رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أثناء كلمته أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي في مايو/أيار 2022 (AP)
تابعنا

يمكن لجماعات الضغط في الولايات المتحدة على اختلاف تأثيرها ونشاطها أن تلعب دوراً في التأثير على قرارات واشنطن الخارجية، وفي كثير من الأحيان يحدث ذلك عبر علاقاتها مع المشرعين الأمريكيين، كما يمكن أن تكون على هيئة جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، تبذل جهوداً في التواصل والتأثير على دوائر اتخاذ القرار والفاعلين الأمريكيين.

وترى الباحثة التركية غورلو غازار أنه "من الصعب على جميع السياسيين تقريباً، من رؤساء البلديات إلى رئيس الولايات المتحدة ذاته، أن يُنتخبوا بلا دعم مجموعات ضغط معينة". وفي عام 2021 الماضي أُنفق نحو 3.73 مليار دولار على أنشطة الضغط المختلفة عامة سواء للوبي اليوناني كانت أو اليهودي أو الهندي أو الأرمني أو غيرها.

حضور اللوبي اليوناني في العلاقات الأمريكية-التركية

يرى عديد من الخبراء أن اللوبي اليوناني في واشنطن يعد عاملاً مؤثراً بشكل سلبي في قرارات واشنطن إزاء أنقرة وهو الأمر الذي ينعكس على سياسة المحاباة التي تنتهجها واشنطن مع اليونان على حساب تركيا على الرغم من أن كليهما يعد حليفاً لها في الناتو.

على سبيل المثال، نجح اللوبي اليوناني جنباً إلى جنب مع نظيره القبرصي الرومي في إقناع واشنطن بحظر توريد الأسلحة إلى تركيا، على خلفية "عملية السلام" التي نفذتها القوات التركية في الجزيرة القبرصية عام 1974، على الرغم من أن تركيا دولة فاعلة في حلف الناتو قبل أن تدخل إليه أثينا، فإن دور جماعات الضغط كان الكفة الراجحة، حسبما يلفت "منتدى العلاقات اليونانية-التركية".

وفي الماضي القريب، كان للوبي اليوناني دوره كذلك في دفع إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب نحو فرض عقوبات على أنقرة في 2020، بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية S-400، ويتحدث إعلام تركي عن دور كبير لمجلس القيادة الأمريكية-اليونانية (HALC) جماعة الضغط البارزة في الولايات المتحدة.

بطبيعة الحال فإن الإدارة الأمريكية حينما تتخذ تلك المواقف فهي غالباً تضعها في سياق مصالحها القومية، من قبيل أن منظومة الصواريخ الروسية في تركيا قد تشكّل خطراً على مقاتلاتها F-35 على حد قول مسؤولين في البنتاغون في 2019.

وحسبما نشره مركز "ANKASAM" التركي للبحوث للكاتب الأكاديمي التركي شفق ياووز فإن اليونان لا تسعى فقط لتعطيل حصول تركيا على مقاتلات F-35 الأمريكية بل يتعدى الأمر لتعطيل حتى حصولها على مقاتلات F-16.

ويرى ياووز أن تأثير اللوبي اليوناني زاد بوضوح في عهد بايدن، ويمكن رؤية ذلك في حفل الاستقبال الذي أقامه الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض على شرف رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال زيارته إلى واشنطن في مايو/أيار الماضي.

إذ أشاد بايدن بالشتات اليوناني في خطابه الافتتاحي، كما أشاد بالنائب الديمقراطي من أصول يونانية جون سارنابس، وقال إن "والد سارنابس (أول عضو في مجلس الشيوخ من أصل يوناني) كان له تأثير هائل عليّ وتعلمت منه الكثير".

أما خطاب رئيس وزراء اليونان نفسه في الكونغرس الأمريكي، فلم يهمل "تجييش" أعضاء المجلس ضد أنقرة، إذ طالبهم بأن يأخذوا بعين الاعتبار الوضع في شرق البحر المتوسط، حين التعامل مع مسألة بيع تركيا الأسلحة (ويقصد هنا طائرات إف-16) التي أبدت الإدارة الأمريكية مرونة فيها إلى حد كبير.

فاعلية وحجم اللوبي اليوناني

يعيش في الولايات المتحدة زهاء 3 ملايين أمريكي من أصول يونانية، يشكلون مجتمعاً كبيراً يجذب اهتمام السياسيين لا سيّما في أوقات الانتخابات، وكمثال مشابه على ذلك الجالية اليهودية الأمريكية التي تقدر بنحو 7.6 مليون شخص يشكلون 2.4% من مجمل السكان، ولا شك أن العدد في المقام الأول عنصر هام من حيث تكوين نفوذ يستدعي اهتمام أعضاء الكونغرس الأمريكي.

في حين أن عدد الأتراك الأمريكيين يصل إلى 350 ألفاً فقط، ما يشكل فارقاً كبيراً من حيث الحضور والزخم.

من جانب آخر، يتجسد دور اللوبي اليوناني في المجمل من خلال 3 منافذ، الأول في مجلس الكونغرس بشقيه للتأثير على الهيئات التشريعية والتنفيذية، والثاني عبر المؤسسات والجمعيات التي تحاول التأثير على الرأي العام والإعلام والتواصل مع السياسيين وإقامة الفعاليات الدعائية لصالح السياسة اليونانية الخارجية، والثالث عبر شركات خاصة جُلّها في المجال القانوني تعمل بالأجرة لصالح اللوبي اليوناني.

اللوبي اليوناني في الكونغرس الأمريكي

حسب بيانات منظّمة "المجلس اليوناني-الأمريكي" (The American Hellenic Council) فإن مجلس النواب الأمريكي يضم 6 نواب من أصول يونانية يعملون لصالح أجندة أثينا في قبرص وشرق المتوسط وهم النائب الجمهوري غوس بيليراكيس والنائب الديمقراطي تشارلي كريست (غادر المنصب في أغسطس/آب 2022)، والنائب الديمقراطي كريستوفر تشارلز باباس (الذي برز اسمه من خلال الضغط على إدارة بايدن لمنع طائرات F-16 إلى تركيا، وتولى زمام المبادرة في مجلس النواب للتأثير على عدم تمرير هذه الصفقة "دون جدوى"، وعبر عن قلقه "العميق" بشأن دعم بايدن بيع المقاتلات إلى تركيا)، والنائب الديمقراطي جون سارنابس (الذي أشاد بايدن بوالده وتعلّم منه)، والنائبة الديمقراطية دينا تيتوس، والنائبة الجمهورية نيكول ماليوتاكيس.

أما مجلس الشيوخ فيضم السيناتور الديمقراطي مايكل جياناريس والسيناتور الديمقراطي أندرو جونارديس والسيناتور الديمقراطي ليونيداس رابتاكيس والسيناتور الديمقراطي جيمس سكوفيس.

بالطبع توجد أسماء أخرى فاعلة خارج مجلسي النواب والشيوخ، تعمل في المجالس المحلية للولايات أو حتى في السلك القضائي وما شابه. مثل الديمقراطية أرافيلا سيموتاس العضو في مجلس ولاية نيويورك، والديمقراطية إيليني كونالاكيس نائبة حاكم كاليفورنيا، والديمقراطية كاثي ماكجينيس التي شغلت منصب مدقق حسابات ولاية ديلاوير قبل أن تستقيل في يوليو/تموز 2022 بعد تهم فساد. كذلك الديمقراطية هيلين فوتسيناس التي شغلت منصب قاضية في المحكمة العليا بنيويورك قبل أن تغادر مؤخراً.

كذلك السفير الأمريكي في أثينا، جورج ج. تسونيس، وهو من أصول يونانية، وأحد مؤسسي "مجلس القيادة الأمريكي-اليوناني" وهو مؤسسة بارزة في اللوبي اليوناني بأمريكا، ويرسخ جهوده للعمل لصالح أثينا وسياساتها الخارجية.

إضافة إلى ما سبق، ربما يبدو عدد الأمريكيين من أصول يونانية في مجلس الكونغرس ضئيلاً، فنحن نتحدث عن 6 فقط في مجلس النواب الذي يضم 435 عضواً، و4 سيناتورات في مجلس الشيوخ الذي يصل إلى 100 عضو، إلا أن هذا العدد كبير في الحقيقة لأنه يمثل أقلية داخل مجتمع أمريكي كبير متعدد الجنسيات، إلى جانب تأثير هؤلاء النواب على أقرانهم في الحزب الواحد سواء عبر دعاية أيديولوجية أو تعاون بين الأقليات مثل التواصل "الحميم" بين اللوبي اليوناني واليهودي.

في هذا السياق، نجد المجلس اليوناني-الأمريكي يفرد مساحة عبر موقعه الإلكتروني ليشير إلى دعم 6 أعضاء في الكونغرس وصفهم بـ"البارزين" على رأسهم السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز (من أصول كوبية)، وهو عنصر أساسي في اللوبي اليوناني، ويشير الباحث التركي عمر أوزقيزيلجيك إلى أن تحرش أثينا بالمقاتلات التركية في سبتمبر/أيلول الماضي جاء مباشرة بعد زيارة أجراها مينينديز إلى اليونان.

إضافة إلى كل من السيناتور الجمهوري ماركو روبيو (من أصول كوبية)، والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين (أمريكي)، والنائب الديمقراطي ديفيد سيسلين (من أم يهودية)، ورئيس لجنة التأديب بمجلس النواب تيد دوتش (يهودي من أصول روسية من الحزب الديمقراطي)، ورئيسة لجنة الرقابة بمجلس النواب كارولين مالوني (أمريكية من الحزب الديمقراطي).

مثلاً، يشيد المجلس اليوناني-الأمريكي عبر موقعه الإلكتروني وفي مناسباته، بشخصيات من مجلس النواب والشيوخ لدعمها اللوبي اليوناني وقضيته، وخصّ منهم 6 شخصيات ذكرهم بأسماء ومناصبهم "النافذة" في الواقع وهم: السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز (من أصول كوبية)، وهو عنصر أساسي في اللوبي اليوناني، ويشير الباحث التركي عمر أوزقيزيلجيك إلى أن تحرش أثينا بالمقاتلات التركية في سبتمبر الماضي جاء مباشرة بعد زيارة أجراها مينينديز إلى اليونان، والسيناتور الجمهوري، والسيناتور ماركو روبيو (من أصول كوبية)، والسيناتور الديمقراطي كريس فان هولين (أمريكي)، والنائب الديمقراطي ديفيد سيسلين (من أم يهودية) وهو رئيس لجنة التأديب بمجلس النواب تيد دوتش (يهودي من أصول روسية من الحزب الديمقراطي) ورئيسة لجنة الرقابة بمجلس النواب كارولين مالوني (أمريكية من الحزب الديمقراطي)

كما عمل النائب الديمقراطي ورئيس لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب، فرانك بالوني (من أصول إيطالية) مع النائب الأمريكي اليوناني تشارلز باباس داخل الكونغرس لمنع بيع مقاتلات F-16 إلى تركيا، واستطاعا إقناع 30 نائباً بالتوقيع على مشروع قرار يطالب بايدن بعدم بيع تركيا المقاتلات. وحين النظر إلى قائمة الموقعين، يلاحَظ أن بعضهم من أصول يونانية، والباقي متأثر بطريقة ما بالشتات اليوناني الذي يشكّل عاملاً مهماً لهؤلاء النواب في جذب أصوات الناخبين.

الجمعيات والمؤسسات التابعة للوبي اليوناني

في واشنطن عديد من المؤسسات غير الحكومية الداعمة للوبي اليوناني يمكن أن نذكر منها:

أولاً. مجلس القيادة الأمريكية-اليونانية (The Hellenic American Leadership Council) والذي كان له دور في التأثير على قرار منع بيع تركيا طائرات F-16، وأعرب عن سعادته بالعقوبات ضد أنقرة بسبب شرائها منظومة صواريخ S-400 الروسية. وهي تحاول منع توريد مقاتلات F-16 كذلك إلى تركيا.

ثانياً. "الرابطة اليونانية الهيلينية التعليمية"، وهي أقدم منظمة يونانية-أمريكية في الولايات المتحدة.

ثالثاً. المجلس الهيليني الأمريكي في كاليفورنيا (American Hellenic Council of California).

رابعاً. الرابطة الأمريكية التقدمية للتربية الهيلينية (American Hellenic Educational Progressive Association).

خامساً. المعهد الهيليني-الأمريكي (American Hellenic Institute)، وهو معهد يدير محامين وشركات علاقات عامة وجماعات ضغط "محترفين" للعمل لصالح الحكومة اليونانية في أثينا.

وأرسل رسالة بتاريخ 29 سبتمبر المنصرم إلى الرئيس بايدن، يطالب فيها "بردٍّ قاسٍ" على تصريحات تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان المتعلقة باليونان. وأضافت الرسالة التي وقعها رئيس المعهد نيك لاريجاكيس، أنه "توجد حاجة إلى أن تحاسب الحكومة الأمريكية الرئيس أردوغان والحكومة التركية قبل أن يخرج الأمر عن السيطرة".

سادساً. الاتحاد الهيليني-الأمريكي (Hellenic American Union Theater)،

ومن الجدير بالذكر التعاون بين المؤسسات اليونانية واليهودية والذي يبرز بشكل واضح، مثل التحالف اليوناني-الإسرائيلي في الكونغرس (CHIA)، الذي تأسس في عام 2012، وهو عبارة عن مجموعة ضغط تهدف إلى التأثير على آراء أعضاء الكونجرس خاصة تجاه شرق البحر المتوسط ​​وتركيا، وفق الباحثة التركية غورلو غازار.

TRT عربي