الرئيس  رجب طيب أردوغان أثناء زيارته للبوسنة  (AA)
تابعنا

مع نهاية الأسبوع المنصرم أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة في البلقان شملت دول البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا، في ظلّ توترات تشهدها منطقة جنوب شرق أوروبا، فيما تحاول تركيا الحفاظ على السلام الذي بالكاد نشأ بعد صراعات دموية لا يزال التاريخ القريب يذكرها.

اتّسمت الزيارة بالطابع التجاري لما شهدته من اتفاقيات تعاون في هذا الإطار، إلى جانب الوفد رفيع المستوى المرافق للرئيس أردوغان من رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك، ومع ذلك فإن الجولة في هذه المنطقة المهمة لتركيا تحمل رسالة حول أهمية الدور التركي وسيطاً لإرساء السلام والأمن بين الأعراق التي تتحكم في مصير البلقان بعد خصومة الأمس.

وإذا كانت تركيا على الصعيد الدولي العامّ تؤكّد ضرورة تحقيق الأمن والسلام في مناطق التوتر والصراعات، فإنها تولي منطقة البلقان الحساسة أهمية أكبر، نظراً إلى روابط التاريخ والدم والدين من جهة، وإلى كون البلقان بوابة عبور مهمة من الأناضول إلى أوروبا من جهة أخرى.

مع ذلك فمن الملاحظ أن تركيا تتعامل مع دول هذه المنطقة على اعتبارات معينة مشتركة ومنفتحة على الجميع، فعلاقاتها مع صربيا مثلاً قوية وجيدة للغاية بشكل "لافت للنظر" حسب تعبير الباحث والخبير الأمني التركي عبد الله آغار، الذي لفت في حديث مع TRT عربي إلى أن أطروحة أردوغان بشأن دول البلقان تقوم على ضرورة حل المشكلات الخلافية داخلياً، وعدم السماح لأحد باستثمار هذه الخلافات.

لا تريد تركيا أن تنتقل عدوى الحرب في أوكرانيا إلى منطقة البلقان، فيوجد مستفيدون من تلك الصراعات بالتأكيد، وبالتالي لن يسمحوا للحرب بأن تنتهي سريعاً، خصوصاً في ظلّ تنوعها وتداخلها العرقي والإثنيّ.

لذلك نجد تركيا اتخذت موقفاً متوازناً من الغزو الروسي وحافظت على علاقاتها مع طرفَي الصراع، ليس في سبيل تحقيق عوائد ذاتية من ذلك، بل لأجل أن تكون مؤهلة للعب دور وسيط يمكن أن تجتمع الأطراف المتخاصمة عليه، ولولا هذا الموقف لما تمّت في الغالب اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية، ولما كان لأنقرة متسَع لدعوة زعيمَي البلدين للاجتماع في تركيا من أجل إيجاد حلّ للنزاع.

ويمكن النظر إلى الجهود التركية في هذا الصدد مضاعفة حينما نتحدث عن منطقة البلقان، التي تعني لتركيا الماضي والمستقبل، والأمن والاقتصاد، فضلاً عن أواصر القرب وتشابك القواسم المشتركة.

يلفت الباحث والخبير الأمني آغار إلى أن الحرب العالمية الأولى اشتعلت شرارتها الأولى من البلقان، في إشارة إلى أهمية وحساسية هذه المنطقة، فضلاً عن الصراعات التي نشأت في ما بعد، والتوترات القائمة اليوم، ويشير في هذا الصدد إلى أن تركيا تلعب دوراً فعّالاً وإيجابياً في سبيل تخفيف التوتر.

يضيف: "كما تعلمون، بين صربيا وكوسوفو توتر واضح، وفي مقدونيا كذلك مؤشرات مماثلة، فضلاً عن حساسية الأعراق في البوسنة والهرسك، لذلك أعتقد أن الموقف التركي في محله ومهمّ للغاية لتبديد القلق حيال نشوب أي صراع محتمَل".

حسب آغار، فإن تركيا تكاد تكون منفردة بهذا الموقف المنفتح على جميع دول منطقة البلقان، وتلعب دور الوسيط في الوقت الذي تتمتع فيه أنقرة بعلاقات جيدة مع كل الأطراف، مؤكداً أنها "ادّت دورها المطلوب في تهدئة الوضع في ظل حالتَي الاستقطاب والاستعداء اللتين أفرزتهما الصراعات السابقة".

في الوقت ذاته يرى آغار أن منطقة البلقان لا تكاد تشبه منطقة أخرى، فهي "معقَّدة وهشّة ومضطربة وقابلة لنشر وتوسيع دائرة الصراع في حال وقع، وذلك لوفرة التدخلات الخارجية وما يتبعها من تأثير واضح في دول البلقان من جهة، والتعقيدات المذهبية والدينية والعرقية من جهة أخرى".

تركيا تحظى باحترام الأعراق الثلاثة

الكاتب التركي أيهان دمير، المتخصص في شؤون البلقان صاحب العديد من المؤلفات حول الموضوع، يؤكّد أن تركيا تحظى باحترام العناصر العرقية الثلاثة المهمة في تلك المنطقة، وهي البوسنيون والألبان والصرب.

وحول زيارة أردوغان الأخيرة إلى هناك، قال دمير في حديث مع TRT عربي: "زيارات المسؤولين الأتراك لا سيما الرئيس أردوغان، يُنظر إليها كخطوة مساعدة على تخفيف التوتر في المنطقة، وهو ما يقوله زعماء المنطقة أنفسهم"، مستشهداً بما صرّح به العضو الصربي في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك: "لقد ناقشنا عديداً من القضايا مع أعضاء المجلس الرئاسي البوشناق والكروات حتى الآن (...)، لدينا آراء مختلفة، لكننا متفقون على الرئيس أردوغان".

ويرى دمير أن من اللازم مواصلة تركيا جهودها "المهدّئة" ولقاءاتها مع جميع الأطراف، "فلا غنى عن هذا الدور من أجل تحقيق السلام والهدوء والاستقرار في المنطقة".

في مقارنة مع الموقف الغربي -حسب دمير- كانت أنقرة على الدوام "سبّاقة للبحث عن حلّ في أي صراع، لا التصعيد والتحريض كما يجري في أوكرانيا على سبيل المثال، ولا تزال تركيا حتى الآن تسعى لجمع موسكو وكييف إلى طاولة واحدة، والغرب يعلم أن الطاولة التي تجلس إليها تركيا سيتمخض عنها السلام، لكنهم لا يريدون ذلك، والأمر ذاته ينطبق على البلقان باطّراد".

وعلى غرار ما قاله الخبير الأمني آغار، يؤكد دمير أن تركيا "الدولة الوحيدة التي تتمتّع بعلاقات رفيعة المستوى مع جميع دول المنطقة تقريباً، من بلغاريا إلى ألبانيا، ومن كوسوفو إلى صربيا، ومن مقدونيا إلى البوسنة والهرسك، وهذا في حد ذاته كافٍ للدلالة على أهمية الدور التركي وقبول تلك الدول له".



TRT عربي
الأكثر تداولاً