تابعنا
يروي أحد الشبان الناجين من الغرق قصته ويقول: "نجوت من الموت بأعجوبة، لكنّني لم أنجُ من المشاعر التي ما زالت تلاحقني، وأكثرها عذاب الضمير لعدم تمكني من إنقاذ أي أحد من الغرقى".

لم تعدّ منطقة غرق قارب الصيد قبالة الساحل الجنوبي الغربي لليونان مقبرة للمهاجرين، بل هي "ساحة جريمة" حسب ما وصفها أحد الناجين من الغرق.

القارب الذي تراوح طوله بين 20 و30 متراً كان يقلّ نحو 700 مهاجر، أغلبهم من الجنسية المصرية والباكستانية والسورية، انطلق من مدينة طبرق الليبية باتجاه إيطاليا، إلّا أنّه ضلَّ الطريق على مدى ثلاثة أيام بسبب توقف محركاته، ليستقرّ على بُعد 100 كم من الساحل اليوناني.

وغرق ما لا يقلّ عن 81 مهاجراً في ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء الموافق 14 يونيو/حزيران، بينما فُقد مئات آخرون بعد انقلاب القارب قبالة اليونان، في واحدة من أكثر كوارث هجرة البحار دموية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة.

لحظات رعب

ويروي أحد الشبان الناجين من الغرق قصته ويقول: "نجوت من الموت بأعجوبة، لكنّني لم أنجُ من المشاعر التي ما زالت تلاحقني، وأكثرها عذاب الضمير لعدم تمكني من إنقاذ أي أحد من الغرقى".

وفي حديثه مع TRT عربي يضيف الشاب -الذي فضّل عدم كشف اسمه لأسباب أمنية-، أنّ ما عاشه في القارب الذي كان يقلّه مع باقي المهاجرين كان "مرعباً حقاً".

ويوضّح الشاب الناجي -وهو من مدينة درعا السورية-، أنّ القارب مكون من ثلاث طبقات، في الطبقة الأرضية داخل القارب عدد العائلات مع نحو 50 طفلاً، وفي الطبقة الأولى والثانية مجموعة من الشبان من جنسيات مختلفة أغلبها باكستانية وسورية ومصرية، وكان القارب يعاني مشكلة عدم التوازن بسبب العدد الكبير.

ويضيف: "على مدى ثلاثة أيام، كنّا نوجه نداءات استغاثة للمنظمات التي زودنا المهربون بأرقامهم، لتأتي الإجابة مساء اليوم الثالث بأنّ سفينة إنقاذ ستصل إلينا"، مبيناً أنّ سفينة يونانية تحمل الطعام والمياه وصلت إليهم، ثم تلتها سفينة ترفع العلمَين الأمريكي والسويدي ألقت بقوارير المياه، ثم ابتعدت السفينتان لتصل بعدها سفينة خفر السواحل اليونانية قرابة الساعة الثانية فجراً.

ويلفت الشاب إلى أنّهم طلبوا من خفر السواحل في بداية الأمر إفراغ جزء من حمولة السفينة، وعلى رأسهم النساء والأطفال إضافةً إلى المرضى، لكنّ خفر السواحل اليوناني رفض وطلب منهم اللحاق بهم، مستدركاً بالقول: "لكن، لم نتمكن بسبب عطل في محركات القارب، بعد ذلك ربطوا مقدمة القارب بحبل وقطروه رغم مساعينا لعدم جرّ القارب خوفاً من غرقه، إلا أنّهم لم يأبهوا".

ويتابع الشاب الناجي: "بعد أقل من 50 متراً بدأ المركب بالتمايل، ثم قذفنا إلى البحر لينقلب بمن تبقى عليه، كنت أشاهد الناس كيف يغرقون، انقطعت أصوات استغاثة الأطفال والنساء بعد أقل من 5 دقائق على غرق المركب، ومضت نحو ساعة كنت أرى كيف يغرق الناس واحداً تلو الآخر".

ويشير إلى أنّه ما زال يشعر بتأنيب الضمير، لأنّه لم يستطِع إنقاذ أي منهم، فالبعض كان يتشبث بإطارات، وآخرون كانوا يتشبثون بأوانٍ طافية أو قطع خشبية.

وعن تعامل السلطات اليونانية مع الناجيين، أكد الشاب أنّه بعد إنقاذهم احتُجزوا في مخيم أشبه بالسجن، إذ كانت "معاملة الشرطة اليونانية قاسية، ولم تُؤمّن احتياجاتهم من طبابة وطعام وغذاء على مدى يومين".

وبعد ذلك عُرضوا على القضاء وأُعطوا أوراقاً للتنقل خارج المخيم، مع التأكيد بعدم التصريح لوسائل الإعلام أو التواصل معهم تحت طائلة المساءلة القانونية، وفق شهادات أُخرى وصل إليها مراسل TRT عربي.

"إغراق متعمّد"

بدوره يقول العميد الركن السابق في قوات البحرية السورية أحمد رحال، إنّ مراكز الاستغاثة SOS المنتشرة في كل الدول مفتوحة لكل المراكب البحرية، بما فيها مراكب الصيد، ولا يمكن أن تسمع تلك المراكز النداءات ولا تستجيب.

وعن غرق المركب، يوضح رحال لـTRT عربي، أنّ ما جرى يعتبر "جريمة بحق اللاجئين"، إذ لا يُمكن لخفر السواحل اليوناني ألّا يكون على دراية بأنّ جرّ المركب بهذه الطريقة ستغرقه، فالحمولة كبيرة وقطعاً تسببت بمشكلة في توازن المركب.

ويضيف، أنّ "هذا الأمر ليس بغريب على خفر السواحل اليوناني، فنحن شاهدناهم سابقاً كيف يحاولون خرق القوارب المطاطية للمهاجرين، بهدف إغراقهم".

ويستنكر الضابط السابق في البحرية السورية تعامل السلطات اليونانية وخفر السواحل، مشيراً إلى أنّه "من المبادئ التي يتعلّمها خفر السواحل وجنود البحرية هي طرق الإنقاذ، وفي حالة المركب هذه، فإنّ أُولى الخطوات إفراغ حمولة قارب الصيد في سفينة ثانية والبقاء بجانب القارب في حال حدوث أي طارئ، فضلاً عن ضرورة إلقاء أطواق نجاة للركاب".

وحول سبب إغراق القارب، يقول رحال إنّ "إغراق قوارب المهاجرين من اليونان أمر متعمّد هدفه الحدّ من الهجرة إلى أوروبا عن طريق تخويف المهاجرين وإرعابهم، فكلّما زاد عدد القتلى من المهاجرين انخفضت نسبة من يقدمون على الهجرة غير الشرعية".

من المسؤول؟

وحول المسؤول عن حادثة غرق القارب، يرى القانوني وعضو اللجنة الدستورية السورية طارق الكردي، أنّه يجب أن تتحمل أي دولة مسؤولية حياة المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إليها أو تجنح قواربهم وتصل إلى المياه الإقليمية أو إلى شواطئها، فهذه الدول من المفترض أنّها ملتزمة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويضيف لـTRT عربي، أنّ "السلطات اليونانية تتحمل كامل المسؤولية عن الجريمة البشعة التي ارتكبتها بحق عشرات الأشخاص الذين كانوا يحاولون الوصول إلى حياة آمنة لهم ولعوائلهم"، على حدّ تعبيره.

ويوضّح الكردي أنّ خفر السواحل اليوناني بعد أن وصل إلى القارب المنكوب ومن ثم جرّه، يبدو أنّه كان "يهدف لإغراقه أكثر من إنقاذه"، محملاً المسؤولية القانونية الكاملة على السلطات اليونانية.

ويؤكد الخبير القانوني القول: "يجب أن يتحرك القضاء وتُرفع دعوى وتُوجه تهم القتل العمد إلى كل المتورطين في هذه الجريمة".

وكانت قد دعت الأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات "عاجلة وحاسمة" على خلفية كارثة غرق قارب مهاجرين غير نظاميين، وذلك في بيان مشترك صدر عن المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقال مدير الطوارئ في المنظمة الدولية للهجرة فيدريكو صودا، إنّه "من الواجب إنقاذ الأشخاص المعرّضين إلى الخطر في البحر من دون تأخير، وهي قاعدة أساسية في القانون البحري الدولي"، مؤكداً الحاجة إلى التعاون بين الدول لمعالجة الثغرات في البحث والإنقاذ الاستباقي والإنزال السريع والمسارات المنتظمة الآمنة.

حقائق مهمة

وكشفت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، أنّها عرضت على السلطات اليونانية دعماً جوياً، قُبيل انقلاب قارب المهاجرين.

وقال المكتب الإعلامي لـ"فرونتكس"، إنّها "قدمت دعماً جوياً إضافياً لدعم السلطات اليونانية في 13 يونيو، لكنها لم تتلقَ أي رد"، حسب الوكالة.

وأشار المكتب إلى أنّ "فرونتكس" عرضت تقديم موعد دورية مجدولة، لكنّ السلطات اليونانية طلبت منها المشاركة في عملية بحث وإنقاذ قبالة جزيرة كريت بدلاً من ذلك.

وبالعودة إلى شهادة الشاب الناجي، فقد أكّد بقاءهم أكثر من 7 ساعات قرب شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية بانتظار خفر السواحل اليوناني، بعدما أُبلغوا بتلقي اليونانيين نداء الاستغاثة.

وقال مسؤول حقوق الإنسان "فرونتكس" الأسبوع الماضي، إنّه قد يعلق العمليات في اليونان؛ بسبب "الانتهاكات الحقوقية المزمنة ضدّ المهاجرين"، ما قد يسحب عشرات من حرس الحدود والسفن والطائرات من بوابة أوروبا الرئيسة.

TRT عربي