الثورة التونسية انطلقت عام 2011 (AA)
تابعنا

تغيب الاحتفالات هذه السنة عن الشارع التونسي، لإحياء الذكرى الحادية عشرة لاندلاع الثورة التونسية، ملهمة ومفجرة الثورات في بقية بلدان المنطقة، وهرب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي خارج البلاد. وتتصاعد في المقابل الدعوات إلى التظاهر والاحتجاج، ضدّ ما يصفه كثيرون بـ"الانقلاب" الذي نفّذه الرئيس التونسي قيس سعيد، للانفراد بالحكم، ووأد مكتسبات الثورة.

فبعد أن كان يتطلع الرأي العامّ الدولي إليها باعتبارها الثورة الوحيدة الناجية في المنطقة، ويراقب كثيرون من كثب، تجربة الانتقال الديمقراطي الوليدة في تونس، تواجه الثورة التونسية اليوم بعد مرور أكثر من عقد، أسوأ منعرجاتها.

ويتخوف في ذلك التونسيون من أن تُطوَى صفحتها نهائياً ويخسروا بالتالي ما نجحوا في تحقيقه، فيما يسود في المقابل الاستياءُ طيفاً واسعاً من الشعب التونسي، يرى أن آماله في ما بعد الثورة قد خابت، وأن سقف توقعاته فيها قد هوى.

انتكاسة لمناخ الحريات

يُعَدّ السؤال عن "مكتسبات الثورة" من أهمّ الأسئلة التي يطرحها التونسيون كل سنة، مع مرور ذكرى اندلاعها.

ويكاد يتفق الجميع في تونس اليوم على أن ازدهار مناخ الحريات، يُعتبر أهمّ هذه المكتسبات، على الرغم من التهديدات التي أصبحت تواجهها خلال الفترة الأخيرة، بخاصة منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز الماضي.

إذ شهد الشارع التونسي عودة الاعتقالات للناشطين والمدونين والسياسيين، وأحيلَ بعضهم إلى المحاكمات العسكرية بسبب تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي معارضة لسياسات السلطة.

وكان من أبرز هذه الحوادث إصدار السلطات مؤخراً مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي، على خلفية تصريحات له حول "إفشال عقد القمة الفرنكوفونية في تونس"، وشبّهها آنذاك المرزوقي، بالعودة إلى نظام الاستبداد الذي كان الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي يصفي فيه خصومه بذات الطريقة.

ولم تمرّ فترة قصيرة على ذلك حتى اختطفت الأجهزة الأمنية أيضاً النائب في البرلمان عن حركة النهضة ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، ووضعته قيد الإقامة الجبرية، في خطوة اعتبرها مختصون وسياسيون خرقاً قانونياً جسيماً وانتهاكاً لحقوق الإنسان، وأدانتها بدورها حركة النهضة باعتبارها "سابقة خطيرة تنبئ بدخول البلاد في نفق الاستبداد وتصفية الخصوم السياسيين خارج إطار القانون من طرف منظومة الانقلاب".

وتُعَدّ هذه الاعتقالات حلقة من سلسلة طويلة من الاعتقالات شهدتها الساحة السياسية التونسية مؤخراً، وشملت عديداً من النواب والمعارضين، من بينهم رئيس حركة "أمل وعمل" ونائبها بالبرلمان ياسين العياري، ونواب من كتلة "ائتلاف الكرامة" هم سيف الدين مخلوف ونضال سعودي ومحمد العفاس وعبد اللطيف العلوي، وغيرهم كثير.

كما يتخوف الناشطون في السياق ذاته من عودة "دولة البوليس" التي لم تتمكن في الواقع ثورة 2011 من القطع معها نهائياً، إذ سجّل الشارع التونسي خلال الاحتجاجات والتحركات الأخيرة عديداً من حوادث العنف والاعتداء التي نفّذها أعوان المؤسسات الأمنية غير العسكرية حسب معارضين، والتي أنهى بعضها حياة كثيرين، بلا رادع قانوني حقيقي. ورأى محللون أن ذلك نتيجة حتمية وتراكمية لعقود طويلة من سطوة القبضة الأمنية على المجتمع والدولة.

أزمة اقتصادية غير مسبوقة

إلى جانب المطالبة بالحرية، رفع التونسيون في بداية اندلاع الثورة، شعار الكرامة والعدالة الاجتماعية، وطالبوا بحقّهم في التوظيف وتقليص البطالة. وكانت آنذاك المطالب الاجتماعية المحرك الأساسي ووقود ثورة 2011.

واليوم بعد مرور 11 عاماً على قيامها، يعيش التونسيون أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وعجزاً مالياً بلغ نحو 11.5% بنهاية عام 2020، إضافة إلى انكماش للاقتصاد بنسبة 8.8%، وتحتاج بذلك البلاد إلى اقتراض نحو 7.2 مليار دولار، بينها نحو 5 مليارات في شكل قروض خارجية.

وبينما تطوق هذه الأزمة البلاد وتشدّد الخناق على التونسيين، دخلت تونس عزلة على مستوى المؤسسات الدولية والدول المانحة، بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي زاد الوضع سوءاً.

وأمام المطالبات الشديدة بإيجاد حلول عاجلة، ومع تنامي الغضب والاحتقان الشعبي، أصدرت الحكومة التونسية قانوناً جديداً لميزانية 2022، ضاعف أعباء الشعب التونسي وأثقل كاهله بمزيد من الإجراءات والضرائب لسدّ عجز البلاد الاقتصادي، بعد أن فشلت الدولة في استمالة صندوق النقد الدولي للجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد.

انقلاب على الثورة أم تصحيح مسار؟

يرى التونسيون أن الازمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد والانتكاسات الشديدة لمكتسبات الثورة، نتيجة حتمية لأزمة سياسية حادَّة بين الفاعلين السياسيين ومؤسسات الحكم.

فإن كانت الثورة التونسية تمكنت من النجاة من محاولات الإجهاض العديدة الداخلية والخارجية، طوال السنوات الماضية، فإنها تجد نفسها اليوم في تَحدٍّ حقيقي لا يعرف ما إذا كانت ستصمد كثيراً أمامه.

فبعد الصدام والصراع الذي دام أشهراً بين مؤسسات الحكم في تونس، تَمكَّن قيس سعيد أخيراً، منتهزاً الغضب الشعبي على الطبقة السياسية، من إعلان إجراءاته الاستثنائية التي حلّ بموجبها الحكومة وجمّد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه.

ورغم غضب وتنديد الأحزاب السياسية والناشطين لما وسموه بالانقلاب الدستوري، فإن ذلك لم يثنِ الرئيس التونسي عن المضي قدماً والتمسك بقراراته، حتى إنه أعلن نيته تغيير نظام الحكم وتعليق العمل بدستور 2014, إحدى أهمّ ثمار الثورة التونسية.

ولم تلقَ قرارات سعيد وإفصاحه عن نياته السياسية ترحيباً من طيف واسع من الشعب التونسي، معتبرين ذلك مسماراً إضافياً يُدَقّ في نعش الثورة.

وعلى ضوء هذه الأزمات المتلاحقة، وتجنُّباً للمنزلق الخطير الذي يمكن أن يطوي صفحة ثورة 2011, حسب رأيهم، دعت الأحزاب السياسية التونسية، على غرار حركة النهضة والحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي وغيرها، إضافة إلى مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب", إلى التظاهر ضد "الانقلاب"، اليوم الجمعة الموافق للذكرى 11 لهرب بن علي وقيام الثورة التونسية.

وكانت السلطات التونسية منعت قبل أيامٍ التجمعات وحظرت التجوال وعلّقَت صلاة الجمعة، في إطار إجراءات كورونا. واعتبر ناشطون ذلك خطوة مسيَّسة لإفشال التظاهرات ضدّ الرئيس التونسي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً