منذ اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، حوّل القادة الأمريكيون الصراع في الشرق الأوسط إلى نزاع سياسي داخلي، وبخاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2024.
ندّد المرشحون الجمهوريون المحتملون بالإدارة الأمريكية الحاليّة، وحمّلوا الرئيس جو بايدن المسؤولية في العملية، قائلين إنّ "ما حدث بسبب ضعفه وتقصيره"، حتى إنّ بعضهم زعم أنّ يد الرئيس "ملطخة بالدماء" لأنّه لم يقدم دعماً أكبر لإسرائيل، في وقت سابق.
ومن جانبه، أعلن بايدن دعمه الكامل لإسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، إضافةً إلى إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز وجود طائرات مقاتلة في المنطقة.
لعبة سياسية يجدها الخبراء السياسيون، منطقية بالنظر إلى تأثير مدى "دعم إسرائيل" في استقطاب المانحين الكبار لحَملات مرشحي الانتخابات الرئاسية والناخبين.
دعم إسرائيل وحظوظ بايدن الانتخابية
يحظى الرئيس الأمريكي بشعبية ضعيفة اقتربت من أدنى مستوياتها منذ توليه منصب الرئاسة. واستغلالاً لهذا الوضع، وجّه المرشحون الجمهوريون المحتملون لانتخابات الرئاسة انتقادات لاذعة له، وخاصةً أنّ ضمن القتلى في "طوفان الأقصى" 30 مواطناً أمريكياً على الأقل.
وقال الرئيس السابق دونالد ترامب إنّ "الفظائع التي نشهدها في إسرائيل لم تكن لتحدث أبداً لو كنت رئيساً"، ووعد بإعادة فرض "حظر السفر على الدول التي تعاني من الإرهاب"، إذا فاز في انتخابات عام 2024.
أما حاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس فقال: "لو كنت في البيت الأبيض، كنت سأستيقظ في الساعة الثانية صباحاً، وكنا نفعل ما يتعين علينا فعله لحماية هذا البلد".
عطفاً على هذه الانتقادات، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويبستر ويليام هال أنّ عملية "طوفان الأقصى" سيكون لها تأثير كبير جداً في فرص الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
ويبيّن هال في حديثه مع TRT عربي، أن مردّ رأيه هذا أنّه تاريخياً "دعمت الولايات المتحدة دائماً إسرائيل، وتعتبر إسرائيل حليفاً قوياً وموثوقاً له قيمة عالية لدى الولايات المتحدة"، بحكم موقعها الاستراتيجي في العالم.
ويضيف أنّه من الناحية السياسية "كان من اليقيني لفترة طويلة في الولايات المتحدة أنّ دعم إسرائيل موقف سياسي أساسي، وغير قابل للتفاوض بالنسبة إلى الساسة الأمريكيين، الذين يسعون إلى النجاح في المناصب الانتخابية".
ويرى هال أنّ "موقف بايدن القوي والحازم، لصالح إسرائيل ودعمها، لن يؤدي إلّا إلى تعزيز مكانته السياسية ومكانته بين غالبية المواطنين الأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، وتعزيز رأسماله السياسي لتحقيق أهدافه الانتخابية".
من جانبها، تجد أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميشيغان إيدى غولدنبرغ، أنّ الهجوم واللوم من الجمهوريين على الرئيس الأمريكي يهدف إلى التأثير في حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وفي حديثها مع TRT عربي، تقول غولدنبرغ إنّ الجمهوريين يلقون باللوم على بايدن في التسبّب في الحرب على غزة عبر محاولته تعزيز العلاقة بين السعودية وإسرائيل، وفي الوقت نفسه، يمنح الديمقراطيون الفضل الكبير له في دعمه المطلق لإسرائيل واهتمامه بالأزمة، وتعاطفه الواضح مع الضحايا.
وتلفت إلى أنّ عجز الجمهوريين عن اختيار رئيس لمجلس النواب حالياً، وما نتج عنه من عدم قدرة الكونغرس على التصويت لصالح مساعدات إضافية لإسرائيل، لا يدعم موقف الجمهوريين تجاه إسرائيل رغم أنّهم يعبّرون عن دعم واسع لها.
وتقول غولدنبرغ إنّه في المقابل، ورغم الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، "لم يتقرب أي من الحزبين من المجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة".
تفضيلات الناخب الأمريكي
لا تمثل قضايا السياسة الخارجية أهمية كبيرة لدى الناخبين الأمريكيين، ومع ذلك يؤيد عدد كبير منهم دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الحرب ضدّ قطاع غزة.
في الوقت نفسه، لا يوافق عدد منهم على تعامل بايدن مع الصراع إضافةً إلى مجموعة من القضايا، ما يشكل مصدر قلق لبايدن في محاولة إعادة انتخابه عام 2024.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا البريطانية بول جيه كويرك، أنّ "سياسة الشرق الأوسط لم تكن أبداً القضية المركزية في أي حملة انتخابية، لكن السياسيّين الأمريكيين يواجهون ضغوطاً انتخابية كبيرة ليستجيبوا لمصالح إسرائيل".
وفي حديثه مع TRT عربي، يقول كويرك إنّه "يُنْظر عموماً إلى إسرائيل باعتبارها حليفاً يتمتع بقيم ثقافية وديمقراطية مماثلة"، وسوف "يُفضّل أغلب الأمريكيين سياسة الدعم السخي لإسرائيل، مع بذل بعض الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين الأبرياء"، مشيراً إلى أنّ "الدعم القوي للفلسطينيين يتطور أساساً في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي".
من جهتها تعتقد غولدنبرغ أنّ الدعم القوي لإسرائيل داخل المجتمع الأمريكي أمر مهم في أوساط الأصوليين المسيحيّين واليهود، لكنّه لا يرضي المسلمين الأمريكيين.
وتقول غولدنبرغ إنّ دعم إسرائيل يؤثر بشكل كبير في اختيارات الناخبين، رغم عدم اكتراثهم عادة للقضايا الخارجية، لافتةً إلى أن مانحين رئيسيّين للطرفين الجمهوري والديمقراطي يؤمنون بالدعم القوي لإسرائيل، مما يؤثر حتماً في تشكّل السباق الانتخابي.
ويتفق هال مع هذا الرأي، مؤكداً أنّ إسرائيل تحظى بدعم قوي من كل من حكومة الولايات المتحدة وغالبية المواطنين الأمريكيين، باعتبارها، وفقهم، "واحدة من الدول القليلة التي لديها حكومات ديمقراطية، وتقع في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية والحاسمة في العالم".
ويلفت هال إلى أنّه نتيجة لذلك "كان الأمريكيون يميلون تاريخياً إلى دعم المرشحين الذين أظهروا دعماً قوياً لإسرائيل، ونفذوا سياسات خارجية واقتصادية وعسكرية تعزّز المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة".
لكن بول بيك، أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو، يرى من جهته أنّ "تغيراً حصل وأنّه من غير المرجح أن تستمر إسرائيل قضية تصويت حتى الانتخابات القادمة".
ويضيف بيك لـTRT عربي، أنّ إسرائيل تهيمن على الأخبار في الوقت الراهن، لكن من غير المرجح أن تستمر كذلك حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، باستثناء الأوساط اليهودية، التي تمثل نسبة ضئيلة من الناخبين، وتتركز في عدد قليل من "الولايات الزرقاء"، أي الولايات الديمقراطية.
دعم الإنجيليين المسيحيين
في الوقت الذي يتراجع فيه الدعم الشعبي الأمريكي لأوكرانيا، وفي ظل تراجع رغبة نواب جمهوريين في تمويل المجهود الحربي في كييف، تختلف وجهات النظر فيما يتعلق بإسرائيل ويرتفع التأييد لدعمها في الحرب الأخيرة.
وتعتقد غولدنبرغ أنّ تزايد الدعم لإسرائيل قد يرجع إلى غياب رؤية واقعية للأحداث الحالية، قائلةً: "ربما تكون لديهم توقعات غير واقعية بانتصار إسرائيلي سريع، وهو ما يجعلهم يؤيدون دعم إسرائيل بشكل متزايد".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بيك مع هذا الطرح القائل إنّ الدعم لإسرائيل مرده أنّ "الإنجيليين في قاعدة الجمهوريين يعتبرون إسرائيل مكاناً خاصاً، لذا فهي استثناء لعزلتهم".
بدوره يلفت أستاذ العلوم السياسية هال إلى دور اللّوبي الإسرائيلي في السياسة والحكومة الأمريكية، قائلاً: "إنّه الأقوى والأغنى والأكثر تنظيماً من بين جميع المجموعات العاملة داخل الولايات المتحدة وداخل الأوساط السياسية"، وبالتالي، "فهو أيضاً من بين الأكثر نجاحاً في تعزيز مصالح مجموعتهم، والضغط الدائم للحصول على الدعم".