تابعنا
لم يكن سهلاً على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ولا على مناصريه، مغادرة البيت الأبيض والقبول بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنت جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة، الأمر الذي أوصل الأمور في نهاية المطاف إلى اقتحام الكابيتول.

عبر تصريحاته الإعلامية وتغريداته المتتالية، حاول الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية، وتحريض أنصاره على دعمه ومساندته في مواجهة ما اعتبره مؤامرة ومخططاً يقوده منافسوه ومعارضوه للإطاحة به.

فتوافدت في الحين مجموعات كبيرة من المتمردين نحو مبنى الكونغرس لاقتحامه وتعطيل عملية فرز الأصوات وتصديق المشرعين على فوز جو بايدن بالحكم، فأسفر الهجوم حينها عن مقتل 5 أشخاص، من بينهم أحد أفراد شرطة الكابيتول.

كانت مشاهد الاقتحام صادمة للرأي العامّ في الولايات المتحدة وحول العالم، الذي طالما صدّرت صورته الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، كأحد رموز الديمقراطية والحرية في العالم.

ولم يكن ذلك مفاجئاً لبن رودس مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق باراك أوباما الذي قال تعليقاً على الحادثة: "هذه الصور ستغيّر بشكل دائم تصوُّر العالم للولايات المتحدة. مع الأسف جاء هذا الانتقاص للديمقراطية في وقت تتقدم فيه الشعبوية القومية في أنحاء العالم كافة".

الكابيتول واقتحام "حصن الديمقراطية"

بعد الهجوم الذي تَعرَّض له مبنى الكابتول في 6 يناير/كانون الثاني، كثفت القوات الأمنية والاستخباراتية جهودها في التحقيقات، للوصول إلى المتهمين في الاقتحام والمحرضين عليه، ومحاكمتهم، وضرورة العمل على تفكيك ومقاومة ظاهرة التطرف.

وفي سياق متصل طالب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في فبراير/شباط الماضي جميع وحدات الجيش الأمريكي بمناقشة خطر التطرف وإجراء مراجعة في غضون 60 يوماً.

واعتبر أوستن ذلك جهداً متضافراً لتثقيف المسؤولين والشعب الأمريكي حول نطاق مشكلة التطرف، ودعا إلى تطوير طرق مستدامة للقضاء على الآثار المدمرة للآيديولوجيات والسلوك المتطرف.

عقب ذلك، وضمن المساعي المبذولة لإنجاح مسار التحقيق، أعلنت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، في يونيو/حزيران الماضي، موافقة البرلمان بتصويت الأغلبية على تشكيل لجنة خاصة حول الهجوم، رغم تحفظ بعض الجمهوريين آنذاك على القرار، باعتباره مجهوداً إضافياً وغير لازم بوجود التحقيقات الأمنية والبرلمانية الكافية.

وتتألف اللجنة من مجموعة من النواب الذين يُعرَفون بأقلّ انحياز لأي طرف. ووتمتع بصلاحية استدعاء الشهود وتوليف التحقيقات البرلمانية، و الحصول على أي وثائق خاصة بالتحقيق.

ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي، تضافرت جهود مختلف المؤسسات الأمريكية لإدانة المتهمين والكشف عن شبكات المتورطين في ذلك.

حتى إنه بحلول ذكرى مرور 6 أشهر على الحادثة قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان رسمي إنه “حتى خلال حرب الانفصال لم يقتحم يوماً متمردون مبنى الكابيتول حصن نظامنا الديموقراطي، لكن قبل ستة أشهر فعلوا ذلك”.

ودعا بايدن الكونغرس إلى مواصلة التحقيقات، مشيراً إلى ضرورة تعاون الجميع والأطياف كافة في تذليل الصعوبات الممكنة أمام القوات الأمنية والقضائية، للكشف عن الملابسات كافة، لحادثة الاقتحام التي تشكّل أزمة وجودية للديمقراطية في الولايات المتحدة، على حد تعبيره.

اختراق مجموعات من المتطرفين

استناداً إلى مقاطع الفيديو المصورة وبعض المشاهد التي أذيعت لحادثة الاقتحام، وجّهت وزارة العدل الأمريكية التهم إلى نحو 300 شخص بالتحريض على التآمر وعصيان القوانين الأمريكية وعرقلة تنفيذ حكم فيدرالي.

ورُصد عديد من المكافآت لمساعدة قوات الأمن على الوصول إلى المتمردين أو تقديم أدلة تساعد على إلقاء القبض عليهم.

وبعد أشهر قليلة، ورد في مذكرة استخباراتية أنه بعد اقتحام مبنى الكابيتول تشجعت المجموعات اليمينية المتطرفة على التدبير لهجوم آخر على المبنى في مارس/آذار من السنة نفسها، وأعلمت في السياق ذاته جيل سانبورن رئيسة مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، الكونغرس بأنه من المتوقع أن يشكّل المتطرفون بدوافع عنصرية أو عرقية، والمتطرفون المناهضون للحكومة والسلطة، أكبر تهديدات الإرهاب المحلي في عام 2021، ومرجَّح أن يستمرّ التهديد حتى عام 2022.

واستندت المعلومات الاستخباراتية إلى الخطة التي طوّرَتها الشرطة الفيدرالية لاختراق الجماعات المتطرفة، للتمكن من الاطّلاع على مخططاتهم وتفكيك شبكاتهم.

ومن المثير للانتباه أن بعض هؤلاء الأفراد تَخفَّوا غالباً خلف ستار مجموعات دراسة الكتاب المقدس، وذلك في ولاية فرجينيا الأمريكية، حسبما صرحت وكالة الاستخبارات الأمريكية.

و في السياق ذاته كشف مخبر سري زرعته الشرطة الفيدرالية وسط هذه المجموعات، عن عزمهم على اختبار الأسلحة وزجاجات المولوتوف التي صنعوها منزليّاً، حتى إنه خلال القبض على أحد المتهَمين الذي كان على تواصل مع عنصر الشرطة السري، حِيزَت بندقية من طراز AK-47، وكمية موادّ كافية لصنع نحو 50 زجاجة مولوتوف.

وتوضح معلومات التحقيق للشرطة الفيدرالية الواردة في سجلات المحكمة، أنه عُقدت اجتماعات ولقاءات دورية بين أعضاء المجموعات والشبكات اليمينية المتطرفة، ومن بينهم عناصر "عباءة وخنجر" القومية المتطرفة، وأعضاء من فرقة "ثلاثة في المئة"، وهي فرقة يمينية تشكلت سنة 2008 تدّعي أن نحو 3% فقط من المستعمرين قاتلوا في الثورة الأمريكية. وأعضاء "الشباب الفخوروون" (Proud Boys)، ومناصرو فكرة "كيو-أنون" (QAnon) الذين يزعمون أن الرئيس ترمب يشنّ حرباً سرية ضد النخبة الذين يعبدون الشيطان ويمارسون الجنس مع الأطفال في الحكومة والشركات ووسائل الإعلام. وغيرها من الجماعات اليمينية المتشددة.

وتواصل الشرطة الفيدرالية إلى اليوم التحقيق وجمع مزيد من المعلومات للكشف عن جميع الأطراف المشاركين والمحرضين على اقتحام الكابتول والتخطيط للانفصال، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسط مخاوف من تنامي ظاهر العنف في صفوف اليميينين، الذي يقوّض دعائم الديمقراطية في الولايات المتحدة.

TRT عربي