تابعنا
يكاد يتفق الجميع في تونس على أن الحكومة الحالية أصبحت غير قادرة على مواجهة المخاطر الحقيقية في البلاد والتي تقف على رأسها خطورة الوضع الوبائي. فكان من بين مختلف المبادرات السياسية لحل الأزمة، تقدم حركة النهضة مؤخراً بمقترح تشكيل حكومة سياسية.

أصدرت حركة النهضة التونسية بياناً رسمياً عقب انعقاد الدورة الخمسين لمجلس الشورى، يومي السبت والأحد 3و4 يوليو/تموز الجاري، وأشار البيان إلى عدة ملفات هامة ودقيقة تتعلق بوضع البلاد الذي ينزلق نحو التدهور.

ودعت الحركة إلى ضرورة تشكيل حكومة سياسية قادرة على مواجهة القضايا الراهنة وتحمل المسؤولية أمام الشعب، وأكد البيان أهمية إجراء حوار سريع قبل ذلك لتحسين الأداء الحكومي وإضفاء تغييرات مهمة في بعض الوزارات، سواء التي شملها التحوير الوزاري أو الوزارات القائمة حالياً.

أثارت مبادرة النهضة موجة من الجدل في الشارع التونسي، وسط تساؤلات عن إمكانية تخلي النهضة عن رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي، وترشيح شخصية بديلة لرئاسة الحكومة الجديدة التي تدفع إلى تشكيلها في أقرب وقت، خاصة أن البيان الرسمي لم يوضح موقف الحركة من ذلك.

هل الحل في حكومة سياسية؟

قطعت تونس فترة طويلة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، ولم تتوصل فيها إلى تحقيق استقرار حكومي يجنب البلاد المآزق المتفاقمة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إذ تم اقتراح ثلاث حكومات، لم تحظ الأولى بدعم الأحزاب وأُسقطت، في حين أن الحكومة الثانية لقيت دعماً من قبل أقلية سياسية لم تتمكن من تمريرها تحت قبة المجلس إضافة إلى توجيه اتهامات مختلفة إلى رئيسها، أما الحكومة الثالثة والحالية فهي حكومة تكنوقراط من دون تمثيل سياسي، رشحها رئيس الجمهورية قيس سعيد وفرضت على رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي عدة أسماء لتولي الحقائب الوزارية، ثم عطل بعد ذلك مقترح التحوير الوزاري.

ورغم أنه يُلجأ عادة في بعض بلدان العالم إلى حكومات تكنوقراط، نظراً لكفاءة أفرادها واستقلالهم عن السياسيين ولكونهم مهنيين متميزين، فإن كثيراً من التجارب فشلت فيها حكومة الكفاءات عن النأي بنفسها عن التجاذبات السياسية، بل سُحبت أحياناً إلى وحل ساحة الصراع السياسي، ولم تتمكن من الاستجابة لاستحقاقات شعوبها وإنقاذ اقتصادها المتعثر في كثير من الأحيان.

وفي هذا السياق، لعبت الأزمة السياسية بين مؤسسات الحكم وغياب الانسجام بينها دوراً كبيراً في عدم الوصول إلى اتفاق ينقذ مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.

ولذلك انطلاقاً من مسؤوليتها كصاحبة أكبر كتلة في البرلمان، دعت حركة النهضة إلى ما أسمته الوضع الطبيعي وتصحيح المسار وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تشارك فيها الأحزاب السياسية وتحمل فيها مسؤولية أدائها، وتكون قادرة على أن تأخذ القرارات المناسبة.

دعوة النهضة لتشكيل حكومة سياسية ليست بالمبادرة الجديدة، بل إن موقفها في ذلك ثابت منذ البداية، حيث عارضت في وقت سابق تشكيل حكومة تكنوقراط (حكومة كفاءات وطنية)، وترى أن إضفاء الطابع السياسي على الحكومة سيحسن من أدائها. بحيث إن كل حزب سياسي مشارك في الحكومة يتحمل مسؤولية الحقيبة الوزارية التي سيتقلدها أمام الجميع.

هل تسحب الثقة من المشيشي؟

عبر قياديون ومسؤولون في حركة النهضة، عن دعم الحركة لرئيس الحكومة هشام المشيشي، وأكدوا أن مجلس الشورى لم يطالب بالتخلي عن المشيشي أو سحب الثقة منه. إلا أنهم في الوقت ذاته أقروا بأن أداء الحكومة الحالي ضعيف، وأن خطورة الوضع الوبائي، وتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي تقتضي من باب المسؤولية تقييم أداء الحكومة وأن لا يكون دعم المشيشي "صكاً على بياض".

وتعتبر الحركة أن قضية التركيز على رئيس الحكومة وترك جوهر الحل الذي يتمثل في تشكيل حكومة انقاذ وطني، من شأنه أن يعثر مسار الحل ويشوش عليه، كما حصل في فترة رئاسة يوسف الشاهد للحكومة التونسية.

وترى النهضة أنه من الواجب في الفترة الحالية، إيجاد حل سياسي لأزمة سياسية حقيقية، وضرورة إنهاء الجدل حول النظام السياسي وحول الدستور في المرحلة الحالية، و التباحث لإيجاد برنامج للإنقاذ الاقتصادي والسياسي في تونس.

وفيما عبرت النهضة عن تمسكها في الوقت الحالي برئيس الحكومة هشام المشيشي، ودفعها في اتجاه الحلول العملية بأسرع وقت، استنكرت ذلك أحزاب وأطراف سياسية معارضة، تنادي برحيله وتتهمه بالفشل في إدارة الملفات الدقيقة ومن بينها الوضع الوبائي المتفاقم، وكان من بينها حزب التيار الديمقراطي الذي اعتبر أن الإبقاء على المشيشي يعتبر "استثماراً في الفشل وهروباً إلى الأمام من قبل النهضة، وإبقاء على المعركة السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية".

ووسط تباين في المواقف، وتوقع سيناريوهات مختلفة تتعلق أساساً بموقف رئيس الجمهورية قيس سعيد من مباردة حركة النهضة، تبقى آمال الشعب التونسي معلقة بإيجاد حلول سريعة وإيقاف نزيف البلاد والاستجابة للتحديات الملحة.

TRT عربي