جاء ذلك خلال ندوة علميّة بعنوان "الإصلاح المجتمعي وإفشاء السلام"، التي عقدت في تركيا مطلع أغسطس/آب الجاري، بمشاركة مجموعة من علماء العالم الإسلامي. / صورة: AA (AA)
تابعنا

شهدت مدينة إسطنبول إطلاق منتدى "إفشاء السلام" العالمي، الذي يمثّل محطة مهمّة في مسار تعزيز السلام والتفاهم داخل العالم الإسلامي وخارجه.

جاء ذلك خلال ندوة علميّة بعنوان "الإصلاح المجتمعي وإفشاء السلام"، التي عقدت في تركيا مطلع أغسطس/آب الجاري، بمشاركة مجموعة من علماء العالم الإسلامي.

أهداف منتدى السلام

جمعت الندوة شخصيات مميزة من علماء وأكاديميين ومفكرين، كان من أبرزهم الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل أراضي عام 1948، المحظورة من إسرائيل، وأستاذ الفقه في جامعة "صباح الدين زعيم" التركية أحمد حمدي يلدريم، والشيخ علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

كما شارك في الندوة الباحث المصري في العلوم السياسية الدكتور سيف عبد الفتاح المفكر، ورئيس مركز "الشهود الحضاري" للدراسات الشرعية والمستقبلية، الدكتور وصفي أبو زيد، وآخرون.

ويهدف المنتدى الذي أُعلن عنه مؤخّراً، إلى تعزيز مبادرة الشيخ رائد صلاح لإفشاء السلام في الداخل الفلسطيني وفي العالم العربي والإسلامي، التي أعلن مؤتمرها الأول في أغسطس العام الماضي، من الداخل الفلسطيني تحت قيادة وإشراف الشيخ صلاح.

إذ نتج عن تلك المبادرة تأسيس لجان داخل أراضي 1948، وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، التي تشمل معظم مناطق فلسطين، وتسعى لجان إفشاء السلام والإصلاح، للحدّ من الجرائم المنتشرة في المجتمع الفلسطيني، وفي الوقت ذاته بثّ ثقافة التسامح التي أكّدها الدين الإسلامي.

فكرة عظيمة

وكشف أستاذ الفقه في جامعة "صباح الدين زعيم" التركية أحمد حمدي يلدريم، خلال المؤتمر في إسطنبول، بأنّه سيُفعّل العديد من البرامج وفاعليات التشاور عبر هذا المنتدى في المستقبل.

وأضاف يلدريم، "رأينا الحاجة ماسّة لتعميم هذه الفكرة العظيمة وهي إفشاء السلام، وجلسنا مع الإخوة المعنيين، وأخذنا مبادرة إطلاق المنتدى، والله يذكّرنا بأنّ الشيطان عدوّ لنا، ويريد إيقاع العداوة وكيف نتغلب عليه".

وفي السياق ذاته، قال علي القره داغي: "يُعدّ السلام من القيم المهمة جداً في الإسلام، فهو يتعلّق بوحدة المجتمع والسعي لتحقيق التفاهم والعدل بين الناس، إذ يدعو الإسلام المسلمين إلى السلام الداخلي والخارجي، وهو مبدأ أساسي في النظام الإسلامي".

وأضاف بأنّ "السلام الداخلي يشير إلى السلام والطمأنينة الروحية التي يجب أن يحظى بها المؤمن في قلبه، بينما يعني السلام الخارجي حسن العلاقات والتعامل الحسن مع الآخرين ونشر السلام في المجتمعات والأمم".

من جانبه، أشار الشيخ صلاح خلال مداخلته عبر الإنترنت إلى دور إسرائيل في تدعيم الفوضى والسعي وراء تنفيذ سياسات تخريبية هدفها زعزعة الأمن داخل المجتمع الفلسطيني، التي انعكست بدورها على سلوك بعض أفراد المجتمع الفلسطيني، وشكّلت في الوقت ذاته تهديداً أمنيّاً وأخلاقيّاً.

وأشار إلى أنّه "منذ عام 2000 ساهمت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية في تسهيل عمليات انتشار الأسلحة الفردية داخل المجتمع الفلسطيني، التي يبلغ عددها ما يقرب من 400 ألف قطعة سلاح، هُرّبت من معسكرات الجيش الإسرائيلي، وذلك بغرض نشر الفتنة والجريمة، فقد سجّلت الإحصائيات والأرقام سقوط الكثير من الضحايا خلال السنوات الماضية، ففي السنة الحالية 2023 قتل ما يزيد على 130 قتيلاً".

وأضاف بأنّ "المؤسسة الرسمية الإسرائيلية غضّت الطرف وهي المسؤول الأكبر بحكم فرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية عن انتشار تجارة المخدرات داخل البلدات الفلسطينية، مستهدفةً بذلك الفئة العمرية الشابة، إضافة إلى سعي المؤسسة أيضاً لنشر وترويج تجارة السوق السوداء وتشجيع التعامل الربوي في الحركة المالية بين السكان".

وأردف صلاح بأنّ "السلطات الإسرائيلية لم تُنفّذ إجراءات عقابية رادعة تجاه من يرتكبون مثل هذه الجرائم، وهذا بدوره يشجّع على استمرار ارتكاب المزيد من هذه الجرائم".

وكشف عن أنّه "وباعتراف قنوات ووسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد ثبت تواطؤ جهاز المخابرات الإسرائيلية في تنفيذ هذه السياسة".

بناء السلام المجتمعي

ويرى الباحث الأكاديمي في معهد الدوحة للدراسات، الدكتور إبراهيم فريحات، أنّ "تشكّل هذه المبادرة هو نوع من أنواع السلام المجتمعي الذي يبنى بشكل أفقي ومن القاعدة إلى القمّة".

ويبيّن فريحات في حديثه مع TRT عربي، بأنّ الحاجة لبناء السلام المجتمعي أصبحت ضرورية في ظل غياب أو قصور الدولة من القيام بمهامها في حفظ الأمن كما هو الحال لدى فلسطينيي عام 1948، إذ تنتشر الجريمة من دون تدخّل من الدولة للحدّ منها أو السيطرة عليها.

ويضيف فريحات بأنّ "بناء السلام المجتمعي في حال نجاحه فإنّه يتّسم بالصلابة والاستمرارية لكونه محمياً من القاعدة المجتمعية نفسها، وبالتالي فإنّ تدشين مثل هذه الفاعليات وإقامتها يسهم إلى حدّ ما في التصدي لانتشار مثل هذه الجرائم، ويساعد في حماية شباب المجتمع ويوطّد الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع".

توقيت مهم للغاية

من جانبه يقول الباحث والأكاديمي التركي محمد راغب في تصريحه لـTRT عربي، إنّه "مهما كانت مثل هذه المبادرات فهي تعدُّ فاعليات رمزية، إلا أنّ توقيتها مهم للغاية، وخاصة مع تسارع الأحداث في الشارع الإسرائيلي المناهض لسياسات السلطة في تل أبيب، الذي أدّى إلى حالة من عدم الاستقرار كما نشاهد".

ويردف بالقول: "ومن ناحية أخرى فإنّ جدوى مثل هذه المؤتمرات والمبادرات تكون فعّالة، بالأخص مع تدهور النظام العالمي وتردّي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في الدول الغربية الداعمة بشكل واضح لسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، وبالتالي فإنّ استدعاء مثل هذه القضايا والاهتمام بها من النخب الفلسطينية في ظل الفوضى في العالم، تحديداً في الغرب، يعدُّ مهماً للغاية".

أما فيما يتعلّق بالموقف التركي واحتضانه لمثل هذه الفاعليات، فيوضّح راغب بأنّ ذلك "ليس غريباً، بل يتماشى مع موقف تركيا السياسي والأخلاقي، ويعطي مؤشراً إلى طبيعة السياسة الخارجية التركية، تحديداً تجاه القضية الفلسطينية، التي توليها حكومة أردوغان أهميّة بالغة".

ويضيف بأنّ "ظهور الرئيس الفلسطيني عباس وقائد المقاومة الفلسطينية "حماس" إسماعيل هنية، إلى جانب الرئيس أردوغان مؤخراً، يعطي دلالة بأنّ الموقف التركي الداعم للفلسطينيين ثابت، حتى وإن كان هناك تطبيع بين الحكومتين التركية والإسرائيلية".

وفي ختام المؤتمر قال الشيخ قره داغي: "من أجل إنجاح مساعي وجهود هذه المبادرة المهمة، فإنّنا ندعو لإقامة مؤتمر عالمي لإفشاء السلام، داخل أمتنا الإسلامية وأمتنا الإنسانية، ولكن قبل ذلك يجب أن تسبق هذا المشروع ورش عمل، تُنفذ من خلالها عدة برامج عملية، ليصبح هذا المشروع جاهزاً للظهور على مستوى العالم".

وتعكس هذه المبادرات التطلّعات نحو مستقبل أفضل مبنيّ على القيم والأخلاق والتسامح، وذلك من أجل تحقيق الإصلاح المجتمعي ونشر رسالة السلام والتعايش الإيجابي في مجتمعاتنا.

TRT عربي