه واضحاً، لسعي أجهزة الاستخبارات الأمريكية وضع يدها على عملاق التكنولوجيا العالمية، بما يخدم أجندتها ويعزز قوة بينتها التحتية الأمنية في الفضاء الرقمي، بالرغم من محاولة تأكيد العديد من الشركات النأي بنفسها عن أي علاقة مع السلطات.

ويعد هذا التوجه، منسجماً مع بقية جهود السلطات الأمريكية في مواجهة التهديد السيبراني والتكنولوجي الذي تتعرض إليها من خصومها باستمرار.

ففي يونيو/حزيران الماضي، صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن عقب لقائه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في جينيف بأن "هناك خطر حرب سيبرانية لا يُستهان به"، محذراً أنه أخبر بوتين "في حال وجود انتهاك لقواعد الفضاء السيبراني، فإننا سننتقم وسنردّ بالمثل، وسنصبح في حرب سيبرانية".

TRT عربي