تابعنا
تعالت المخاوف لدى سكان المنطقة الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط بعد وقوع الزلزالين المدمرين جنوب تركيا واللذين بلغت شدتهما 7.7 و7.6 درجة قبل 10 أيام، وبات الجميع يسأل عن جيولوجيا المنطقة وطبيعتها التكوينية واحتمالات حدوث زلازل مدمرة فيها مستقبلاً.

تعالت المخاوف لدى سكان المنطقة العربية الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط بعد وقوع الزلزالين المدمرين جنوب شرقي تركيا واللذين بلغت شدتهما 7.7 و7.6 درجة قبل 10 أيام، وبات الجميع يسأل عن جيولوجيا المنطقة وطبيعتها التكوينية واحتمالات حدوث زلازل مدمرة فيها مستقبلاً.

شهدت المنطقة العربية تاريخياً عدداً من الزلازل لطبيعتها الجيولوجية، وموقعها على حفرة الانهدام وفوالق صخرية، حسب تقارير هيئة المسح الجيولوجية الأمريكية.

ومن أبرز تلك الحفر الوادي المتصدع الكبير أو الأخدود الإفريقي الشرقي، الممتد من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وسلاسل جبال غربي البحر الأحمر حتى إثيوبيا والكونغو، ويبلغ طوله أكثر من 6000 كم، تقع أعلى نقطة له قرب مدينة بعلبك اللبنانية، في حين تقع أخفض نقطة على مسافة أكثر من 400 متر تحت سطح البحر عند البحر الميت.

خبراء أكدوا بحديثهم لـTRT عربي أن مخاطر الزلازل بشكلها العام في المنطقة العربية، وإن كانت وطأتها ضعيفة وبالكاد يشعر بها سكان المنطقة، تبقى متحركة غامضة لا يمكن التنبؤ بها، وهو ما يستدعي رفع الحيطة مستقبلاً واتخاذ الإجراءات الاستباقية على اختلاف أشكالها.

طابع زلزالي معتدل

خبير الزلازل ومدير مرصد الزلازل الأردني السابق الدكتور محمد القريوتي قال إن زلزال تركيا وشمال سوريا حدث على فالق الأناضول ولا علاقة له بفالق البحر الميت والمنطقة العربية من الناحية الجيولوجية.

وأضاف القريوتي بحديثه لـTRT عربي أن ما حدث في تركيا جاء نتيجة طبيعية جيولوجية عالية وحركة انزلاقية قوية، بينما فالق البحر الميت الذي يمتد من مركز الانتشار في البحر الأحمر في الطرف الجنوبي لخليج العقبة إلى شمال حوض حولا جنوبي لبنان حتى الحدود التركية ذو طابع زلزالي معتدل ويصنف من متوسط إلى خفيف. هذا لا يمنع بطبيعة الحال تعرضه لهزات نشطة في المستقبل.

وأشار إلى أن بلاد الشام بشكل عام تتأثر بفالق البحر الميت، ومعرضة بدرجة أقل لخطر الزلازل لأنها تمثل حافة تكتونية بين الصفيحة العربية والصفيحة الإفريقية.

وعرج القريوتي على معامل الصفيحة الإفرو-عربية (منطقة التباعد بين الصفيحة العربية والإفريقية) التي نوه بأنها تضم دولاً معرضة لخطر زلازل مصنفة من الدرجة الثالثة، وهو أقل تصنيف بقوة الهزات الأرضية، لأنها بحافة تباعدية، أي أنها منطقة تباعد الصفائح التكتونية، مشيراً إلى أن مقدار الزلزال بهذه المنطقة يكون عادة قليلاً ليس كمناطق تقارب الصفائح التكتونية.

وقال إن جمهورية مصر العربية من الجانب الإفريقي يمر بها الحزام الزلزالي القادم من الصدع في البحر الميت مروراً بخليج العقبة ولبنان وشمال غرب سوريا التي وقع فيها الزلزال، مضيفاً أن مصر قد تتأثر بزلزال منطقة شرق المتوسط إذا ما تسببت بحدوث موجات تسونامي قد تضرب سواحلها الشمالية.

وبيّن أن معدل وقوع الزلازل على فالق البحر الميت يصل من 4 إلى 5 زلازل شهرياً، بدرجات تتراوح بين 2 و3.5 درجة على مقياس ريختر، غير أن أغلبها غير مؤثر وقد لا يشعر به سكان المنطقة.

وختم القريوتي بالإشارة إلى أنه لا يوجد شخص قادر على معرفة موعد الزلزال، مؤكداً أنه لا توجد مؤشرات على أي نشاط زلزالي بمنطقة حفرة الانهدام بعد الهزات الارتدادية التي وقعت في تركيا وشمالي سوريا.

البناء التقليدي سيبدأ التلاشي

رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية المهندس عبد الله غوشة أكد أهمية تطوير منظومة الإنشاءات في العالم بعد زلزال تركيا المدمر، وقال لـTRT عربي إن نظام البناء التقليدي سيبدأ التلاشي مع تطوير منظومة الإنشاءات المقاومة للزلازل، وفقاً لكود البناء الدولي ICC، لافتاً إلى أن التقنيات الحديثة المقاومة للزلازل حالياً باهظة الثمن لكنها ستصبح بمتناول الجميع.

وأضاف أن تقنيات عزل البناء من خطر الزلازل التي تستخدم في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان ستصبح ممكنة التطبيق في دول المنطقة بعد أن تقل كلفتها، موضحاً أن هذه التقنيات استخدمت في منطقة الشرق الأوسط لبناء ناطحات السحاب فقط.

وبيّن أن لهذه التقنيات عدة خصائص رئيسية أهمها المرونة في البناء بالاعتماد على أن يكون التصميم محكماً على نحو يمكن مواجهة الهزات الزلزالية الكبير منها أو البسيط دون أن تلحق بالبناء أي أذى.

وأشار غوشة إلى أنه لا بد من توافر خاصية المتانة، التي تتمثل في تعديل وتصحيح مقاومة وصلابة العناصر الإنشائية لتحسين أداء المبنى ضد أي زلازل مفترضة، من خلال إضافة عناصر إنشائية أكثر لزيادة مقاومة المبنى للقوى الجانبية بشكل جيد، بخاصة "حديد التسليح" الذي يعتبر المادة الأقوى في البناء، والقضبان فولاذية عالية المقاومة بأقطار ما بين 6 مليمترات و40 مليمتراً وأكثر.

وشدد غوشة على أن المتانة والمرونة لا يكفيان لإقامة بناء قادر على امتصاص الطاقة الزلزالية وتخفيف قوة الاهتزازات، موضحاً أن اللمسات الفنية الجمالية والإبداعية في هندسة البناء لها دور بالتدعيم، من خلال جعل المبنى منتظماً ومتناسقاً، وأن تكون الطوابق كلها بالارتفاع نفسه، والأعمدة على شكل شبكة تفصلها مسافات متساوية بأبعاد كاملة، لتمكين المبنى من الصمود أمام أي زلزال.

وأوضح أنه قبل إقامة المباني المقاومة للزلازل توجد قواعد تنظيمية وتقنيات تجب مراعاتها، أبرزها استخدام تقنيات الأساسات المعزولة، واستخدام الجسور المركزية، واتباع قواعد الهدم المحسوب عند وقوع زلزال، وتعزيز أساسات البناء بالمواد الإنشائية (الخلطات الخرسانية وحديد التسليح)، وإنشاء قنوات مركزية لتصريف المياه، إلى جانب البناء بمواد لينة قادرة على امتصاص كميات كبيرة من الطاقة.

وختم غوشة بأن زلزال تركيا سيكون اللحظة الفارقة التي ستنقل تكنولوجيا وتقنيات البناء مستقبلاً من حيث اختيار المواد وجودتها، والآليات المستخدمة وطرق التصميم وكودات البناء.

زلزال تركيا أحدث " يقظة " في دول المنطقة

​الخبير الدولي في الإنقاذ والسلامة العامة المهندس زيادة الشطناوي قال إن زلزال تركيا أحدث "يقظة" بدول المنطقة حول أهمية توسيع دائرة التوعية والتدريب المُسبق على أساليب السلامة العامة خلال وقوع الكوارث، والتزام اشتراطات السلامة العامة المسبقة بتشييد المباني.

وبين الشطناوي لـTRT عربي أنه بات من الضروري تحديث برامج التوعية والتدريبات على مستوى وطني، من خلال برامج خاصة تركز على سلوك الأفراد والمؤسسات خلال وقوع أي كارثة.

ونوه بأن تدريب الأفراد على طرق الإخلاء بالمنازل والمباني الكبيرة مثل المصانع والشركات يسهم بدرجة 80% بتخفيف حجم الخسائر ويقلل منها. وشدد الشطناوي على وجود تدريبات وتمارين توعوية قبل وخلال وبعد وقوع زلزال لا بد للأفراد منها لتلافي قدر كبير من الخسائر البشرية.

ولفت إلى أن على الأفراد قبل وقوع أي زلزال التأكد من سلامة توصيل الكهرباء وتوصيلات الغاز، ووضع الأجسام المتحركة بالمنزل في الرفوف السفلية، والاحتفاظ بأرقام الهواتف المخصصة للطوارئ، وتجنب البناء على الأماكن التي تكون عرضة للانزلاقات الأرضية أو لتساقط الصخور.

وقال الشطناوي إنه خلال وقوع الزلزال يجب عدم الهلع والخوف والذعر، وإغلاق مصادر الطاقة (الكهرباء والغاز)، والاستعداد للانتقال إلى مكان مفتوح بعيد عن المباني يكون أكثر أمناً، وتجنب استخدام المصاعد.

وبعد وقوع الزلزال شدد على وجوب عدم إعاقة عملية إخلاء المصابين وتركها للجهات المعنية، والابتعاد عن المباني المتأثرة والتجمعات السكنية والوجود بالأماكن المفتوحة، والحذر من هزات ارتدادية لاحقة.

وحول شروط الأمن والسلامة خلال البناء قال الشطناوي إنه يجب اعتماد أكواد البناء العالمية، من خلال تطبيق شروط (معامل البناء الزلزالي) أو ما يعرف باسم (Building Code)، موضحاً أنه إذا صممت أغلب المباني بمواصفات متوافقة مع هذا المعامل فتكون آمنة من الهزات الأرضية، وإن حدثت أضرار فستكون بسيطة لا تؤدي إلى وفيات أو إصابات كبيرة، وذلك ينطبق على كل أنواع الأبنية أياً كانت كبيرة أو صغيرة.

واتفق الخبراء على أن ما وقع في تركيا وشمالي سوريا هو علامة مهمة لا بد من الانتباه إليها في المنطقة العربية، موضحين أن التغاضي عنها قد يجعل قرابة خمس العرب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرضين لمخاطر تنامي احتمالية حدوث زلازل مدمرة في المستقبل.

TRT عربي