تابعنا
خلف أبواب مغلقة استمر اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لعدة ساعات، كشفت عقبها تصريحات إعلامية عن مناقشة اللقاء الذي وصف بالقمة التاريخية لأهم القضايا العالقة بين البلدين.

برغبة مشتركة في الوصول إلى اتفاق وتقارب في وجهات النظر، أنهى الرئيسان الأمريكي والروسي لقاءهما في مدينة جينيف السويسرية يوم الأربعاء 16 يونيو/حزيران، معبرين عن ارتياحهما لما أحرزته المحادثات بين الطرفين من تقدم. معتبرين أن اللقاء كان إيجابياً وجيداً.

وتباحثت الثنائية عدة قضايا شائكة، كان أهمها مناقشة الاستقرار الاستراتيجي، والأمن السيبراني والعلاقات التجارية، والأمن الإقليمي. إلا أنه نظراً لأهمية الملف وخطورته على الأمن والسيادة الوطنية الأمريكية، طرحت قضية الأمن السيبراني على رأس قائمة جدول الأعمال بين الرئيسين.

وعقب اللقاء قال بايدن خلال مؤتمر صحفي في تعليقه عن الملف، بأنه حذّر بوتين من ردّ "غير متسامح" عن أي تدخل محتمل في انتخابات أمريكية، مشدداً من أن تطال أي هجمات إلكترونية روسية في المستقبل بنى تحتية أمريكية حساسة.

وأشار إلى أنه اتفق مع نظيره الروسي على مطالبة الخبراء بالعمل على تفاهمات محددة حول ما هو "خارج الحدود" في ملف المعلوماتية.

إلا أن بوتين استمر في نفيه لاتهامات الاختراق والقرصنة التي نسب لروسيا منذ عام 2020 بشكل واضح، معتبراً أن غالبية الهجمات الإلكترونية حول العالم منشأها في الحقيقة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن روسيا ليست من البلدان التي تعتبر مصدراً رئيسياً للهجمات الإلكترونية.

وبذلك تستمر مخاوف الولايات المتحدة من الاختراقات المعلوماتية المتواصلة والتي لم تستثن أي قطاع، وتعتبرها سلاح روسيا غير المعلن في إدارة حربها الباردة.

السلاح السيبراني الروسي

باتت اليوم الحروب السيبرانية موازية للحروب التقليدية وبديلاً عنها في بعض الأحيان، وهي حروب غير معلنة تخوضها الدول ضد بعضها البعض، وتهدد سلامتها وأمنها وتزعزع استقرارها.

وفي هذا السياق جرى مؤخراً في 7 مايو/أيار الماضي إغلاق أكبر خط أنابيب للوقود في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على خلفية اختراق نفذته مجموعة من القراصنة بأوروبا الشرقية تدعى Darkside ويقف وراءها مجموعة من المخضرمين الروس، وفق ما أعلن عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI .

ويغذي خط الأنابيب الذي أغلق، عدة ولايات جنوب وشرق الولايات المتحدة، ويوفر الوقود لقرابة 50 مليون أمريكي، كما ينقل يومياً حوالي 2.5 مليون برميل من البنزين والديزل ووقود الطائرات وزيوت التدفئة المنزلية. وبالتالي فإن ذلك شكل خسارة اقتصادية في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة تخطي تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الأمريكي.

وطالب القراصنة مقابل فك تشفير البيانات على الأنظمة والأجهزة التي أصبحت في حالة شلل تام، بدفع فدية مالية ضخمة، أو أنهم سيقومون بتسريب كافة بيانات الشركة. واعتبر هذا الاختراق أكبر هجوم إلكتروني على البنية التحتية للطاقة في أمريكا، ستستمر آثاره وتداعياته لفترة طويلة قادمة.

وفي وقت سابق من عام 2020، ضمن أكبر عملية اختراق، هزت الولايات المتحدة، جرى تتبع اختراق وقرصنة لأكثر من 40 وكالة حكومية أمريكية وغير حكومية وشركات تكنولوجية ومراكز أبحاث ضمن عملية SolarWinds.

وأدت التحقيقات الأمنية بعد ذلك إلى الكشف عن تورط 6 شركات تكنولوجية وشخصيات وكيانات ترتبط بجهاز الاستخبارات الروسي في الخارج، تحاول التدخل في الانتخابات الأمريكية، في انتهاك للسيادة الوطنية الأمريكية.

في الوقت ذاته استمرت التحقيقات في ظل ادعاءات وترجيح استخباراتي لضلوع أطراف روسية في التأثير والتوجيه خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2016، واتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI قرابة 13 شخصاً قاموا بالتزوير الإلكتروني.

وفي هذا السياق قال مسؤولون استخباراتيون أمريكيون بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سمح على الأرجح بمحاولات للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام، لصالح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

بذلك يبدو أن حرب المعلومات التي لايزال الجانب الروسي يستمر في إنكار تورطه فيها، لم تقتصر على مجرد الجوسسة وسرقة البيانات، واختراق البنية العسكرية والتكنولوجية فقط، بل تعدت ذلك إلى قرصنة واختراق البنية المدنية الحيوية، ما يتسبب في إلحاق أضرار فادحة.

حرب باردة أمريكية-روسية

بمجرد وصوله إلى الحكم فرض الرئيس الأمريكي جو بايدن حزمة من العقوبات على روسيا لاتهامها بمحاولة التدخل في الانتخابات الأمريكية.

فأصدرت الإدارة الأمريكية قراراً بطرد 10 دبلوماسيين وضباط استخبارات من السفارة الروسية في واشنطن.

كما شملت العقوبات أيضاً 6 شركات تكنولوجية تورطت في الاختراق للمؤسسات والمرافق الأمريكية سنة 2020، و نحو 32 شخصاً ومنظمة وجهت إليهم تهم بالتدخل في الانتخابات الأمريكية.

من جانبها قامت موسكو بالرد على العقوبات الأمريكية بطرد دبلوماسيين أمريكيين من روسيا. فاتجهت العلاقات بين البلدين نحو مزيد من التوتر والتعقيد.

ورغم الاتهام المتواصل، وما أماطت اللثام عنه تحقيقات وكالة الاستخبارات الأمريكية من حقائق حول تورط روسيا في الاختراقات السيبرانية والتي يرجح أنها مستمرة إلى اليوم وتتغاضى عنها وتدعمها، استمرت موسكو بالنفي دائماً معتبرة أنها مجرد مزاعم ومعلومات مضللة.

وبالرجوع إلى قضية اتهام أشخاص يتبعون جهاز الاستخبارات الروسي، بالتزوير الإلكتروني والتدخل في الانتخابات، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية حينها قائلة : "13 مواطناً روسيّاً، حسب الخارجية الأمريكية، 13 شخصاً ضد أجهزة أمن ميزانيتها مليارات الدولارات ضد وكالات التجسس ومكافحة التجسس، ضد أنظمة التكنولوجيا المتطورة؟ هذا أمر سخيف، نعم سخيف".

وبذلك، ورغم ما تحظى به بقية الملفات العالقة بين البلدين من أهمية، اعتبر ملف الأمن السيبراني هاجساً أمنياً مُلحاً للولايات المتحدة، ومحدداً مهماً لمسار العلاقات بين البلدين، شدد عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اللقاء الأخير.

TRT عربي