تابعنا
تزامناً مع الزلزال الأخير الذي ضرب ولاية قهرمان مرعش وعدة ولايات جنوبي تركيا وراح ضحيته آلاف، انتشر كثير من الإشاعات والتنبؤات غير العلمية حول زلازل وهزات أرضية قادمة، وجدت هذه الإشاعات في شبكات التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة لانتشارها.

على الرغم من امتلاك الإنسان تكنولوجيا حديثة سمحت له بالتنبؤ بدقة بالكوارث الطبيعية مثل تلك المرتبطة بتغير المناخ كالسيول والفيضانات والأعاصير، والاستفادة من هذه التنبؤات في تقليل الخسائر البشرية والاقتصادية المرتبطة بهذه الكوارث، فإن الزلازل لا تزال بعيدة عن التنبؤات الدقيقة للعلماء، سواء من حيث موعد حدوثها أو قوتها أو مدى أضرارها.

والزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض، يحدث فجأة بلا سابق إنذار بسبب تَحرُّك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاطٍ بركاني، ويمكن أن تقع الزلازل في أي وقت وفي أي مكان، وقد تؤدي إلى أعداد كبيرة من الوفيات نتيجة انهيار المباني والهياكل الإنشائية، بالإضافة إلى تلف الممتلكات وتعطيل سبل الحياة وفقدان أعداد كبيرة من السكان مأواهم، كما قد ترافق الزلازل كوارث أخرى كالفيضانات وموجات تسونامي والانزلاقات الأرضية والحرائق.

هل يمكن التنبؤ بالزلازل؟

تزامناً مع الزلزال الأخير الذي ضرب ولاية قهرمان مرعش وعدة ولايات جنوبي تركيا وراح ضحيته آلاف، ووصلت آثاره المدمرة إلى عدة مناطق شمال ووسط سوريا، انتشر كثير من الإشاعات والتنبؤات غير العلمية حول زلازل وهزات أرضية قادمة، وجدت هذه الإشاعات في شبكات التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة لانتشارها.

وتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة مثيرة للجدل نشرها فرانك هوغيربيتس الذي يعرّف عن نفسه على أنه خبير هولندي وباحث في شؤون الزلازل، في الثالث من فبراير/شباط الحالي، أي قبل ثلاثة أيام من وقوع الكارثة، كتب فيها: "عاجلاً أو آجلاً سيقع زلزال بقوة 7.5 درجة في منطقة جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان"، وزعم في تغريدة لاحقة بعد وقوع الزلزال أنه استند إلى "هندسة كوكبية حساسة".

وعلى الرغم من حصول ما توقعه فإن المختصين يرون أنها لا تتعدى مجرد مصادفة وأنه لا آلية دقيقة حتى الآن للتنبؤ بشدة وموعد ومكان وقوع الزلازل، وهو ما سنوضحه في هذه السطور من خلال استعراض عدة آليات للتنبؤ المبكّر عن الزلازل مثل تحليل البيانات والأحداث التاريخية، ورصد بعض المتغيرات البيئية التي قد ترافق الزلازل، والتقاط الإشارات الأولية الصادرة عن حركة الصخور تحت سطح الأرض، واستخدام تقنيات الذكاء الصناعي في هذا المجال.

ولم تتمكن جهود العلماء حتى الآن من إصدار تحذير مسبق حول وقت محدَّد ومكان محدَّد لوقوع الزلزال بحيث يسمح بإخلاء منظم للأماكن المعرضة للخطر، ومع ذلك يمكن لعلماء الزلازل تقدير المكان المحتمَل أن تضربه الزلازل من خلال حساب الاحتمالات والتنبؤات على طول مناطق الصدع المعروفة، إذ إن الأماكن ذات المعدل التاريخي المرتفع بالنشاط الزلزالي، يزداد فيها احتمال وقوع زلزال لاحق خلال سنوات مقبلة بنسبة يمكن أن نكون مرتفعة للغاية.

وللتنبؤ بحدوث زلزال نحتاج إلى إشارات أولية لا لبس فيها، وقد لاحظ العلماء قبل الزلازل بعض التغيرات في البيئة، مثل زيادة تركيزات غاز الرادون، والتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي، والتشوهات الأرضية القابلة للقياس، والتغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية، وحتى السلوك الحيواني غير المعتاد في اللحظات التي سبقت وقوع زلزال كبير.

لكنّ كلّاً من الظواهر المذكورة أعلاه لا تشكل دليلاً قاطعاً على حدوث زلزال كبير، إذ إنها لسوء الحظ تحدث بلا انتظام، وفي بعض الحالات كانت الزلازل مسبوقة بتغيُّر واحد فقط من هذه التغيرات، وفي عديد من الحالات الأخرى لم يلاحَظ أيّ تغيرات معينة على الإطلاق، على الرغم من وقوع زلزال كارثي بعد ذلك.

تقنيات وأنظمة الإنذار المبكر

تعمل أجهزة الإنذار المبكر للزلازل على دراسة إشارة الموجة الاهتزازية الأولى الناتجة عن الزلازل، إذ تنقسم الموجة الزلزالية إلى قسمين: الموجة الأولية "P" سريعة الانتشار، والموجة الاهتزازية "S" الأقل في سرعة الانتشار لكنها تحمل معظم طاقة الزلزال.

ويسعى العلماء لالتقاط الموجات الاهتزازية الأولية "P" وإرسال إشارات تحذيرية على أساسها قبل مدة يمكن أن تكون كافية لاتخاذ إجراءات إخلاء سريعة والابتعاد عن موقع الخطر.

كما وجد العلماء أن الموجات الزلزالية تحفز اضطرابات الجاذبية التي تنتشر إشاراتها بسرعة الضوء، وبالتالي يمكن أن تصل إلى المحطات البعيدة في وقت أبكر من أسرع موجة "P"، تسمى هذه الإشارات "الإشارات السريعة للجاذبية المرنة (PEGS)، إذ يمكن للعلماء الاعتماد عليها في استنتاج آلية وشدة ومدة الزلازل المدمرة.

ويمكن لأنظمة الإنذار المبكر استشعار الإشارات الأولى وإعلام الأشخاص بها على مسافة بعيدة، يمكن لهذه الثواني القليلة أن تمنحهم فرصة للنجاة بأنفسهم، لكن التحديد الدقيق لمكان وموعد الزلزال قبل وقت أطول لا يزال هدفاً لم نبلغه بعد.

لذلك فإن الإنذار المبكر يعني التحذير قبل وصول الموجة المدمرة لزلزال قائم، لا التنبؤ بزلزال غير موجود.

ونجح باحثون من المختبر الأمريكي في لوس ألاموس في تحليل الموجات الصوتية والزلزالية الناتجة عن حركة الصفائح التكتونية، باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي وتقنية تعلم الآلة في عملية محاكاة مخبرية للتنبؤ بحدوث الزلازل، وتوفر المحاكاة مساراً محتملاً للتنبؤ على المدى القريب بتوقيت الزلزال على الأرض، مع هامش خطأ بسيط.

الإنذار المبكّر عن الزلازل في تركيا

في الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة ولاية دوزجة شمال غربي تركيا وشعر به سكان مدينة إسطنبول والولايات المجاورة.

وجاء هذا الزلزال ليعيد ذكرى أليمة شهدتها الولاية ذاتها قبل 23 عاماً، تحديداً في 12 نوفمبر 1999، إذ تَعرَّضَت المنطقة حينها لزلزال بقوة 7.2 درجة أودى بحياة مئات الأشخاص وخلّف آلاف الجرحى.

وتمكنت مؤسسة تكنو بارك التابعة لجامعة يلدز التقنية بإسطنبول من تطوير نظام ذكي للتنبؤ بالزلازل قبل وقوعها، يتنبأ بحجم وأضرار الزلزال المحتملة من خلال محطات الإنذار المبكر.

ونجح نظام "EDIS" الذي طورته الجامعة في التنبؤ بزلزال دوزجة الأخير قبل 20 ثانية من وقوعه، ويعتمد هذا النظام على رصد الموجات القادمة من محطات الإنذار المبكر على عمق 50 سم تحت سطح الأرض، والتي تقع في كل من إسطنبول ويالوا وحوض بحر مرمرة، كما يمكن للنظام إرسال إشارات تحذيرية مباشرة إلى مستخدميه.

وتمتلك تركيا منذ عام 2002 نظاماً للإنذار المبكر عن الزلازل أنشأه مرصد ومعهد أبحاث الزلازل "قنديلي" التابع لجامعة بوغازيتشي، بهدف الاستجابة لحالات الطوارئ.

ويشير مدير المرصد الدكتور خلوق أوزنر إلى أن بعض شركات التكنولوجيا يمكن أن يوفّر إنذاراً مبكراً بشأن الزلزال، من خلال مستشعرات الحركة والاهتزاز في الهواتف المحمولة، ولكن يجب تحديد ذلك من خلال تشريعات معينة. ويضيف أنه ليس ضروريّاً أن يكون هذا الأمر صائباً، لأن من المهمّ جدّاً معرفة كيفية مشاركة الإنذار المبكر مع المجتمع، لتجنب حالات الذعر. ويستطرد، لكن نظام الإنذار المبكر لا يعني أبداً تحذير الناس، وإنما الاستجابة لحالات الطوارئ من الزلازل، وهذا النظام يُستخدم في شركات الغاز الطبيعي ومنشآت توليد الكهرباء.

لا يزال التنبؤ والإنذار المبكر عن الزلازل يخطو خطواته الأولى، لكن من المؤكد أننا مقبلون على اختراقات علمية قادمة في هذا المجال، اعتماداً على تقنيات الذكاء الصناعي، والحوسبة السحابية، وشبكات الاتصال السريعة، الأمر الذي سيساهم في تقليل الخسائر البشرية والاقتصادية والبيئية التي تنتج عن الزلازل. كما تطورت آليات التنبؤ بالطقس لتصبح في متناول كل شخص بدقة كبيرة، فإن ابتكار أنظمة مستقبلية متطورة للتنبؤ عن الزلازل قبل مدة كافية تجنّبنا كثيراً من المخاطر، ربما بات قريب المنال.

TRT عربي