تابعنا
يستخرج نحو ثلث إمدادات العالم من الألماس في منطقة ياقوتيا السيبيرية وتستخرجه شركة "آلروسا" (Alrosa)، الروسية المملوكة للدولة. وتساهم تجارة الألماس بشكل عام بنحو 4.5 مليار دولار في الاقتصاد الروسي سنوياً، مما يجعلها واحدة من أكبر القطاعات في روسيا.

على مدار الأسابيع الماضية، لوّحت الدول الغربية منها مجموعة السبع (G7) وبلجيكا بعقوبات محتملة على الألماس المستخرج من روسيا، أكبر مُصدِّر للألماس في العالم، وذلك في محاولة لتضييق الخناق عليها بسبب الحرب مع أوكرانيا المستمرة منذ ما يقارب السنة ونصف.

وصرّح رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، بأنّ الدول الغربية قريبة جداً من وضع اللمسات الأخيرة على حظر الألماس الروسي من أسواق التجزئة في الدول التي تفرض عقوبات على أصول الكرملين.

جاء ذلك خلال حديثه في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أجرى زيارة مفاجئة لمقر الناتو في بروكسل 11 من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقال دي كرو إنّ "الهدف هو دخول الحظر على الألماس الملطخ بالدماء حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2024"، وفق ما نقلته صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وتعتمد خطة الحظر المحتملة على تحويل سلسلة التوريدات العالمية في أحدث خطوة إلى الأمام خلال أشهر من المفاوضات بين القوى الغربية حول كيفية فرض عقوبات يمكن أن تغيّر صناعة عالمية مترامية الأطراف ومثيرة للجدل، وفق ما ذكرته وكالة فرانس برس.

كيف ستتأثر روسيا؟

تعدّ روسيا أكبر منتج للألماس في العالم لعام 2022، رغم انخفاض إنتاجها عن العام الذي سبقه بنسبة 8.08%، وتمثل 31% من الإنتاج العالمي مع المنتجين الآخرين، وهم بوتسوانا وكندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا.

ويجري استخراج نحو ثلث إمدادات العالم من الألماس في منطقة ياقوتيا السيبيرية وتستخرجه شركة "آلروسا" (Alrosa)، الروسية المملوكة للدولة. وتساهم تجارة الألماس بشكل عام بنحو 4.5 مليار دولار في الاقتصاد الروسي سنوياً، مما يجعلها واحدة من أكبر القطاعات في روسيا التي تجنبت العقوبات الشاملة التي فرضها الغرب منذ بداية الحرب على أوكرانيا عام 2022.

منظر لمنجم الألماس المفتوح في منطقة نيوربينسكي في روسيا (Getty Images)

وتجدر الإشارة إلى أنّ البلدان التي تُصدر أكبر عدد من الألماس ليست بالضرورة أكبر البلدان المنتجة، ويرجع الأمر في ذلك إلى استيراد الدول المختلفة الألماس الخام لصقله والاستعداد لتحويله إلى سلع استهلاكية ومن ثم تصديره.

وسبق أن فرضت الولايات المتحدة إجراءات على الألماس الخام الروسي، إذ حظرت إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن العام الماضي استيراده وفرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على شركة آلروسا، إضافةً إلى بريطانيا وكندا ونيوزيلندا وجزر البهاما.

ويرى الصحافي المختص في الشؤون الروسية رامي القليوبي أنّ "الحظر المحتمل لن يؤدي إلى خنق إنتاج الألماس، لأنّ روسيا وضعت على مدى عام ونصف آلية للالتفاف على العقوبات الغربية".

ويضيف القليوبي لـTRT عربي: "إذا فُرض الحظر فهذا يعني أنّ الألماس الروسي سيذهب إلى الدول التي لم تنضم إلى العقوبات، حيث سيجري تحويله إلى مجوهرات وإعادة تصديره، وهو فعلياً ما يحدث مع عديد من السلع الغربية للشركات التي انسحبت من السوق الروسية، ولكن روسيا تواصل الحصول عليها بشكل طبيعي عبر آلية الاستيراد الموازي من الدول التي لم تنضم إلى العقوبات، وسيتكرر الأمر بشكل عكسي مع الألماس".

ويلفت إلى أنّ "الغرب بدأ بالفعل فرض عقوبات على الأحجار والمعادن الثمينة الروسية وحظر استيراد الذهب الروسي، أما الألماس فقد يكون سبب تردد الغرب في حظره هو انعدام البدائل، إذ إنّ شركة آلروسا الروسية، التي تعد أكبر شركة منتجة للألماس على مستوى العالم، هي المستثمر الرئيسي لحقول الألماس ومن الصعب إيجاد بديل لها".

ويشير القليوبي إلى أنّ البدائل المتاحة لروسيا في حال الحظر الفعلي هي البلدان التي لم تنضم إلى العقوبات، وبالأخص الدول الخليجية والتي تُعرف بمستوى متطور في إنتاج المجوهرات وتجارتها، ومؤكداً أنّ "الغرب لا يستطيع خنق الاقتصاد الروسي، لأنّ عقوباته أحادية الجانب لا دولية، على عكس العقوبات على إيران وكوريا الشمالية، فهي ليست فعالة بمجال الألماس أو غيره".

بدوره يقول المحلل المتخصص في تجارة الألماس المقيم في نيويورك، بول زيمنيسكي، إنّ "منتجي الألماس غير الروس يمكن أن يستفيدوا (من العقوبات)، إذ سيوجد عرض أقل يتنافس لتلبية احتياجات الأسواق الاستهلاكية الغربية".

ويضيف زيمنيسكي لـTRT عربي، أنّ الغرب يمثل، بالإضافة إلى اليابان، ما يزيد على 75% من إجمالي الطلب على مجوهرات الألماس للمستهلك النهائي، لكن شركات التعدين غير الروسية توفر فقط 70% من الألماس في العالم، لذلك قد يكون في العرض فجوة".

تجارة تربط بين أصقاع العالم

لأشهر عدّة كانت مجموعة الدول السبع ذات الاقتصادات المتقدمة والاتحاد الأوروبي تعمل على إيجاد طريقة لتتبع تجارة الألماس الروسي وتقييدها، لمنعها من الالتفاف على العقوبات.

وحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، حاول الاتحاد الأوروبي العام الماضي مرات عدّة فرض عقوبات على الألماس الروسي، لكن بلجيكا، التي تضم المركز الأول لتجارة الألماس في العالم، منعت ذلك بسبب احتجاجات من أنتويرب، وهي المدينة الساحلية البلجيكية التي تعد مركزاً تجارياً رائداً للأحجار الكريمة، إذ أعرب ممثلوها عن مخاوفهم من أنّ العقوبات قد تمنح منافسي أنتويرب، مثل الإمارات والهند، ميزة تنافسية في تجارة الألماس الروسي، إضافةً إلى الصعوبة التي تصاحب تتبع المصدر الحقيقي للألماس، وحينها لم يتفق أحد.

وسبق أن نقلت مصادر حكومية من بروكسل لوكالة "رويترز" أنّ الحظر الذي اقترحته بلجيكا سيدخل حيز التنفيذ بداية العام المُقبل.

ووفق التقارير الإعلامية الأخيرة، واجهت الحكومة البلجيكية ضغوطاً من التجار لعدم دعم الحظر، وذلك لتخوفهم من أنّ الحظر من شأنه أن يؤدي فقط إلى تحويل التجارة القيمة من أنتويرب إلى دبي، وحسب التقديرات، يوفر قطاع الألماس في بلجيكا 6600 فرصة عمل مباشرة و26 ألف فرصة عمل غير مباشرة، وتبلغ قيمة التجارة السنوية له 37 مليار دولار، ويمثل الألماس نحو 5% من إجمالي الصادرات البلجيكية إلى الاتحاد الأوروبي و15% خارج الكتلة الأوروبية.

ولا يقتصر الأمر على بلجيكا فقط، إذ أثارت قضية حظر الألماس الروسي الجدل أيضاً في الهند، وهي البلاد التي يصل إليها معظم الألماس الخام الروسي (Rough Diamond)، كما أنها موطن 90% من قطع وصقل الأحجار الكريمة النادرة، وتوظف هذه الصناعة ملايين من الأشخاص، لا سيّما في مدينة سورات التي يجري فيها صقل نحو 80% من الألماس في العالم.

وذكرت تقارير إعلامية أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ خبراء من (G7) وبلجيكا ناقشوا العقوبات المحتملة على الألماس المستخرج من روسيا خلال زيارة لمدينتي مومباي وسورات الهنديتين، وفق وكالة "فرانس برس".

لكن دون الخروج بأي بيانات رسمية، إذ أفادت وسائل إعلام هندية بأنّ مجموعة السبع لم تعترض على شراء التجار الهنود الألماس الخام من مناجم "آلروسا" الروسية، إلّا أنّها وضعت حداً لقبول الأحجار الروسية المقطوعة والمصقولة في الهند من أصل قيراط واحد وما فوق.

وعادة ينتهي الأمر بأغلبية الأحجار الكريمة المصقولة في الهند، إما في نيويورك (بوابة أكبر سوق للألماس المصقول في العالم) وإما في هونغ كونغ ليجري توجيهها إلى السوق الصينية.

صعوبات التتبع

يعدّ تتبع مصدر الألماس قضية معقدة بالنسبة إلى صادرات الأحجار الكريمة المصقولة، إذ بعد القطع والصقل يجري تصنيف الألماس من البلد التي جرت فيه هذه العملية، ومثال على ذلك يمكن تصنيف الحجر الذي يأتي من أي مكان في العالم على أنّه "هندي" إذا جرى صقله وتقطيعه في الهند مثلاً.

وفي هذا السياق، سبق أن أوضح بول زيمنيسكي، المحلل المختص في تجارة الألماس المقيم في نيويورك أنّ "العقوبات الأمريكية الحالية تشمل فقط الألماس الروسي الخام أو تلك الأحجار المقطوعة والمصقولة داخل روسيا، لكن لأنّ 90% من الألماس يجري قطعه وصقله في الهند يمكن تصنيفه على أنه أحجار كريمة هندية" مشيراً إلى أنّ اللوائح والإجراءات الحالية "ليست صارمة كما قد تظن".

ويضيف لـTRT عربي إن "إدارة سلسلة التوريد الخاصة بالألماس لفرض عقوبات على الألماس الروسي تشكل تحدياً. ومع ذلك، يمكن القيام بذلك عبر توفّر تكنولوجيا معينة للتتبع، مما يجعل الأمر أسهل".

ويعتقد زيمنسكي أنّ إنفاذ العقوبات التي تسمح بتتبع الأحجار سيكون عبارة عن مزيج من تدقيق المستندات عبر الجمارك، ولكنه سيدمج أيضاً بتقنية أو نظام تتبع جديد في السوق والتي تستخدم التصوير عالي الدقة لأخذ بصمات الحجر، ثم تسجيله على نظام يشبه "blockchain" (تقنية تخزن البيانات في كتل مرتبطة ببعضها البعض عبر التشفير)، مضيفاً أنّ "للتتبع الكيميائي حلولاً أخرى قيد التنفيذ، لكن من غير المرجح أن نرى ذلك على المدى القريب".

وفي سياق تجارة الألماس بوصفها مترامية الأطراف ومعقدة، يشير الخبير إلى أنّ صناعة الألماس عالمية ومتنوعة ديموغرافياً للغاية، فهي تمتدّ إلى عديد من الدول والثقافات والأديان والاقتصادات المختلفة، كما يعتبر الألماس السلعة الأكثر قيمة في العالم من حيث نسبة السعر إلى الوزن، وهو عنصر فاخر وأساسيات الطلب عليه تختلف عن النفط والغاز على سبيل المثال، "إنه بالفعل صناعة فريدة"، حسب تعبير زيمنسكي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً