تابعنا
فتح تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين، عن رغبته في كتابة دستور جديد للبلاد، الباب أمام التساؤلات حول الدستور الحالي المعمول به في تركيا، والعودة إلى الوراء لدراسة الدساتير الأربعة التي مرت على تركيا الحديثة منذ عام 1921 حتى يومنا هذا.

بينما جرت كتابة أول دستور لتركيا عام 1921 ليكون منطلقاً لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، جرت كتابة دستور جديد عقب تأسيس الجمهورية ونهاية حرب الاستقلال عام 1924، واستمر العمل به حتى عام 1961 حين بدأ العمل بدستور جدلي جديد أفرزه انقلاب 1960 قبل أن تنتقل البلاد عام 1982 لدستور أفرزه انقلاب عام 1980، وهو الدستور المطبق في تركيا حتى اليوم.

وعلى الرغم من أن هذا الدستور جرى عليه العديد من التعديلات الجوهرية طوال العقود الماضية، لا سيما تلك التعديلات التي أشرف عليها حزب العدالة والتنمية وأردوغان في أعوام 2007 و2010 و2017، إلا أنه وحسب الرئيس أردوغان فإن التعديلات لم تنجح في استئصال الجوهر الانقلابي الذي بُني عليه الدستور عام 1982، معتبراً أن سبب مشكلات تركيا هو الدساتير التي أعدّها الانقلابيون.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين، إن الوقت ربما حان لمناقشة دستور جديد لتركيا. (Others)

نستعرض في هذا التقرير الدساتير التي عُمل بها منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة وأبرز معالمها وخطوطها العريضة، بالإضافة إلى الظروف التي أدت إلى استحداثها والتعديل عليها وكذلك دور الانقلابات العسكرية والتأثيرات المختلفة التي لحقته في صياغة بعضها.

دستور عام 1921

بانتهاء الحرب العالمية الأولى وما لحقها من نهاية لحقبة الخلافة العثمانية، وبعدما حُلّ مجلس الشعب العثماني من قبل رئيس الوزراء آنذاك فريد باشا في 11 أبريل/نيسان 1920، تم تأسيس أول مجلس شعب وطني يضمّ ممثلي ونواب الشعب في مدينة أنقرة في 23 أبريل/نيسان 1920. وفي جلسة 20 يناير/كانون الثاني 1921 تمت الموافقة على الدستور الجديد وإلغاء دستور عام 1876 الذي كان معمولاً به إبان فترة الخلافة العثمانية.

تميز دستور 1921 بأنه وثيقة دستورية إطارية قصيرة، وكان يحوي 23 مادة أساسية وبعض المواد الفرعية المفصَّلة. ومن أبرز ما جاء فيه أن السيادة للأمة دونما شرط أو قيد، وأن مجلس الشعب هو الممثل الوحيد للقوة التشريعية والتنفيذية، كما أن الحكومة تدار من قبل المجلس فقط، ويتكون مجلس الشعب من أعضاء منتخَبين من قبل أبناء الأقاليم حيث تتم الانتخابات مرة كل سنتين.

وحسب دستور 1921 فإن مجلس الشعب له جميع الصلاحيات في إقرار وتعديل وتنظيم القوانين والأنظمة الأكثر فائدة للشعب والأكثر ملاءمة لحاجات العصر، مع أخذ الأحكام القانونية وأحكام الفقه والأعراف والتقاليد بالإضافة إلى صالحية تنفيذ القوانين الأساسية وأحكام الشريعة وتعديلها وتوقيع معاهدات السلام أو إعلان الحرب للدفاع عن الوطن بعين الاعتبار.

دستور عام 1924

بعد نهاية حرب الاستقلال التركية استدعت الحاجة دستوراً تفصيلياً جديداً يلبّي احتياجات وتطلعات الدولة الحديثة، ولذلك تم تشكيل لجنة من قبل مجلس الشعب في أنقرة حيث تم استغلال عدم وجود مادة في دستور عام 1921 تحدّد طريقة وكيفية تغيير الدستور، ما استدعى الأمر بأخذ وقبول موافقة ثلثي المجلس كأساس لتمرير القانون كمثال لما هو معمول به بكل من فرنسا وبولندا حينها، وفي 20 أبريل/نيسان 1924 تم التصديق على الدستور الجديد للجمهورية التركية.

يحافظ دستور 1924 على نظام الحكم النيابي الذي يحقّق وحدة السلطات التشريعية والتنفيذية مع مبدأ السيادة الوطنية كما جاء في المادة الثالثة: "المجلس هو الممثل الوحيد والحقيقي للأمة ويمارس الحق والسيادة نيابة عن الأمة"، وأن شكل الدولة هو الشكل الجمهوري، ولغتها التركية، وعاصمتها أنقرة، وسيتم العمل بنظام مجلس الوزراء بدلاً من النظام الحكومي. وحسب الدستور يتم انتخاب ممثلي الشعب كل 4 سنوات وبدورهم يختارون رئيس الجمهورية الذي بدوره يشكّل مجلس الوزراء.

تم تعديل دستور عام 1924 سبع مرات، ومن أبرز التعديلات ما تم عام 1928 حين تم إزالة عبارة أن "دين الدولة هو الإسلام"، وفي عام 1930 تمت إضافة مادة جديدة تعطي الحق للمرأة التركية بالترشح والانتخاب، كما تم تحديد وتوضيح هوية الدولة التركية الحديثة بأنها دولة علمانية بمادة واضحة كفلها الدستور عام 1937. بقي العمل بدستور 1924 ساري المفعول حتى عام 1960، وتم إلغاؤه نتيجة الانقلاب العسكري في 27 مايو/أيار 1960.

دستور عام 1961

في 27 مايو/ايار 1960 تم إدارة البلاد بقيادة لجنة الوحدة الوطنية (BTK) المكونة من 38 ضابطاً، ما استدعى إلغاء العمل بدستور عام 1924 والبدء بكتابة دستور جديد يلبي بشكل أفضل احتياجات الحياة السياسية النامية في البلاد ويزيد من تنوع الأحزاب السياسية، إذ تمت الموافقة عليه بنسبة 60% من خلال استفتاء شعبي في 9 يوليو/تموز 1961، وحسب المادة 157 في الدستور الجديد تم عقد الانتخابات في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1961 وبعدها بـ10 أيام تم حل لجنة الوحدة الوطنية من قبل مجلس الشعب المنتخب.

كفل الدستور الجديد الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) وأكد استقلالية القضاء، وأنشئت المحكمة الدستورية للتحقق من دستورية القوانين الصادرة، وتم تبني مبدأ الديمقراطية والتعددية من خلال تأكيد أهمية التنوع الحزبي من خلال عبارة "الأحزاب السياسية لا غنى عنها للحياة الديمقراطية"، ومنح العمال والموظفين العموميين حقّ تكوين النقابات والإضراب، كما تمت زيادة صلاحيات البلديات المحلية بشكل جزئي بالإضافة إلى تبنّي مفهوم الدولة الاجتماعية.

وبفضل المحتوى التحرري للدستور بدأت الأفكار الليبرالية والاشتراكية بالانتشار خلال الستينيات وأصبحت الحركات النقابية أقوى، ونظرًا إلى تعذُّر حل الاختناقات السياسية في السبعينيات وازدياد الحوادث الإرهابية زادت المطالبات بالتعديل على الدستور، ما دعا الحكومة آنذاك إلى تقديم استقالتها بطلب من القوات المسلحة التركية. وفي 12 سبتمبر/أيلول 1980 وقع انقلاب عسكري حلّ بدوره مجلس الشعب ووقف العمل بدستور عام 1961.

دستور عام 1982

هو دستور الجمهورية التركية المعمول به منذ عام 1982 حتى وقتنا الحالي، وتم إعداده من قبل مجلس الشورى بأمر من الإدارة العسكرية بعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980، ودخل حيز التنفيذ في 18 أكتوبر/تشرين الأول بعد قبوله سنة 1982 من خلال الاستفتاء الشعبي وحصوله على نسبة تأييد تجاوزت الـ91%، وأدّت الفوضى التي عمت البلاد قبل فترة الثمانينيات وسيطرة الجيش على البلاد بشكل كامل من خلال الإعلام وإغلاقه الأحزاب السياسية بالإضافة إلى قلة المشاركة في الاستفتاء، كل هذه الأسباب أدت إلى الحصول على هذه النسبة المرتفعة.

ويتكون الدستور من 7 أقسام و155 مادة أساسية، بالإضافة إلى 21 مادة مؤقتة، وحسب الدستور فإنه يُمنع منعاً باتّاً تعديل أو اقتراح على المواد الأربع الأولى من الدستور، التي تتضمن الأسس العامة للدولة التركية (هوية الدولة والحقوق السيادية للأمة التركية وأجهزة الدولة الدستورية)، وأكّد الدستور أن السيادة للأمة التركية دون قيد أو شرط، وقام بالفصل بين السلطات الثلاث لمجلس الشعب السلطة التشريعية، ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء لهم السلطة التنفيذية، كما تمارَس السلطة القضائية من قبل محاكم مستقلة، ويعرّف الدستور الدولة التركية بأنها دولة قانون ديمقراطية وعلمانية واجتماعية.

جرى العديد من التعديلات على دستور 1982، من خلال مجلس الشعب أو الاستفتاءات الشعبية التي تمت أكثر من مرة، وذلك لتحييد الجيش في التدخل بالحياة السياسية للبلاد، بالإضافة إلى تعزيز الديمقراطية والحريات ولتهيئة تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي. وتم تعديل أكثر من ثلثي الموادّ خلال العقود المنصرمة، ومن أبرزها ما قام به حزب العدالة والتنمية من استفتاءات عامَي 2007 و2010، بالإضافة إلى استفتاء عام 2017 إذ تم تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي.

TRT عربي