تابعنا
تحدثت تقارير أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن تعرض القواعد الأمريكية في سوريا والعراق لـ24 هجوماً منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بالموازاة مع المواجهات الدائرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.

ووفق التقارير الصادرة عن البنتاغون، فإن القسم الأكبر من الهجمات كان من حصة القواعد الأمريكية في العراق بواقع 15 هجوماً، مقابل 9 استهدفت قوات أمريكية على الأراضي السورية، وجميعها نُفذت عن طريق الصواريخ والطائرات المُسيّرة.

من جانبها ردّت الولايات المتحدة الأمريكية عبر غارات جوية نفذتها مقاتلتان أمريكيتان، استهدفتا منشآت تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، مشيرةً إلى أن الرد أتى في سياق "الدفاع عن النفس".

وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أطلقت القوات الأمريكية في قاعدة حقل العمر بمحافظة دير الزور السورية تدريبات عسكرية استخدمت فيها الذخيرة الحية والطائرات الحربية، وحاكت هجمات على أهداف وهمية، فيما بدا أنه تأكيد على رفع الجاهزية والاستعداد لأي تطورات ميدانية.

من يستهدف الأمريكيين؟

تبنت ما يُعرف بـ"المقاومة الإسلامية" في العراق في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني عديداً من الهجمات بالصواريخ ضد القواعد الأمريكية، أهمّها استهداف قاعدة "خراب الجير" شمال شرق سوريا، فضلاً عن الإعلان عن مهاجمة قاعدة عسكرية أمريكية ثانية، واقعة قرب مطار أربيل شمال العراق، باستخدام طائرتين مُسيّرتين.

وخلال الأسابيع الأخيرة، بات من المعتاد أن تتصدر "المقاومة الإسلامية في العراق" مشهد التصعيد مع القوات الأمريكية في كل من العراق وسوريا.

ويفيد الباحث في شؤون الجماعات المسلحة العراقية رائد الحامد، بأن "المقاومة الإسلامية" في العراق تبنت في الآونة الأخيرة ما لا يقل عن 37 هجوماً ضد قواعد عراقية تستضيف جنوداً أمريكيين، أو قواعد أمريكية في دير الزور والحسكة السوريّتين.

وفي حديثه مع TRT عربي، يوضّح الحامد النهج الذي تتبعه إيران والفصائل المدعومة منها في العراق، والقائم على تبنّي أسماء جديدة مع كل جولة تصعيد ضد مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة، أو الدول الحليفة والشريكة لها.

ويشير إلى أن "المقاومة الإسلامية" في العراق هي في الحقيقة واجهة لفصائل كبيرة أبرزها حزب الله العراقي، وحركة النجباء، وكتائب سيّد الشهداء، وكتائب الإمام علي، لافتاً إلى أن هذه الفصائل الأربعة هي الأكثر نشاطاً في استهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة.

ويؤكد الحامد أن الفصائل الأربعة المذكورة، نفّذت مئات الهجمات ضد قوات أمريكية، خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، ما بين 2020 و2022، لكن وتيرة الهجمات تراجعت اعتباراً من يونيو/حزيران 2022 مع الإعلان عن تسمية محمد شياع السوداني رئيساً جديداً للحكومة العراقية، لكنْ عاد المنسوب إلى الارتفاع مع بدء الحرب على غزة.

ونسبت إيران الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، لمن وصفته بـ"الشعوب والجماعات المناهضة للوجود الأمريكي في المنطقة"، معتبرةً أن استهداف القوات الأمريكية هو احتجاج على الدعم الكامل وغير المشروط لإسرائيل.

من جهته، يعتبر الخبير العسكري ضياء قدور، أن استخدام مصطلح "المقاومة الإسلامية في العراق"، يتيح لإيران هامشاً كبيراً للتنصل من مسؤولية الهجمات.

ويؤكد قدور في حديثه مع TRT عربي أن إيران باتت تعتمد في الآونة الأخيرة، وحتى من قبل الحرب في غزة، على الهجمات التي تنفّذها الفصائل العراقية ضد القوات الأمريكية، للرد على الضربات الإسرائيلية التي تستهدف النقاط الإيرانية في سوريا.

كيف سيكون التصعيد؟

نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤول في البيت الأبيض، تأكيدات أن إدارة بايدن لا تسعى لتوسيع رقعة التصعيد الذي فرضته حماس على إسرائيل، ولا رغبة لديها بأن تشمل الحرب لبنان، كما حذَّر المسؤولون الأمريكيّون من استغلال الفصائل الموالية لإيران الحرب بين حماس وإسرائيل.

ويرى ضياء قدور أن التصريحات الأمريكية تتناسب مع النهج الذي تتبعه واشنطن مؤخراً حيال التصعيد من قبل الفصائل المدعومة من إيران ضدها، إذ تكتفي إدارة بايدن بالرد بشكل معقول على التصعيد، في حين تكون الفصائل هي المبادرة.

ويعتبر الخبير العسكري أن كلاً من طهران وواشنطن مرتاح لفكرة الحفاظ على منسوب تصعيد منضبط ومنخفض الشدة، إذ إنّ التصعيد هو دائماً انعكاس لخلافات سياسية متعلقة بالمفاوضات حول الاتفاق النووي وغيره من القضايا الخلافية.

ولم يستبعد قدور أن تتشجع إيران على دفع الأمور تجاه مزيدٍ من التصعيد، نظراً إلى عدم إظهار واشنطن في العامين الآخرين قدرتها على الردع، وتجنبها في كثير من الأحيان الرد على الاستفزازات ضد قواتها في المنطقة، على عكس ما كان معمولاً به في زمن إدارة ترمب، التي أقدمت على عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

بدوره يعتبر فراس إلياس المتخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية، أن التحول الذي طرأ على هيكلة الفصائل في العراق وسوريا، وإدماجها تحت مسمى "المقاومة الإسلامية"، يعبّر عن توجه إيراني لإعادة إدماج عمل هذه الفصائل في الساحتين العراقية والسورية.

وفي حديثه مع TRT عربي، يرى إلياس أن ذلك من أجل خلق حالة من التنسيق لعملياتها ضد القوات الأمريكية في الفترة المقبلة، بخاصة أن هذا التطور تزامن مع تحميل حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية الانتهاكات الإسرائيلية في غزة.

ويتوقع أن تعمل إيران وما يعرف بـ"محور المقاومة" في مرحلة من المراحل على إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة، ضمن الإطار الذي يبعد الولايات المتحدة الأمريكية عن مسرح غزة، وإشغالها بمسارح أخرى، وصولاً إلى دفعها إلى الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، في حال رأت طهران أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة.

ويرجّح إلياس أن تتجنب إيران في الوقت الراهن التصعيد إلى النقطة التي تدفع فيها واشنطن إلى ردّ يدخل إيران في نفق مظلم على غرار ما حصل عندما اغتالت القوات الأمريكية قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

ويشير إلى أن الجميع يدرك مخاطر اتساع المواجهة، إذ إن واشنطن لا ترغب بساحة استنزاف جديدة بالتوازي مع الحرب في أوكرانيا، كما أن إيران تدرك أن اندفاع حلفائها نحو توسيع رقعة المواجهة سينعكس سلباً على المكاسب السياسيّة والاقتصادية التي حققوها في بلدانهم، سواء الفصائل العراقية أو جماعة الحوثيين في اليمن.

TRT عربي