المساجد والمقابر ودار الإفتاء.. هكذا تحارب اليونان الأقلية التركية في تراقيا (Others)
تابعنا

في انتهاك واضح وصريح لاتفاقية لوزان التي أرست أسس الجمهورية التركية الحديثة قبل نحو قرن، وفي الوقت نفسه كفلت حقوق الجالية التركية التي تسكن إقليم تراقيا الغربي في الجانب اليوناني، وعلى الرغم من اتفاقية لوزان وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لا تزال الأقلية التركية في اليونان تعاني من انتهاكات مستمرة وحرمان من أقل الحقوق الإنسانية.

آخر هذه الانتهاكات، كان محاولة السلطات اليونانية تحويل دار الإفتاء إلى مؤسسة خاضعة لسيطرة الدولة، في خطوة تعد انتهاكاً للاتفاقيات الدولية، وبالأخص البند 40 من معاهدة لوزان، الذي تضمن حقوق وحريات الأقلية التركية في تراقيا الغربية ويمنحها حق تأسيس وإدارة مؤسساتها الدينية، والتعليمية والاجتماعية والخيرية.

من جانبها، انتقدت الخارجية التركية، الخميس، مصادقة البرلمان اليوناني على قانون ينظم عمل الإفتاء في منطقة تراقيا الغربية التي تقطنها الأقلية التركية. كما انتقد البيان إعداد اليونان القانون الخاص بالإفتاء، دون استشارة سكان تراقيا الغربية.

أزمة دار الإفتاء

قبل نحو عقد من توقيع معاهدة لوزان، ضمنت معاهدة أثينا الموقَّعة بين اليونان والإمبراطورية العثمانية عام 1913، والتي أدخلتها اليونان حيز التنفيذ منذ عام 1920، عدم التدخُّل في الشؤون الدينية للأقلية التركية، بالإضافة إلى ضمان حرية اختيار الجالية المسلمة (ذات الأغلبية التركية) في اليونان للمفتين، إلا أنه منذ عام 1991 ألغت اليونان العمل بالاتفاقية بشكل ينتهك القانون الدولي، وبدأت بنفسها بشكل غير قانوني تُعيّن المفتين.

وبينما تنصّ بنود معاهدة لوزان على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية فيها مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان، تصر اليونان على تجاهل بنود المعاهدة وتستمر في انتهاك المادة 40 التي تنصّ على أنه ينبغي على الأقلية المسلمة انتخاب المفتين دون تدخل السلطات اليونانية، في وقت تتمتع فيه الأقلية اليونانية في تركيا بكامل الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات بين البلدين.

واستمراراً لممارساتها وسياساتها التعسفية، تُصر اليونان على سلخ الهوية الدينية والعرقية عن الأقلية التركية التي تعيش فوق أراضيها. وفي منتصف يونيو/حزيران 2021، أصدرت محكمة يونانية حكماً بالسجن لمدة 15 شهراً بحقّ أحمد مته، مفتي مدينة إسكتشا في منطقة تراقيا الغربية شمال شرقي البلاد، بسبب خطاب ألقاه في مؤتمر لحزب "الصداقة والمساواة والسلام" عام 2016. وفي أثناء حديثه لوكالة الأناضول عن التدخلات اليونانية بالشؤون الدينية للأقلية المسلمة، قال مته: "حرمت الدولة اليونانية دار الإفتاء من حقها في ترميم وتجديد المساجد، كما عمدت إلى إجبار الأئمة على رفع الأذان بصوت منخفض، وفرض بعض الشخصيات غير المنتخَبة على المؤسسات التابعة لدار الإفتاء".

وفي نهاية شهر مارس/آذار الماضي، هنأ وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو مفتي غومولجينا إبراهيم شريف الذي أعيد انتخابه رئيساً للمجلس الاستشاري للأقلية التركية في تراقيا الغربية. وفي التغريدة نفسها ذكّر اليونان مرة أخرى أن احترام المفتين المنتخبين من قبل الأقلية هو من دواعي معاهدة لوزان.

حرمان من أقل الحقوق

إلى جانب المحاولات الرامية إلى السيطرة على دار الإفتاء، لا تنفك السلطات اليونانية تمارس سياسات تعسفية بحق الأقلية التركية. لعل من أبرزها إصرار الحكومات اليونانية المتعاقبة على رفض وصف الأقلية حسب العرق كـ"أقلية تركية"، واكتفت بوصفهم حسب التصنيف الديني فقط كـ"أقلية مسلمة". ورغم الاعتراف بهم كمسلمين، تتصاعد حدة الهجمات اليونانية ضد المساجد العثمانية على أراضيها، ولا تقتصر الممارسات اليونانية على عدم السماح ببناء مساجد جديدة أو ترميم الموجودة، بل امتدت إلى تحويل المساجد التاريخية إلى كنائس ومتاحف ومعارض.

وفي تغريدة رسمية للمتحدث باسم الخارجية التركية تانجو بيلغيتش رداً على قرار اليونان إغلاق 4 ابتدائيات للأقلية التركية في منطقة تراقيا الغربية، قارن بيلغيتش بالأرقام بين معاملة السلطات التركية للأقلية الرومية في تركيا وبين معاملة اليونان للأقلية التركية، حيث أكد أن عدد المدرسين الذين تخصصهم الدولة التركية لـ3 آلاف طالب رومي في تركيا يساوي عدد المدرسين الذين تخصصهم اليونان لـ150 ألف طالب تركي، بالإضافة إلى عدم وجود أي مدارس رياض أطفال للأتراك في تراقيا الغربية. وأنّ السلطات اليونانية تمنع فتح مدرسة عندما يكون عدد الطلاب أقل من 9 بينما بإمكان الروم فتح مدرسة لـ4 طلاب فقط.

ولا يواجه الأتراك صعوبات في العثور على التعليم وأماكن العبادة وحسب، ولكن أيضاً في العثور على المقابر، لأن السلطات اليونانية لا تسمح بمقابر للمسلمين. وبينما لا تسمح اليونان ببناء مساجد للأقلية المسلمة، لم يتمكن ما يقرب من ألف تركي يعيشون بالقرب من سالونيك من أداء صلاة العيد هذا العام، بسبب منع السلطات اليونانية

أتراك تراقيا الغربية

بعد انتصار الأتراك في حرب التحرير والاستقلال التركية وتأسيس الجمهورية التركية عام 1923 انسحبت القوات اليونانية الغازية حالها حال قوى الاستعمار الأخرى من إقليم تراقيا التركي، وطُبّقت اتفاقية تبادل سكاني مع الجمهورية التركية استُثني منها أبناء الأقلية التركية في تراقيا الغربية شمال شرقي اليونان.

ومنذ توقيع اتفاقية التبادل السكاني قبل نحو 99 عاماً، لا تزال الأقلية التركية المسلمة التي تسكن إقليم تراقيا الغربي تعاني من مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرمان من أقل الحقوق الإنسانية، بدءاً من استثناء أبنائها من اتفاقية التبادل السكاني، مروراً بالانتهاكات الشديدة للحقوق الأساسية إبان فترة حكم العسكر لليونان ابتداءً من عام 1967 حتى سقوطهم في أعقاب "عملية السلام" التركية في جزيرة قبرص عام 1974، ووصولاً إلى الأزمة الحالية المتمثلة في رفض الحكومة اليونانية الاعتراف بهويتهم العرقية، فضلاً عن التدخل في شؤونهم الدينية والتعليمية.

وحسب الإحصائيات الأخيرة، يسكن قرابة 150 ألف شخص من الأقلية التركية المسلمة المناطق الممتدة بين نهر مرج إيفروس الذي يفصل بين حدود البلدين، حتى مدينة قوله ونهر قره صو في إقليم تراقيا اليوناني، بالإضافة إلى نحو 6 آلاف آخرين يعيشون في جزيرتَي رودس وكوس، يجادلون جميعاً من أجل الحصول على حقوقهم الاجتماعية والحقوقية أسوةً باليونانيين.

TRT عربي