تابعنا
أنهت كتيبةٌ من القوات الخاصة التركية انتقالها إلى كوسوفو في 7 يونيو/حزيران الجاري، حيث وصل إلى العاصمة بريشتينا كامل كتيبة الكوماندوز التابعة لقيادة لواء المشاة الميكانيكي رقم 65.

أنهت كتيبةٌ من القوات الخاصة التركية انتقالها إلى كوسوفو في 7 يونيو/حزيران الجاري، حيث وصل إلى العاصمة بريشتينا كامل كتيبة الكوماندوز التابعة لقيادة لواء المشاة الميكانيكي رقم 65.

ولجأ حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى القوات التركية، بعد التصعيد الذي شهدته بلدية زفيتشان شماليّ البلاد أواخر شهر مايو/أيار الماضي، بين محتجين من الأقليّة الصربية وقوات شرطة كوسوفو، والذي تطوّر إلى اشتباكات بين المحتجين وقوات حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي؛ ما أدى إلى إصابة العشرات بجروح، على خلفية رفض الصربيين نتائج الانتخابات المحلية التي لم تلقَ إقبالاً واسعاً.

ويرى الباحث في "مركز سيتا"، عمر أوغور إكينجي، في حديثه مع TRT عربي، أنّ حلف الناتو قلقٌ من تصاعد التوتر في كوسوفو، لذا لجأ إلى تركيا وطلب منها إرسال قوات إلى هناك؛ لاحتواء التوتر بعد الصِّدام الذي حصل بين الصرب وقوات "ناتو".

أسباب التصعيد وخلفياته

في 26 مايو/أيار الماضي، اندلعت مواجهات بين شرطة كوسوفو ومواطنين من أصول صربيّة حاولوا منع رئيس بلدية زفيتشان، إلير بيتشي -من أصول ألبانية، والمُنتخب حديثاً- من الوصول إلى مبنى البلدية، احتجاجاً على الانتخابات المحليّة التي قاطعتها الأقلية الصربية في كوسوفو، ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 4%.

وشهدت الأحداث تطورات بشكل متسارع، فأمر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، بوضع جيش البلاد في حالة تأهبٍ قصوى، وأمر وحداته بالاقتراب من حدود كوسوفو، بالتوازي مع انتقال المواجهات من الأقلية الصربية وشرطة كوسوفو إلى اشتباكات مع قوات حلف الناتو المسؤولة عن حفظ السلام، مما أدى إلى جرح العشرات من عناصر قوات الحلف.

في غضون ذلك، وجّهت كوسوفو اتهاماً إلى صربيا بأنها تدفع عسكريين صربيين بزيٍّ مدني إلى التسلل إلى المناطق الشمالية من البلاد.

ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، وبدأت بممارسة ضغوط على كوسوفو لنزع فتيل الأزمة، واتهمتها بمحاولة تنصيب رؤساء بلديات شمال البلاد "بوسائل قسرية"، واتخذت إجراءات عقابية تمثلت في حرمان كوسوفو من المشاركة في التدريبات العسكرية في منطقة أوروبا التي تقودها واشنطن.

كما أكدّ السفير الأمريكي في كوسوفو، جيفري هوفينير، أنّ بلاده "غير متحمسة" لمساعدة كوسوفو في جهودها لكسب اعتراف دولي أوسع أو التقدم نحو عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

وتراجعت كوسوفو خطوة إلى الخلف؛ إذ أعلنت رئيستها فيوسا عثماني، في 7 يونيو/حزيران، استعدادهم لإجراء انتخابات جديدة في البلديات ذات الغالبية الصربية التي شهدت احتجاجاً على نتائج الانتخابات المحلية، بشرط أن يوقّع 20% من الناخبين على التماس يطالبون فيه بإعادة عملية الانتخابات.

تركيا.. دور دبلوماسي

وتمتلك تركيا علاقات اقتصادية متينة مع صربيا، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين ملياري دولار أمريكي خلال عام 2021، مع رغبة واضحة من الطرفين لتطويرها إلى مستويات أعلى.

وفي المقابل ترتبط كوسوفو مع تركيا بعلاقات سياسية وإنسانية عميقة، ظهرت بشكل واضح من خلال استقبال تركيا اللاجئين القادمين من كوسوفو في تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى تقديم أنقرة مساعدات لكوسوفو مكَّنتها من مواجهة تداعيات جائحة «كورونا» عامي 2020 و2021.

وضعت هذه العلاقات -مع كوسوفو وصربيا- تركيا في موقع يسمح لها بالقيام بدور دبلوماسي لمنع انزلاق الأوضاع باتجاه مزيد من التصعيد بين البلدين.

ويتفق مع هذا الرأي الباحث في العلاقات الدولية محمد أوغور إكينجي، الذي يشير إلى "الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تربط تركيا مع دول منطقة البلقان عموماً، وتتيح لها لعب دور مهم في حفظ السلام ومنع تدهور الأوضاع".

بدوره يؤكد الباحث في العلاقات الدولية محمد رقيب أوغلو، أنّ "الأمن والاستقرار في منطقة البلقان هو من أهم أولويات تركيا"، ويضيف أن تركيا قد "حصلت على ثقة بعد وساطاتها الناجحة في الملف الأوكراني، وحلف شمال الأطلسي يثق بقدرتها في مجال العلاقات الدولية، خصوصاً أنّها تتمتع بعلاقات جيدة مع طرفي الأزمة حالياً".

وعبر سفير الولايات المتحدة الأمريكية في كوسوفو جيف هوفينير، عن اعتقاده بقدرة تركيا على أن تكون شريكاً لكوسوفو يعاملها بكرامة، لأنّ الأخيرة باتت تتطلع إلى ذلك.

وأكد هوفينير أنّه في حال استمرار المسار الحالي للسياسة الغربية من دون تغيير، ونشطت الدبلوماسية التركية أكثر داخل البلقان، فإنّ جهود استكشاف البدائل من طرف كوسوفو سيزداد.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في العلاقات الدولية جلال سلمي إنّ تركيا "تمتلك علاقات جيدة مع كوسوفو، وهي مقبولة أيضاً من صربيا، كما أنّها قوة إقليمية لديها قدرات عسكرية ودبلوماسية مقنعة لطرفَي الأزمة".

ويرى في حديثه مع TRT عربي، أنّ "أنقرة قادرة على الحيلولة دون الاشتباك العسكري بين كوسوفو وصربيا، والطرفان يقبلان بدورها الإقليمي".

أهمية استقرار البلقان

ويرى الكثير من الخبراء أن تركيا ترتبط بعلاقات تاريخية جيّدة مع دول البلقان منذ العصور القديمة، وتجمع بين الطرفين عوامل ثقافية واقتصادية مشتركة، بالإضافة إلى أنّ أنقرة تولي أهمية لاستقرار البلقان وتحقيق السلام فيها ومنع الاضطرابات.

وعلى مدار الأعوام الماضية فتحت البنوك التركية كثيراً من الفروع لها في دول البلقان، وزادت خطوط الائتمان الخاصة بها لجميع المزارعين، بالإضافة إلى تولي شركات تركيا مشاريع تتعلق بتطوير البنية التحتية في دول بلقانية عدة، مثل مشروع تطوير الإسكان في بلدة لاش الشمالية التابعة لألبانيا ، بالإضافة إلى العمل على طريق سريع يسمى "طريق السلام" يربط بين بلغراد الصربية وسراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، ويمتد إلى دول البلقان الأخرى، وتعمل تركيا على إعادة بناء التراث العثماني في كوسوفو.

ويرى الباحثان محمد أوغور إكينجي، ومحمد رقيب أوغلو، أنّ "التدهور الأمني في منطقة البلقان من شأنه أن يضرّ بمصالح تركيا ويشكِّل خطراً على مصالحها الاقتصادية، بالإضافة كونه يشكل تهديداً أمنياً في حال خرج النزاع عن السيطرة".

كما يشير الباحث جلال سلمي إلى أن دول البلقان "تعد امتداداً جغرافياً تجارياً واقتصادياً يصل بتركيا إلى أوروبا. لذلك، الاستقرار في هذه البقعة مهم بالنسبة إلى أنقرة".

ويضيف سلمي أنّ عدم الاستقرار يؤدي إلى تهديدٍ قوميٍّ لتركيا، لا سيّما من ناحية فوضى تجارة السلاح، خصوصاً أن بعض دول البلقان وعلى رأسها صربيا والجبل الأسود، تعد مصدراً للسلاح المهرَّب باتجاه دول الجوار التركي مثل العراق وسوريا، لذلك "تتخوف أنقرة من حالة عدم الاستقرار التي ستعود بالتأثير سلباً على أمنها من ناحية تهريب السلاح".

ويتفق الخبراء على أنّ تركيا تعدّ وسيطاً موثوقاً لمنع النزاع بين صربيا وكوسوفو من التصاعد، وتتمتع أنقرة بثقة دول حلف شمال الأطلسي، وبناءً عليه قامت بإرسال قواتها، ومن المتوقع أن يرافق الانتشار العسكري نشاط دبلوماسي لحل النزاع.

TRT عربي