تابعنا
مع دخول زلزال 6 فبراير/شباط الذي ضرب مناطق جنوبيّ تركيا وشماليّ سوريا شهره السابع، يشعر السوريون المنكوبين بأنّ قدرهم هو "النزوح والتشريد" في مأساةٍ تضاف إلى سلسلة المآسي التي جلبتها الحرب والتهجير.

مع دخول زلزال 6 فبراير/شباط الذي ضرب مناطق جنوبيّ تركيا وشماليّ سوريا شهره السابع، يشعر السوريون المنكوبين بأنّ قدرهم هو "النزوح والتشريد" في مأساةٍ تضاف إلى سلسلة المآسي التي جلبتها الحرب والتهجير.

وإلى الآن لا يستطيع الشاب محمد (27 عاماً) العودة إلى منزله في قرية الزوف غربيّ محافظة إدلب؛ ولا يُخفي شعوره بالخوف والهلع لحظة وقوع الزلزال.

وفي حديثه مع TRT عربي، يستذكر محمد ما حدث تلك الليلة بقوله: "كان شعوراً مخيفاً لم نعش مثله قط، حيث اهتز المنزل بنا وكانت الأغراض تسقط وسمعنا أصواتاً شديدة من التصدّع والهدم".

وكان الزلزال قد ضرب مناطق في سوريا عانت على مدار أعوام من القصف والدمار جرّاء الأعمال العسكرية. ويقطنها النازحون من الفئة الأشدّ حاجة والمعتمدين على المساعدات العابرة للحدود. إذ يُعد ملف الاستجابة الإنسانية في المنطقة شائكاً ومن أكثر حالات الاستجابة الطارئة تعقيداً في العالم، حسب الأمم المتحدة.

وسبق أن صرّح رئيس لجنة التحقيق المعنية بسوريا لدى الأمم المتحدة، باولو بينيرو، بأن المجتمع الدولي بما فيه الأمم المتحدة والنظام السوري، "عاشوا فشلاً شاملاً فيما يخص إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين عقب الزلزال"؛ وذلك بسبب تأخر وصولها إلى المنكوبين.

من المنازل إلى الخيام

ووفق بيانات الأمم المتحدة، أدى الزلزال إلى وفاة نحو 6 آلاف شخص وإصابة أكثر من 12 ألفاً آخرين في جميع أنحاء سوريا، ودمّر أكثر من 10 آلاف و600 مبنى بدرجات متفاوتة، بما فيها ما لا يقل عن ألف مدرسة ابتدائية وثانوية. وما يقارب ثلث المرافق الصحية البالغ عددها 601 معطّلة، وتضرّر 70 منها جرّاء الكارثة، وفقد 265 ألف شخص منازلهم.

وعن ذلك يقول الشاب محمد، إنّ "العودة إلى المنازل كانت في أول أيام الزلزال غير آمنة، وأصبحنا من دون مأوى إلى أن استطعنا تجميع بعض اللوازم الأولية لتأمين ما يشبه الخيمة. في الأيام الأولى لم تكن هناك خيام تكفي بسبب حجم المصيبة، وفي الأسبوع الثاني للزلزال تجوّلت لجان هندسية لتقييم المنازل المتضررة، وكان منزلي من بينها".

أما سلام الحاج حسين (42 عاماً)، نازحة من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مدينة حارم شمالي إدلب، فقد نجت وأطفالها من "الموت بأعجوبة" بعدما انهار البناء الذي كانت تعيش فيه.

تقول سلام لـTRT عربي: "كان منزلي في الطابق الأرضي لمبنى من أربعة طوابق، ولحظات قليلة مرّت بعد خروجنا منه لينهار البناء بشكلٍ كامل بمن فيه".

وأكدت حاجة المخيم الذي تقطنه إلى نقطة طبية باعتبار معظم الأطفال يعانون ضغوطاً نفسية نتيجة معايشة أحداث الزلزال، وسط استمرار الهزات الارتدادية حتى الآن، لافتةً بالقول: "يبدو أنّ النزوح والتشريد أصبح واقعاً مفروضاً علينا، على أمل أن يكون الفرج قريباً".

"لا أحد يساعدنا"

كان ناصر الوكاع (43 عاماً) يقيم في بلدة جنديرس شمالي سوريا في بناء مكوّن من 4 طوابق. لقي 8 أشخاص من عائلته حتفهم ليلة الزلزال، ويعيش الآن في خيمة على أطراف البلدة.

ويلفت الوكاع في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ "هناك مساعدات من بعض أهالي المنطقة، لكن لا توجد عدالة في توزيعها على المحتاجين"، وهناك ضرورة مُلحة لتوفير الدعم اللازم، مبيناً أنّ الوضع النفسي لأولاده سيِّئ جداً، حيث أصبح أحدهم يعاني صعوبة في النطق بعد الزلزال.

بدوره يوضح الناشط السوري المقيم شمال غربي سوريا، أحمد شام، أنّه "بعد مرور أكثر من 6 أشهر على المأساة، لا يزال المتضرِّرون في حالة تفتقر لأدنى الحاجات الأساسية من مأوى وسكن وخدمات لوجيستية وصحيّة، ولا يزال كثير منهم في أماكن سكن مؤقتة تفتقر لأساسيات الحياة".

ويضيف شام لـTRT عربي، أنّ "معظم المناطق تفتقر للخدمات الأساسية من جمع النفايات، وحفر خطوط الصرف الصحي، ومعالجة المياه وغيرها، كما أنّ إهمال الجانب النفسي لدى المتضررين في مرحلة ما بعد الصدمة قد ينعكس بشكل سلبي يؤدي إلى ازدياد حالات الاكتئاب".

وينوّه إلى أنّ دور المنظمات الموجودة على الأرض "قد يكون معدوماً بعد الأشهر الأولى للزلزال، ويقتصر الآن على مساعدات خفيفة وفردية لا تغطّي الاحتياجات ولا ترقى لتعويض المتضررين عمّا فقدوه أو تساعدهم على التعافي من آثار الكارثة ومخلّفاتها".

كيف النهوض من الكارثة؟

وتسبب الزلزال في كارثة كبيرة شمال غربي سوريا على صعيد تضرُّر الأبنية والمرافق العامة، كما خلّف أكثر من 200 ألف مدني -أغلبهم من الفئات الضعيفة- بلا مأوى، لينضموا إلى أكثر من مليوني مهجَّر من الحرب، وفق ما يقوله مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) رائد الصالح، لـTRT عربي.

وحول أبرز احتياجات السوريين المنكوبين من الكارثة للنهوض مجدداً، قسّم الصالح الاحتياجات إلى قسمين: احتياجات قصيرة الأمد تشمل الحاجات الرئيسية من مأوى والمواد الغذائية والرعاية الصحية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى توفير البنية التحتية الأساسية اللازمة لمنع انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والليشمانيا وغيرها من الأمراض التي تهدد حياة الآلاف من منكوبي الزلزال. واحتياجات طويلة الأمد، مثل مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية كالصرف الصحي والطرقات وتوفير سُبل العيش الكريم، من خلال إعادة تأهيل المرافق العامة من مشافٍ ومدارس ومؤسسات تعليمية وتحقيق تنمية مستدامة.

وفي تقييمه للجهود الحالية للتعافي من الكارثة، يشير الصالح إلى كثير من الجهود التي تستهدف التعافي، سواء من آثار الزلزال أو الحرب، إذ تُنشئ المنظمات والمؤسسات الإنسانية ومنها "الدفاع المدني السوري" مشاريع إعادة تأهيل للبنية التحتية المتضررة للمنطقة.

ويلفت إلى مشاريع مشتركة تدعم عملية التعافي من خلال إعادة تأهيل الطرقات الحيوية وتمديد شبكات الصرف الصحي، إلى جانب تعزيز القطاع الصحي من خلال الخدمات المقدَّمة في مراكز صحة النساء والأسرة التابعة لـ"الدفاع المدني السوري".

تسييس المساعدات

ويؤكد الصالح أنّ الجهود الحالية هي محاولة لسدّ النقص في الاحتياجات الهائلة التي تراكمت خلال سنوات الحرب وفاقمها وقوع الزلزال، في ظل غياب الإرادة الدولية للاستجابة للكارثة، وتسييس وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا.

وأعلنت الأمم المتحدة في 30 من أغسطس/آب الماضي، أنّ دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا لم يُستأنف حتى اليوم، وذلك رغم التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص مع النظام السوري، وبذلك يكون قد مضى سبعة أسابيع منذ توقف دخول المساعدات، ما أدى حتى الآن إلى انقطاع مادة الخبز، وتراجع كميات المياه عن المخيمات في المنطقة.

وفي هذا الإطار، يبيّن الصالح أنّ "تسييس المساعدات أثّر بشكل كبير على عمليات الاستجابة للزلزال، فتقييد المساعدات بقرار من مجلس الأمن -رغم وجود الإطار القانوني الذي يسمح بإدخال المساعدات من دون موافقة المجلس- جعل منها ورقة سياسية بيد النظام وروسيا، وحصْرها في العامل الزمني -كل 6 أشهر- جعل من تنفيذ مشاريع مستدامة تحقق تنمية طويلة الأمد شبه مستحيل".

ويتفق الطبيب السوري محمد كتّوب، وهو الخبير في شؤون الاستجابة الإنسانية في سوريا، حول قضية تسييس الاستجابة الإنسانية من النظام السوري، واصفاً تحديات الاستجابة الإنسانية لسوريا بـ"المزمنة"؛ بسبب ضعف الأمم المتحدة ونظام الاستجابة نفسه الذي ما زال يعمل بعد 12 عاماً ضمن إطار الاستجابة الطارئة، من دون بذل أي جهود لدعم المجتمعات المتضررة من سنين الحرب للنهوض باحتياجاتها.

ويوصي كتّوب في حديثه لـTRT عربي، بأهمية دعم المجتمعات المحلية لتصبح قادرة على تلبية احتياجاتها وتصبح أقل اعتماداً على نظام الاستجابة الطارئة للأمم المتحدة، بقوله: "حين حدث الزلزال وقفت هذه المجتمعات وحيدة لأيام طويلة قبل أن يصل أي دعم دولي".

ويلفت الطبيب إلى أنّ "الوضع أساساً كان كارثياً قبل الزلزال، وبالتالي استخدام نظام المساعدات نفسه للاستجابة للمجتمعات المتضررة سيعطينا نفس النتائج، وما زلنا بعد أكثر من ستة أشهر من الزلزال نشاهد تردد الأمم المتحدة وغيرها من الفاعلين الإنسانيين الدوليين في اتخاذ خطوات شجاعة لتقديم مساعدات تدعم المجتمعات المتضررة للنهوض".

TRT عربي
الأكثر تداولاً