الإعلام الغربي وانتخابات تركيا.. ازدواجية المعايير في خدمة الأجندة السياسية / صورة: AA (AA)
تابعنا

على مدار الأسابيع التي سبقت الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 14 مايو/أيار الحالي، كثفت وسائل الإعلام الغربية تحريضها وهجومها على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، دون مراعاة للمعايير الموضوعية والمهنية، وفي مسعى واضح للتأثير في نتيجة الانتخابات العامة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تشن فيها وسائل إعلام غربية حملة تحريضية ضد الرئيس أردوغان وتركيا، فخلال السنوات الماضية تصاعد الخطاب المُعادي لتركيا وحكومة حزب العدالة والتنمية بالتزامن مع زيادة الاحتكاك بين السياسة الخارجية التركية والأجندة الغربية في عدد من الملفات، على رأسها مكافحة الإرهاب داخل وخارج تركيا، ومساعي تركيا لحفظ مصالحها في شرق المتوسط، وبحر إيجه.

الإعلام الغربي وموقعه في السياسة الغربية

يتداخل الإعلام والسياسة ويخدم بعضهما بعضاً، فيصعب الفصل بين أجندة السياسة وغاياتها، والسردية الإعلامية ومقولاتها. يظهر ذلك بوضوح مع الإعلام الغربي وموقعه في السياسة والدعاية الغربية، الذي يمكن تلمُّسه في السياق التاريخي والحالي.

تاريخياً، كان للمنظومة الإعلامية الغربية دور هامّ في بناء سردية سياسية وأخلاقية دعمت وشرعنت السلوك الاستعماري الغربي في دول الجنوب، متخذة دور المشرِّع والمنظِّر الداعم للمنظومة الإمبريالية الغربية في حربها واستعمارها، لينعكس ذلك على نظرة الإعلام الغربي إلى ذاته ودوره المتصور في التعامل مع بقية شعوب العالم.

ففي مختلف مراحلها التاريخية أدت المنظومة الإعلامية أدواراً وظيفية في خدمة السياسة الخارجية لدول الغرب، فعملية غزو أو مواجهة أي دولة أو قوة سياسية، دائماً ما سبقتها حملة من التحريض ونزع الشرعية لعبت فيها المنظومة الإعلامية دوراً محورياً، مستفيدة من انتشارها الواسع عالمياً وغربياً.

التداخل التاريخي ما بين السياسة الخارجية والمنظومة الإعلامية الغربية طُوِّر لدى الأخيرة سلوكاً استشراقياً تجاه شعوب دول الجنوب، متخذة دور المعلِّم والمنظِّر لمدى التزام الدول والشعوب قيم الحداثة والديمقراطية، ودائماً ما ربطت بين الموقف السياسي للدولة وموقعها في الترتيب القيمي والأخلاقي.

ارتباط الإعلام الغربي بأجندة السياسة الخارجية، والموروث الإمبريالي، والنظرة الاستشراقية لشعوب دول الجنوب، عناصر هامة يجب أخذها بالاعتبار عند مقاربة أي طرح أو حملة تشنها وسائل الإعلام الغربية، قبل البحث في أي معايير موضوعية أو مهنية.

لماذا تركيا وأردوغان؟

"عندما ننظر إلى أولئك الذين ينزعجون من نجاحنا، يمكننا أن نرى بوضوح أكبر مَن الصديق ومَن العدوّ". بهذه العبارة لخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جزءاً كبيراً من دوافع الحملة الغربية على تركيا، خلال مقابلة تليفزيونية، التي يراها مرتبطة بزيادة قدرة تركيا على محاربة الإرهاب وتطوير صناعاتها الدفاعية، وتحررها من الإرادة الغربية.

فخلال السنوات الماضية اتخذت تركيا خطاً سياسياً ركزت فيه على مصالحها الوطنية، عبر تعزيز استقلالية سياساتها الخارجية وربطها بالأجندة الوطنية، وانتهاج سياسة أمنية صارمة في التعامل مع التنظيمات الإرهابية داخل وخارج تركيا، بالإضافة إلى تطوير صناعاتها الدفاعية، وتنويع خياراتها الاقتصادية والتجارية.

هذا الأمر مكَّن تركيا من لعب أدوار هامة عالمياً وإقليمياً، فعدم انخراطها بالحرب الروسية الأوكرانية وعدم انحيازها إلى أحد الأطراف أسهما في جعل تركيا الوسيط الأهم في الحرب، والحفاظ على تدفق إمدادات الطاقة والحبوب للاقتصاد التركي، كما أن عمليات تركيا في الشمال السوري حالت دون تشكل كيان انفصالي يهدد وحدة الأراضي السورية والأمن التركي القومي، وفي شرق المتوسط منع الدور التركي تشكل واقع يتجاوز حقوق تركيا التاريخية في الجرف القاري وغاز المتوسط.

هذه الخطوات وغيرها، قابلها الغرب بالاعتراض وفي بعض الحالات بالتصعيد، لذلك فقراءة الحملة الغربية الأخيرة لا يمكن أن يجري دون النظر إلى هذه الوقائع، بعيداً عن ادعاء الغرب بأن اهتمامهم ينصبّ على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فخلال حكم العدالة والتنمية شهدت تركيا أهم الإصلاحات القانونية والحقوقية، وصل خلالها عدد الأحزاب التركية الفاعلة إلى 116 حزباً، كما جرى تنظيم 15 استحقاقاً انتخابياً ما بين انتخابات عامة ومحلية ورئاسية، بالإضافة إلى الاستفتاءات العامة.

الرهان على الإرادة الشعبية

حاولت قوى داخلية وخارجية مدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من قوى غربية عرقلة مسيرة حكومة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في أكثر من مناسبة، تارة عبر محاولة الانقلاب القضائي كما جرى في ديسمبر 2013، وتارة عبر محاولة الانقلاب العسكري كما جرى في المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016. فشل هذه المحاولات دفع هذه القوى إلى الرهان على أساليب جديدة، على رأسها التأثير في نتائج العملية الانتخابية في تركيا، كما صرح بذلك المرشح للرئاسة والرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في ديسمبر 2020، الذي أكد ضرورة " اتباع طرق جديدة للتخلص من الرئيس أردوغان عبر دعم المعارضة.. حتى يجري التخلص من أردوغان، ليس عبر الانقلاب، بل عبر العملية الانتخابية"، وفق تعبيره.

من هنا شكَّل الرهان على الإرادة الشعبية سلاحاً هاماً في مواجهة الحملة الغربية ومساعيها للتأثير في نتائج الانتخابات. فالوعي الشعبي التركي الذي يظهر حساسية تجاه استقلاله الوطني، يرى في الحملة الغربية استهدافاً جماعياً له، ترك أثراً في نتائج الجولة الأولى من الانتخابات العامة التي انتهت بتقدم الرئيس أردوغان وفوز العدالة والتنمية وتحالفه الانتخابي بالأغلبية البرلمانية.

رهان العدالة والتنمية والرئيس أردوغان على الإرادة الشعبية تاريخي، ففي جميع المحطات المحورية كان للدور الشعبي حضور هامّ في ترجيح كفة العدالة والتنمية وخيارات الرئيس السياسية، هذا الأمر يؤكده تصريحه الأخير بإيمانه بقدرة الشعب على مواجهة أي محاولات للتأثير في العملية الانتخابية، قائلاً: "هل يحبون تركيا التي تزداد قوة في صناعة الدفاع؟ بالطبع لا يحبوننا. لن يحبونا لأننا لم نعُد نشتري أسلحة أو ذخيرة منهم... أعطتهم أمتي هذه الإجابة يوم 14 مايو/أيار. آمل أن يفعلوا ذلك مرة أخرى في 28 مايو/أيار".


TRT عربي
الأكثر تداولاً