عودة السكان إلى المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

كثف جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة عمليات الاستهداف بحق العاملين في الحكومة الفلسطينية في غزة بعد أن دمَّر الجزء الأكبر من المقرات الحكومية والبلدية، وجاءت هذه الاستهدافات امتداداً لسياسة إسرائيلية هدفت إلى إحداث فراغ إداري وحكومي يُفضي إلى حالة من الفوضى تساعدها في تهجير جزء من سكان القطاع وتحويله إلى مكان غير صالح للحياة.

في مواجهة السياسات الإسرائيلية، عملت الحكومة في غزة بالحد الأدنى من الأدوات والإمكانيات للحيلولة دون الوصول إلى حالة الانهيار التام، وتنظيم ما يمكن تنظيمه من حياة المواطنين، وفي هذا الإطار عملت ونشطت لجان الطوارئ الحكومية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، فما هذه اللجان وما التحديات التي تواجهها في عملها؟

لجان الطوارئ.. عمل الجهاز الحكومي في الحرب

دخلت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة حالة طوارئ بعد بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، وعملاً ببروتوكولات الحكومة في غزة، جرى تشكيل لجان الطوارئ المحلية والمركزية.

ويشير مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، إلى أن اللجان "امتداد للجسم الحكومي، ومَن يعمل فيها هم موظفون في الحكومة، وفي أوقات السلم والهدوء تعمل الوزارات على قدم وساق بشكل طبيعي، لكن في أوقات الحروب لا تعمل هذه الوزارات، وبالتالي تُكلف هذه اللجان المشكَّلة من الوزارات بإدارة العمل الحكومي وتقديم الخدمات الحكومية".

ويضيف الثوابتة لـTRT عربي أن هذه اللجان "مشكَّلة منذ زمن بعيد، وتعمل الحكومة على تطوير عمل اللجان من حين إلى آخر، ويبرز عمل هذه اللجان في الأزمات والأوقات الطارئة مثل المنخفضات الجوية والتصعيدات الإسرائيلية والحروب".

وتوزَّعت هذه اللجان على محافظات القطاع ووزارات الحكومة كافة، فكل محافظة لديها لجنة طوارئ خاصة بها، تُشرف على العمل الحكومي هناك، كما أن كل وزارة لديها لجنة طوارئ، وتحديداً الوزارات الهامة مثل الداخلية، للإشراف على الوضع الأمني، والصحي للتعامل مع أزمة المستشفيات، والاقتصاد لضبط الأسواق.

وتركزت أعمالها على عدد من القضايا، ففي الجنوب برز تحدي إيواء النازحين وتنظيم الأسواق والحد من الانفلات الأمني، أما محافظات الشمال فقد برز تحدي الحدّ من السرقات بداية وضبط الوضع الأمني.

وتطور عمل لجان الطوارئ بعد انسحاب جيش الاحتلال من المناطق التي توغَّل فيها في محافظتي الشمال وغزة، وفي حين جرت السيطرة على الأزمة الأمنية، برزت قضية تأمين المساعدات وإدخالها إلى الشمال، والتعامل مع مساعي الحكومة الإسرائيلية للتواصل مع مكونات محلية مثل العشائر للتعاون معها.

الانهيار المدني باعتباره هدفاً عملياتيّاً

وضع جيش الاحتلال الإسرائيلي "النظام المدني" في غزة على رأس أهدافه العملياتية التي دخل الحرب بها، وتحت شعار إنهاء حكم حركة حماس لقطاع غزة بدأ الاحتلال استهداف مقدرات الجهاز الحكومي كافة في القطاع، ويهدف الاحتلال من ذلك الوصول إلى حالة الانهيار المدني لتسود حالة من الفوضى تساعد الاحتلال في تحقيق هدفه بتهجير سكان محافظتي الشمال وغزة وتحويلهما إلى منطقة غير صالحة للحياة.

وخلال الحملة الجوية، التي استمرت من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى بداية العملية البرية في 27 أكتوبر من العام نفسه، استهدف طيران الاحتلال أغلب المقرات الحكومية، وتحديداً الشرطية والأمنية وطواقم الدفاع المدني، وبعد بدء العملية البرية جعل جيش الاحتلال من المستشفيات هدفاً عملياتيّاً لقواته، فدمَّر مستشفى بيت حانون والكرامة، وقصف مستشفى المعمداني، واقتحم مستشفيات كمال عدوان والعودة، ومثّل اقتحام مستشفى الشفاء ذروة استهداف القطاع الصحي.

ويشير إسماعيل الثوابتة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "دمَّر أكثر من 170 مقرّاً حكوميّاً، بهدف خلق حالة من الفراغ الإداري"، مبيناً أن جيش الاحتلال ركز في استهدافه على الأجهزة الشرطية "التي تُعد جهازاً مدنيّاً وفقاً للقانون الدولي".

وأدى هذا الأمر إلى انتشار مظاهر الانفلات في المناطق التي توغل فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكاد العمل الحكومي فيها يصل -وفقاً لمدير المكتب الإعلامي الحكومي- إلى الشلل، نتيجة القصف المستمر والاغتيالات التي تعرض لها عدد من الكوادر الحكومية، مثل الشرطة.

وترافقت مع عمليات القصف الممنهج حالةٌ من الحصار المطلق على المناطق التي نشط فيها جيش الاحتلال، حيث منع وصول الاحتياجات والمواد الأساسية، من غذاء ودواء وماء، ما فاقم الأزمة الإنسانية وصعوبة العمل الحكومي.

اللجان في مرمى النار

ما أن ينسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من منطقة تبدأ لجان الطوارئ الحكومية عملها لتنظيم ما يمكن تنظيمه من شؤون حياة الناس، وقد ظهر هذا الأمر بداية في محافظتي شمال غزة ومدينة غزة، ولاحقاً في محافظة خان يونس بعد انسحاب جيش الاحتلال منها.

في الشمال وغزة، تمكنت لجان العمل الحكومي من تطوير آليات لضبط عملية تأمين المساعدات التي تمرُّ من ممر نتساريم المحتل، وإيصالها لأول مرة إلى عمق شمال غزة، دون أن تتعرض لأي عملية نهب أو سرقة، ما دفع الاحتلال إلى تكثيف هجماته على طواقم تأمين المساعدات بداية، التي استُشهد منها أكثر من 70 شخصاً، ومن ثم قادة العمل الحكومي لاحقاً.

وحول ذلك، يؤكد إسماعيل الثوابتة أن الاحتلال، وفي إطار سياسته لخلق الفوضى وحالة الفراغ الإداري، "كثف اغتيال كوادر الشرطة الفلسطينية والعاملين في المجال الحكومي".

وفي 18 مارس/آذار الماضي اغتال الاحتلال اللواء في الشرطة الفلسطينية فائق المبحوح، الذي هندس عملية تأمين المساعدات، كما أنه أفشل محاولات الاحتلال لإيجاد ترتيبات أمنية مع أطراف فلسطينية داخل غزة، وبعد يوم اغتالت مدير جهاز المباحث الفلسطينية في شمال غزة المقدم رائد البنا.

وفي 20 مارس/آذار اغتال الاحتلال أمجد هتهت رئيس لجنة الطوارئ الحكومية في منطقة غرب غزة، خلال عملية تأمين المساعدات، وفي اليوم ذاته قتلت إسماعيل النونو، مختار عائلة النونو، الذي كان له دور في إفشال مخططات الاحتلال في التواصل مع العشائر الفلسطينية، بالإضافة إلى جهوده في تأمين المساعدات، كما قتلت غارة إسرائيلية مدير مركز شرطة جباليا، الشهيد رضوان رضوان، الذي تولى عدداً من المهام على رأسها عملية تأمين المساعدات.

وفي المحافظة الوسطى، اغتال الاحتلال رئيس لجنة الطوارئ الحكومية في مخيمات الوسطى، رئيس بلدية المغازي حاتم الغمري في 8 أبريل/نيسان الجاري، وسبق ذلك اغتيال محمود البيومي، رئيس مركز شرطة النصيرات في 20 مارس/آذار الماضي.

وإلى محافظة رفح، فقد استُشهد رئيس لجنة الطوارئ نضال الشيخ عيد، رفقة نائب مدير عمليات الشرطة في غزة، محمود أبو حسنة، في 13 مارس/آذار الماضي، وفي 10 فبراير/شباط اغتالت قوات الاحتلال مدير مباحث الشرطة الفلسطينية في رفح، أحمد اليعقوبي، ونائبه أيمن الرنتيسي، ورئيس قسم مباحث التموين، إبراهيم شتات.

ما بين مطرقة الاستهداف وسندان الحصار

لا تقتصر التحديات أمام العمل الحكومي على الاستهداف الممنهج من الاحتلال، بل يعد الحصار المشدَّد الذي يفرضه أخطر ما يواجه سكان القطاع والأجهزة الحكومية، فمنذ بداية حربه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 شدَّد الاحتلال حصاره على القطاع، وتحديداً المحافظات الشمالية منه، ما حرمه من الوصول إلى المواد والمعدات اللازمة للتعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة.

وفي هذا الإطار، يوضح إسماعيل الثوابتة أن جهاز الدفاع المدني والقطاع الصحي هما الأكثر حاجة إلى تدخل عاجل، فالدفاع المدني في غزة "أصبح عاجزاً عن تقديم خدماته، وتحديداً انتشال الشهداء، فأكثر من 80% من عرباته ومعداته استهدفها الاحتلال، الذي يمنع إدخال المعدات الخاصة به".

ويؤكد مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن الاستهداف شمل أيضاً القطاع الطبي، فلم يكتفِ الاحتلال بمنع دخول الأدوية والمعدات الطبية، بل دمَّر الأجهزة الطبية النادرة بصورة متعمدة، مشيراً إلى أن "جيش الاحتلال عندما اجتاح المستشفيات دمَّر الأجهزة الطبية المهمة، مثل جهاز الرنين المغناطيسي، وجهاز سي تي، وهذه الأجهزة لا يمكن إدخالها بسبب الحصار الإسرائيلي".

ويضيف الثوابتة: "توجد آلاف الأطنان من البضائع المتكدسة على الجانب الآخر من المعبر، لكن جيش الاحتلال يضغط من أجل عدم إدخال هذه المساعدات"، فالمشكلة ليست في عدم توفر هذه المواد أو انعدامها بقدر ما هي في منع وعرقلة الاحتلال إدخال هذه المواد والمساعدات.

TRT عربي