تحاول الصين أن تكون حليفا موثوقاً لدول الخليج بدل أمريكا (Others)
تابعنا

في وقت اشتدّ فيه التنافس المحموم بين الولايات المتحدة والصين على عدة جبهات، أعلنت بيكين، في حدث لافت، استضافتها رسمياً، عدداً من وزراء خارجية بعض الدول الخليجية، التي تُعَدّ حليفاً تقليدياً لواشنطن، ابتداءً من يوم الاثنين 10 يناير/كانون الثاني الجاري، طوال خمسة أيام.

وبينما لم يُكشف بعد عن أجندة الزيارة، يرجح العديد من الآراء سعي الطرفين إلى مزيد من تطوير وتثمين العلاقات الاقتصادية بينهما، بخاصة أن الزيارة تزامنت مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط.

كما أشارت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية بدورها إلى أن "هذه الزيارة قد تساهم في إحراز تقدم في المناقشات حول اتفاق التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي".

ويتساءل في هذه الأثناء مراقبون، عما إذا كانت الصين ستكون بالنسبة إلى دول الخليج، في موقع البديل المحتمل للولايات المتحدة، وما إذا كان التعاون سيقتصر على المجال الاقتصادي، أو سيشهد الجميع توسعاً كذلك في الدور الأمني للصين في المنطقة، بخاصة مع تراجع الوجود الأمريكي فيها.

التقارب الصيني-الخليجي

أعلن بيان وزارة الخارجية الصينية مؤخراً، زيارة وفد خليجي مكوَّن من وزراء خارجية السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العامّ لمجلس التعاون الخليجي، العاصمة بيكين يوم الاثنين 10 يناير/كانون الثاني الجاري، تلبيةً لدعوة وزير الخارجية الصيني وانغ يي.

تعليقاً على الزيارة قال وانغ وينبين، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية خلال مؤتمر صحفي: "تأمل بكين أن تؤدّي الزيارة إلى تعزيز العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، أن تسمح للحوار والتعاون بين الجانبين بأن يكون مثمراً أكثر".

وأضاف: "نحن مستعدون للعمل الجادّ مع كل دول مجلس التعاون الخليجي لضمان تنميتنا المشتركة".

وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، نفّذ خلال شهر مارس/آذار 2021 جولة في الشرق الأوسط، انتهت حينها بتوقيع اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" مع إيران، وتنصّ على التعاون بين البلدين لمدة 25 عاماً، في الأنشطة الاقتصادية، كالنفط والتعدين، إضافة إلى تعزيز النشاط الصناعي في إيران، والتعاون في مجال النقل والزراعة.

وفي ظلّ هذه التطورات، وبينما تحولت الصين بذلك إلى ضامن لأمن إيران وتنميتها، تنامى في هذه الأثناء قلق ومخاوف بعض العواصم الخليجية، وقررت في المقابل تطوير علاقتها أيضاً مع بيكين، لإحداث نوع من التوازن الاستراتيجي في المنطقة، بخاصة في ظل تراجع الوجود الأمريكي هناك، وتشكيك البلدان الخليجية في مدى التزام الولايات المتحدة الدفاع عنها ضد أي هجوم محتمل لإيران، كما أشار إلى ذلك خبراء ومحللون.

ولا يبدو أن هذا التقارب أحادي الجانب، بل هو سباق من الطرفين، فالصين تسعى أيضاً من جانبها إلى تطوير علاقاتها مع دول الخليج، وبالتالي إحداث اختراق في منطقة النفوذ التقليدية للولايات المتحدة، وتعزيز وجودها وتثمين دورها بما يضمن مصالحها الاستراتيجية.

في سياق متصل، ووفق ما أشار إليه عديد من التقارير، تُعَدّ بيكين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، ولا تزال إلى اليوم بحاجة إلى كميات ضخمة من إمدادات النفط والغاز من دول الخليج، لتغطي نحو 60% من احتياجاتها.

لذلك، ومع الارتفاع الذي سجّلَته أسعار مصادر الطاقة خلال الأشهر الأخيرة، وتنامي الطلب العالمي عليها، أصبحت الصين تشعر بالقلق إزاء إمداداتها، ويبدو أن تطوير العلاقات مع دول الخليج سيكون الحلّ الأمثل لرفد اقتصاد التنين الصيني، كما يوضخ خبراء ومحللون.

ولا تُعتبر المحادثات الأخيرة والحراك الدبلوماسي اللافت، الأولى في سلسلة التقارب الصيني الخليجي، فقد أبرمت هذه البلدان عديداً من الشركات التجارية والاقتصادية طوال السنوات الماضية، وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، تَعهَّد بدوره عام 2014، بمضاعفة المبادلات التجارية مع منطقة الخليج بحلول العام 2023.

وتُعَدّ الصين اليوم ثاني أكبر شريك تجاري لعدد من العواصم الخليجية، بحجم تبادل تجاري بلغ مع السعودية 63.3 مليار دولار عام 2021، وناهز حدود 46.1 مليار دولار مع الإمارات، ونحو 18.6 مليار دولار مع الكويت.

كما انضمّ عدد من البلدان الخليجية إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تبلغ مخططاتها الإجمالية ترليون دولار، واستثمر بعضها في الصندوق السيادي الصيني بعشرات المليارات من الدولارات.

هل يتراجع النفوذ الأمريكي؟

بينما تسعى الصين لتعميق وجودها في منطقة الخليج عبر البوابة الاقتصادية، ولا يُعَدّ الجانب الأمني في ذلك مستبعَداً، يتراجع الدور الأمريكي هناك لصالح تعزيز النفوذ الصيني في آسيا.

في هذه الأثناء تجد الدول الخليجية نفسها في معادلة صعبة، إذ لا تزال في حاجة إلى الغطاء الأمني الأمريكي لحمايتها من التهديدات الخارجية التي تواجهها. وانطلاقاً من هذا المبدأ يرجّح الخبراء والمحللون أنه قد يكون من المستبعد قليلاً أن يطغى النفوذ الصيني على النفوذ الأمريكي.

وعلى الرغم من التحالف التقليدي بينها على عدة مستويات، رسمت الولايات المتحدة منذ تولي جو بايدن الحكم، توجُّهاً سياسياً أكثر انكفاءً مع بلدان الشرق الأوسط، وبدأت تنسحب تدريجياً، وذلك بسبب التكلفة المادية الباهظة التي تكبدتها الولايات المتحدة طوال عقود في المنطقة.

لكن ذلك لم يمنع من إبداء انزعاجها من بداية التوسع الصيني في منطقة نفوذها، بخاصة مع اكتشافها بناء منشأة عسكرية صينية بميناء في الإمارات.

كذلك يؤكد خبراء ومحللون أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تدير ظهرها للدول الغنية بالنفط الذي لا يزال عصب الحياة للنمو الاقتصادي للعديد من حلفاء أميركا وخصومها على حدٍّ سواء. ولا تزال الدول الخليجية بدورها في حاجة إلى الشراكة والدعم الأمريكي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً