تابعنا
سلط الهجوم الإسرائيلي الذي وقع في منطقة مكتظة بالنازحين في رفح الأحد الماضي وخلَّف ما يقرب من 45 شهيداً وعشرات الإصابات، الضوء مجدداً على نوعية ومصدر الذخائر التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مثل هذه الهجمات.

واعتماداً على مخلفات القذائف التي أصابت المكان، كشفت وسائل إعلام أن هذه الذخائر من نوع GBU-39 الأمريكية، التي حصل عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي من الولايات المتحدة على فترات متباينة.

ووفقاً للباحث في الشؤون العسكرية والأمنية عماد ناصر، فإن الاعتماد الإسرائيلي على الذخائر الأمريكية كبير جداً، أو بالأدقّ على أنظمة توجيه القنابل التي يطلق عليها JDAM، فجيش الاحتلال الإسرائيلي استورد منذ عام 2010 ما يقرب من 15 ألف قنبلة من هذا الطراز، ونحو 8 آلاف قنبلة من طراز GBU-39، بحسب معهد استكهولم لأبحاث السلام.

ويضيف الباحث في حديث سابق مع TRT عربي أن هذا النوع من الذخائر يتيح لها ضرب الأهداف بشكل مركَّز وبلا إهدار للموارد والذخائر في الهجمات واسعة النطاق.

وفي حديث له مع صحيفة واشنطن بوست قال خبير التهديف العسكري الأمريكي ويس ج.براينت: "القنابل ذات القطر الصغير مناسبة لتقليل الأضرار الجانبية عندما لا تسقطها قرب الخيام التي تؤوي عائلات".

وأضاف براينت: "كان هناك مخيم للمدنيين ولا بد من حماية المدنيين داخله"، مشيراً إلى أن الجيش الأمريكي كان سيطلب موافقة القيادة العليا لتنفيذ مثل هذه الضربات.

ويؤكّد الخبير العسكري أن "تحليل الأضرار الجانبية لدينا كان من المحتمَل أن يضع المدنيين ضمن نطاق تأثير الضربة، لذا على الأرجح لم نكُن لننفذ ضربة في ذلك الموقع".

وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيل هاغاري الثلاثاء، تعقيباً على الحادثة، إن "الضربة نُفذت باستخدام ذخيرة برؤوس حربية صغيرة مناسبة، نحن نتحدث عن ذخائر تحتوي على 17 كيلوجراماً من المواد المتفجرة، وهي أصغر ذخيرة يمكن أن تستخدمها طائراتنا".

وردّاً على ذلك قال ريتشارد وير، باحث أول في قسم الأزمات والصراعات والأسلحة في منظمة هيومن رايتس، ووتش لشبكة CBS الأمريكية، إن إسرائيل تمتلك "كثيراً من الذخائر الأخرى، التي استخدمتها في الماضي، في القتال في غزة وأماكن أخرى، لذا فلديها خيارات أخرى".

ليس الأول من نوعه

وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن واردات إسرائيل من الأسلحة الأمريكية تمثل 69% من إجمالي وارداتها من الأسلحة بين عامي 2019 و2023.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وافقت الولايات المتحدة على أكثر من 100 صفقة أسلحة لإسرائيل، لم يُعلن إلا عن اثنتين منها، فيما تَواصَل مسؤولون من الإدارة الأمريكية مع الكونغرس بشأن نقل أسلحة إلى إسرائيل أكثر من 200 مرة.

ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فقد وُثّقت "أربع ضربات إسرائيلية، ثلاث منها في ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد انتهاء فترة التوقف الإنساني، وواحدة في يناير/كانون الثاني 2024، وأسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 95 مدنياً، بينهم 42 طفلاً".

وأضافت المنظمة أن حادثة يناير/كانون الثاني "تضمنت أدلة على استخدام قنبلة صغيرة القطر GBU-39، وهي سلاح موجه بدقة ذو رأس حربي أصغر مصنوع في الولايات المتحدة لدى بوينغ".

وأكدت المنظمة أنه "في الهجمات الأربع، لا شيء يشير إلى أن المباني السكنية التي ضُربَت يمكن اعتبارها أهدافاً عسكرية مشروعة أو أن الأشخاص في المباني كانوا أهدافاً عسكرية، مما يثير مخاوف من أن هذه الضربات كانت هجمات مباشرة على المدنيين والأعيان المدنية ويجب التحقيق فيها كجرائم حرب".

وامتدت انتهاكات إسرائيل لحقوق الانسان بالأسلحة الأمريكية إلى جنوب لبنان بعد أن استخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الفسفور الأبيض في قصفها لبلدة الظاهرة يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أدى إلى خسائر في المدنيين وممتلكات المواطنين.

قوانين الولايات المتحدة

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من القوانين واللوائح التي تضبط عملية بيع الأسلحة الأمريكية للدول والجهات الأجنبية، وتحظر جميع اللوائح والقوانين بيع الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية للدول والجهات التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني.

ومن أهم هذه القوانين قانون مراقبة تصدير الأسلحة (AECA)، وبموجب هذا القانون ترفض وزارة الخارجية الأمريكية من خلال إدارة الرقابة على التجارة الدفاعية "DDTC" تراخيص تصدير الأسلحة، وتمنعها إذا رأت ذلك، كما يقيد قانون المساعدات الخارجية "FAA" تقديم مساعدات أمريكية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي، ويملك الرئيس سلطة تقدير الدول التي تنطبق عليها هذه الشروط.

وفي 15 مارس/آذار الماضي قدمت الحكومة الإسرائيلية لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية ضمانات بأنها لن تستخدم الأسلحة الأمريكية في أي عمل ينتهك القانون الدولي الإنساني.

في المقابل تقدمت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"أوكسفام" بمذكرة مشتركة إلى الحكومة الأمريكية قالت فيها إن "تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل ضروري ما دام يوجد خطر طاغٍ يتمثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدوليَّين والقوانين والسياسات الأمريكية".

لماذا لا تحاسَب إسرائيل؟

شكلت قضية فرض رقابة وتقيد على الأسلحة الأمريكية الموردة إلى إسرائيل أهمّ مطالب عدد من نواب الكونغرس الأمريكي والمؤسسات الحقوقية الدولية والأمريكية.

وفي أكثر من مناسبة دعا وقدم السيناتور بيرني ساندرز مشاريع قوانين لضبط عملية بيع الأسلحة لإسرائيل، كان آخرها في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما رفض الكونغرس مشروع قرار يطلب من الخارجية الأمريكية إعداد تقرير حول مدى التزام إسرائيل القانون الدولي الإنساني خلال استخدامها الأسلحة الأمريكية.

وقالت أماندا كلاسينغ، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، إن "الأدلة واضحة وجارفة على استخدام الحكومة الإسرائيلية أسلحة مصنوعة في الولايات المتحدة في انتهاك للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وبطريقة تتعارض مع القانون والسياسة الأمريكية".

وأضافت كلاسينغ: "من أجل الامتثال للقوانين والسياسات الأمريكية، على الولايات المتحدة تعليق أي نقل للأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية فوراً".

وعام 2016 دعا عضو الكونغرس الأمريكي باتريك ليهي، صاحب تشريع ليهي الذي يمنع الحكومة الأمريكية من بيع الأسلحة والتقنيات العسكرية للحكومات التي لا تحترم القوانين الدولية، وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت جون كيري إلى تطبيق قانون ليهي على إسرائيل.

وتلعب الإدارة الأمريكية، تحديداً وزارة الخارجية، دوراً مركزيّاً في تقدير ما إذا كانت الجهة أو الدولة التي ترسل إليها الأسلحة أو تستفيد من المساعدات الأمريكية، تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

ولا تزال وزارة الخارجية أو الإدارة الأمريكية بعيداً عن أي تقييم من هذا القبيل، وفي العاشر من مايو/أيار الحالي قدمت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً للكونغرس قالت فيه إن من المعقول أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي في هجماتها على المدنيين، لكنها أكدت أنها لم تجد أمثلة تبرر وقف المساعدات العسكرية لها.

وأضاف التقرير أن تقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "ألحق أضراراً بالمدنيين في العمليات العسكرية أو الأمنية، باستخدام معدات مقدمة من الولايات المتحدة"، لكنه أكد أن مجتمع الاستخبارات الأمريكي ليس لديه مؤشر مباشر على أن إسرائيل تستهدف المدنيين عمداً.

وفي 21 مايو/أيار أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إسرائيل لا ترتكب إبادة خلال حملتها العسكرية على قطاع غزة، مجدداً رفض إدارته هذا الوصف.

ومع تجاوز عدد الشهداء حاجز 36 ألف شهيد، مع دمار هائل في البنية التحتية والمنشآت المدنية، لا يظهر أن الإدارة الأمريكية تتجه نحو أي مراجعة لإمداداتها من الأسلحة والمعدات العسكرية الموجهة نحو إسرائيل، ما يطرح تساؤلاً حول المسؤولية القانونية عن الجرائم التي تُرتكب في القطاع.

TRT عربي
الأكثر تداولاً