تابعنا
ويُعَدّ المركز المالي الجديد في عاصمة تركيا الاقتصادية من أهم المراكز المالية في العالم، وسيكون موطناً جديداً لمعظم المؤسسات والهيئات المالية البارزة في تركيا.

بدأ مشروع مركز إسطنبول المالي في عام 2009، ويقع بمنطقة "عمرانية" بالشق الآسيوي من المدينة، ويهدف إلى جعل إسطنبول وجهة تنافسية للمؤسسات المالية الدولية وشركات تمويل المشاركة والاستثمارات المالية وشركات إدارة المحافظ وشركات التأمين، إضافة إلى دعم نمو الاقتصاد التركي.

ويُعَدّ المركز المالي الجديد في عاصمة تركيا الاقتصادية من أهم المراكز المالية في العالم، وسيكون موطناً جديداً لمعظم المؤسسات والهيئات المالية البارزة في تركيا مثل البنك المركزي التركي، وبورصة إسطنبول للأوراق المالية، ووكالة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK)، ومجلس أسواق رأس المال التركي (SPK)، والبنوك العامة في تركيا.

وتختص مراكز المال بفتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية المحتملة في السوق الموجودة بها، وتقدم تسهيلات الحصول على التراخيص والبدء بضخ الاستثمارات والمعلومات بشأن القطاعات الاستثمارية، وتحمي الاستثمارات برزمة قوانين ناظمة.

ويضم المركز الذي تبلغ مساحته 1.3 مليون متر مربع من المساحات المكتبية، مركز تسوق بمساحة 100 ألف متر مربع، ومركزاً للمؤتمرات والمعارض بسعة 2100 شخص، وفندقاً من فئة 5 نجوم، وموقف سيارات يتسع لـ26 ألف سيارة، ومن المتوقع أن يستقبل 100 ألف زائر تقريباً يومياً.

تصريحات تركية

الرئيس التركي قال خلال افتتاحه المركز إنه مشروع استراتيجي ذو رؤية، وقيمته الحقيقية ستتجلى في السنوات المقبلة، مؤكداً أن المركز سيرفع تركيا إلى مستوى أعلى في مجال التمويل.

وشدد على أن المركز سيدعم اقتصاد تركيا مع بدء المؤسسات المحلية والأجنبية في نشاطها، مشيراً إلى أن إسطنبول التي كانت عبر التاريخ بمنزلة جسر جغرافي وتجاري بين الشرق والغرب "لديها القدرة على إقامة نفس الرابط بين الأسواق المالية اليوم".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، كشف رئيس مكتب التمويل في الرئاسة التركية كوكسل آشان أنه أجرى اجتماعات مختلفة مع مسؤولي التمويل في منطقة الخليج، وأن عدداً كبيراً من شركات التمويل في دول الخليج أعرب عن عزمه المشاركة في مركز إسطنبول المالي وافتتاح مكاتب فيه.

وشدد آشان على أن القاعدة القانونية تبقى عنصراً لا غنى عنه لتتحول المنطقة إلى مركز جذب في مجال التمويل التشاركي (دون فائدة)، مشيراً إلى أن إنشاء بنية تحتية تشريعية جيدة وشاملة في هذا الصدد يسهّل عملية دعوة المستثمرين الدوليين، فضلاً عن إنشاء مركز تحكيم إسلامي.

تعزيز التعاون مع الخليج

وتُولي تركيا دولَ الخليج أهميةً كبيرة، خصوصاً بعد تعزيزها العلاقات التجارية مع الرياض، وتوقيعها اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع أبو ظبي، فضلاً عن علاقاتها القوية مع قطر والكويت وعُمان.

ومن أهداف المركز المالي الجديد في إسطنبول دعم صادرات تركيا، وهو ما أظهرته الأرقام التي أوردها مجلس المصدّرين ونشرتها وكالة "الأناضول"، إذ زادت الصادرات التركية للإمارات بمقدار 262 مليوناً و722 ألف دولار في الربع الأول من 2023 على أساس سنوي، لتبلغ ملياراً و23 مليون دولار بين يناير ومارس 2023.

في السياق ذاته ازدادت الصادرات التركية إلى السعودية بمقدار 541 مليوناً و906 آلاف دولار في نفس الفترة، لتصل إلى 611 مليوناً و816 ألف دولار.

وبموازاة الصادرات تبرز مؤشرات استثمارية، إذ كشف وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أواخر العام الماضي أن بلاده تسعى لاستثمار 3.3 تريليون دولار في مشاريع مختلفة ضمن رؤية مستقبلية تمتد حتى عام 2030.

وبيَّن أن المملكة تنظر إلى تركيا ضمن أبرز الوجهات الاستثمارية، مشيراً إلى أن مجال الصناعات التحويلية قوي في تركيا لكونه قريباً جغرافياً من السعودية وقريباً من الأسواق المحورية كأوروبا.

وشدد على إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي مع تركيا في مجالات الطاقة والتكنولوجيا ورأس المال، علاوة على الغذاء والصناعات المعدنية والتعدين باعتبارها مجالات استثمارية.

أما الإمارات فقد أَسَّسَت في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 صندوقاً بقيمة 36.73 مليار درهم (10 مليارات دولار) لدعم الاستثمارات في تركيا، على هامش زيارة رئيسها محمد بن زايد إلى أنقرة.

وفي سبتمبر/أيلول 2022 وصف رئيس مكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية أحمد بوراك داغلي أوغلو قطر بأنها أحد أكبر المستثمرين في بلاده، كاشفاً أن رصيدها من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا وصل إلى نحو 10.3 مليار دولار في نهاية 2021.

ولفت إلى أن إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول الخليج في تركيا بلغ قرابة 12 مليار دولار من عام 2003 إلى منتصف 2021.

أهداف ودلالات

يقول الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو إن المركز المالي الجديد في إسطنبول يُعتبر مركزاً عالمياً سينافس المراكز العالمية الكبرى في سنغافورة ودبي ولندن ونيويورك.

ويوضح كاتب أوغلو في حديثه مع TRT عربي أن المرحلة الأساسية في هذا المركز المالي تتمحور حول كيفية جذب الاستثمارات والشركات والشبكات المالية، علاوة على دعم الاستثمار الصناعي والإنتاجي والصادرات التركية.

ويعتقد أن المركز سيكون جاذباً للاستثمارات الإقليمية والعالمية، مشيراً إلى أنه خُطِّط له ليكون مركزاً ذكياً ضمن أهم 10 مراكز مالية في العالم.

وحول دلالات ورسائل افتتاح هذا المركز، يقول كاتب أوغلو إن من بينها أن تركيا دولة قوية ومتينة اقتصادياً رغم الزلزال المدمر الذي ضربها، وقرب الانتخابات العامة، إضافة إلى أن جميع الخطط والوعود يجري تنفيذها حسب ما خُطِّط لها دون أي معوقات.

ويلفت إلى أن تركيا تعوِّل على دعم الصادرات لتعويض النقص في العملة الصعبة ومِن ثَمّ دعم اقتصادها، كاشفاً أن تركيا لديها استثمارات خارجية بالمنطقة الأوروبية والإقليمية ومحيطها تفوق 50 مليار دولار.

ويشدد على أن هناك كثيراً من حزم التسهيلات والمحفزات لجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة، مبيناً أن حجم الاستثمارات قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم كانت ملياراً و200 مليون دولار في الفترة ما بين عامَي 1982 و2002، في حين كاد تقترب من 190 ملياراً في الأعوام الـ20 الأخيرة وتحديداً بين عامَي 2002 و2022.

ويضيف أن هناك نمواً كبيراً وسريعاً، ما يؤكد نجاح خطة الرئاسة التركية والعدالة والتنمية في جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة وتقديم التسهيلات والشراكة الاستراتيجية بين القطاع الحكومي والشركات الخاصة سواء على نمط POT أو PPP، مشيراً إلى أن كليهما يُعَدّ شراكات دولية مالية تحاصصية في الربح بموازاة وجود تخفيف في أعباء التمويل من خلال هذه الشراكات لكثير من المشاريع المغرية بتركيا.

ويبين أن المركز الجديد سيكون قاعدة إسطنبول المالية والتكنولوجية الجديدة، إذ سيضطلع بدوره لتحسين المؤسسات المالية المحلية وتحسين خدماتها ومنتجاتها، علاوة على عقد مؤتمرات ودورات للقطاع المالي إقليمياً ودولياً.

كما أنه سيرفع القدرة التنافسية المالية وسيرتقي بالمواصفات المحلية التركية إلى العالمية في كيفية تشجيع أدوات الاستثمار على اختلاف أنماطها، قبل أن يختم حديثه بالقول إنّ هناك احتراماً للقضايا القانونية التي تشكل ضماناً لعملية الاستثمار الأجنبي في تركيا ووضع آليات لحل النزاعات العالمية وكيفية تنظيم الشراكات الاستراتيجية الدولية.

فوائد بالجملة

من جانبه يشدد الخبير الاقتصادي والإستراتيجي الدكتور علاء السيد على أهمية المراكز المالية لأنه من المفيد لأي دولة أن يكون لديها مركز ماليّ تتجمع فيه الشركات متعددة الجنسيات ومكاتب البنوك وشركات الوساطة المالية والاستشارات المالية والإدارية والاستثمارية ومقارّ لوزارات مختصة كالاستثمار والتجارة والضرائب وكل الجهات الحكومية التي يتعامل معها المستثمرون المحليون والأجانب.

ويوضح السيد في حديثه مع TRT عربي أن وجود خدمات في نفس المكان لتسهيل عمل المؤتمرات والاجتماعات والمعارض بأعداد كبيرة، وتجمع الأعمال والشركات بمكان واحد يستطيع من خلالها المستثمر الذهاب إلى أكثر من مقر لأكثر من شركة باليوم الواحد، "يخدم العملية الاستثمارية والاستثمار الأجنبي المباشر في هذه الدولة".

وكشف أن المركز المالي سوف يضم فروعاً لشركات عالمية وبنوك، إلى جانب الشركات التي تحرك البورصة التركية، وشركات الاتصالات والطاقة والبترول.

ويؤكد أنّ تجمُّع الكبار في مكان واحد يعني زخماً وسهولة في إدارة الأعمال وينتج دخلاً كبيراً للمكان، علاوة على منح كبار الموظفين بهذه الشركات مزيداً من الخبرة في ظل انعقاد المؤتمرات والاحتكاك على نحو دوري.

ويستعرض السيد أهمية الموقع الاستراتيجي والمكانة التاريخية والمميزات السياحية لمدينة إسطنبول وسهولة الوصول إليها وقوة بنيتها التحتية والفوقية وتميز رأس المال البشري فيها من الأتراك والأجانب في إضفاء مزيد من الأهمية للمركز المالي الجديد.

ويضيف أن ثبات واستقلال مواقف تركيا السياسية والمالية والاقتصادية وعدم تورطها في العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وإيران وأفغانستان وغيرها، إلى جانب تحالفاتها الاقتصادية واتفاقياتها للتجارة الحرة واتفاقيات التبادل التجاري بالعملات المحلية مع دول مختلفة في العالم وبخاصة مع الصين وروسيا.. كل هذا يجعل منها ومن مركزها المالي الجديد بديلاً آمناً ورخيصاً وأكثر تأثيراً من المراكز المالية الموجودة في دول أوروبية كبيرة تعاني حالياً من أزمات سياسية ومصرفية ومالية واضطرابات شعبية وتبعية مطلقة للولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا.

TRT عربي