كم بقي للبشرية كي تتفادى "أم الكوارث" البيئية؟ (Esteban Felix/AP)
تابعنا

قاربت البشرية بلوغ نقطة "اللارجوع" ونافذة فرص تفادي الكارثة أوشكت أن توصد، هده هي خلاصة التقرير الجديد الذي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الخميس، مؤكداً أن الالتزامات الدولية والجهود المبذولة اليوم للحد من التغيرات المناخية، أثبتت أنها غير كافية لتحقيق هدف خفض درجة حرارة الكوكب بـ1.5 درجة مئوية الذي ينص عليه اتفاق باريس.

هذا ويعيش العالم اليوم تحت تهديد متسارع للتغيرات المناخية، حسب ما يرى العلماء، والذي بدأت أولى مظاهره في البروز مع موجة الجفاف التي ضربت العالم صيف هذا العام، كذلك مع موجة الفيضانات والأعاصير التي راح ضحيتها المئات وهجرت آلاف البشر. بينما تفادي هذه التهديدات ممكن اليوم، لكنه رهين الإسراع في إجراء تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية، قبل فوات أوان فعاليتها.

زمن التغيير التدريجي قد ولى!

في بلاغ البرنامج الأممي للبيئة، شددت المديرة التنفيذية للبرنامج، أنغر أندرسون، على أنه: "يجب علينا التوقف عن ملء غلافنا الجوي بغازات الاحتباس الحراري (...) لقد أتيحت لنا الفرصة لإجراء تغييرات تدريجية، لكن ذلك الوقت قد ولّى. ويمكن فقط للتحول الجذري والشامل لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا أن ينقذنا من كارثة المناخ المتسارعة".

وحسب ما انتهى إليه تقرير "فجوة الانبعاثات لعام 2022"، استناداً إلى دراسة الفرق بين تخفيضات ثاني أكسيد الكربون التي تعهدت بها الدول والتخفيضات اللازمة للحد من أي ارتفاع في درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، فإن الدول المصادقة على مخرجات قمة غلاسكو 2021، لم تفِ بوعودها لتحقيق هدف "1.5 درجة" المتفق عليه دولياً.

هذا ولم يجرِ خفض تلك الانبعاثات المحددة وطنياً هذا العام سوى بـ0.5 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أي أقل من واحد في المائة، من الانبعاثات العالمية المتوقعة في عام 2030. وبالتالي، يخلص التقرير، إلى أن "التقدم المحرز كان غير كافٍ على الإطلاق"، بل ويجعل العالم يندفع نحو ارتفاع متسارع في درجات الحرارة.

وتشير التقديرات إلى أن هذا التقدم المتعثر للتقليل من الانبعاث، يتيح فرصة لا تتعدى نسبة 66% للحد من الاحترار العالمي إلى حوالي 2.6 درجة مئوية خلال القرن الجاري. وبالنسبة للالتزامات المشروطة، يقل هذا الرقم إلى 2.4 درجة مئوية. بالمقابل، قد تؤدي السياسات الحالية وحدها إلى ارتفاع بنسبة 2.8 درجة مئوية، مما يسلط الضوء على آثار درجة الحرارة على الفجوة بين الوعود والإجراءات المتخذة.

في أفضل السيناريوهات، حسب التقرير ذاته، فالتنفيذ الكامل للالتزامات المحددة وطنياً غير المشروطة والالتزامات الإضافية بصفر انبعاث هو ما يُبقي أمل النجاح في تفادي نقطة اللارجوع قائماً. ومع ذلك، "فإن هذا السيناريو غير موثوق به حالياً استناداً إلى التناقض بين الانبعاثات الحالية وأهداف المساهمات المحددة وطنياً على المدى القصير وأهداف تحقيق حالة "الصفر الصافي" على المدى الطويل".

كم بقي للبشرية كي تتفادى الكارثة البيئية؟

وفقاً لتقديرات "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" التابعة للأمم المتحدة، فإن حرارة الكوكب ستزيد بـ1.5 درجة مئوية أو أكثر خلال السنوات العشرين القادمة، وهو معدل احترار غير مسبوق في تاريخ البشرية، مقارنة بالسابق حين استغرقت الأرض 150 سنة لترتفع حرارتها فقط بـ1.1 درجة.

وحسب بانماو زهاي، الرئيس المشارك للفريق العامل الأول التابع للهيئة، فإن "تغير المناخ بات يؤثر في كل منطقة على وجه الأرض بطرائق متعددة. وسوف تزداد التغيرات التي نشهدها مع كل ارتفاع جديد في درجات الحرارة". ويشهد العالم تأثيرات مناخية هائلة شملت الفيضانات التي غمرت ثلث باكستان بالمياه، وصيفاً هو الأكثر سخونة في أوروبا منذ 500 عام، كذلك أعاصير وعواصف تجتاح الفلبين وكوبا وولاية فلوريدا الأمريكية.

وفي هذا السياق، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مراراً هذا العام، من خطورة التغير المناخي. وقال في كلمته بمناسبة افتتاح "حوار بيترسبيرغ للمناخ"، شهر يوليو/تموز، إن "نصف البشرية تعيش الآن في منطقة الخطر جراء الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات"، مشدداً على أن "هذا الظلم العظيم لا يمكن أن يستمر، والخيار لنا: إما العمل الجماعي أو الانتحار الجماعي".

إما العمل الجماعي أو الانتحار الجماعي

في سياق خلاصات تقرير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، الصادر يوم الخميس، فإن العالم يحتاج، من أجل تحقيق أهداف اتفاق باريس بتخفيض الاحترار المناخي بـ1.5 درجة، إلى تقليل غازات الاحتباس الحراري بمستويات غير مسبوقة على مدى السنوات الثماني المقبلة.

ما يستوجب على حكومات العالم والفاعلين الاقتصاديين تطبيق تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية، تروم بشكل رئيسي التحول نحو عالم بصفر انبعاثات، سواء في الإمداد بالكهرباء أو الصناعة، النقل والمباني. وهو أمر "ممكن التنفيذ مع انخفاض تكاليف الكهرباء المتجددة لكنه يحتاج إلى التحرك بشكل أسرع" حسب التقرير.

ومن أجل دفع عجلة التحول، يضيف التقرير، تحتاج جميع القطاعات إلى تفادي التقيد بالبنية التحتية الجديدة كثيفة الاستخدام للوقود الأحفوري، وتطوير التكنولوجيات الخالية من الكربون وتطبيقها، ومواصلة إحداث تغييرات في السلوك.

TRT عربي