تابعنا
منح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الملف الاقتصادي حيّزاً كبيراً من الأهمية خلال الحملة الانتخابية طوال الأشهر القليلة الماضية، وتضمن خطاب الشرفة إثر فوزه بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 28 مايو/أيار، العديد من الرسائل في هذا السياق.

منح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الملف الاقتصادي حيّزاً كبيراً من الأهمية خلال الحملة الانتخابية طوال الأشهر القليلة الماضية، وتضمن خطاب الشرفة إثر فوزه بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 28 مايو/أيار، العديد من الرسائل في هذا السياق.

كان الوعد بمكافحة التضخم على رأس أولويات أردوغان، إذ شدّد في الخطاب ذاته، على "مكافحة ارتفاع الأسعار الناجم عن التضخم"، واصفاً ذلك بأنه "من بين القضايا ذات الأولوية القصوى".

في السياق ذاته، أكد أردوغان أهمية تعويض "خسائر الرفاه الاجتماعي" التي نتجت كذلك عن ارتفاع الأسعار، وأن "الثقة والاستقرار" هما المعياران اللذان سيواصل من خلالهما السياسة الاقتصادية.

من جانب آخر، يرى خبراء أن تعيين محمد شيمشك رجل الاقتصاد القوي الذي يتمتع بسمعة دولية وخبرة عالية، ملمحاً مهماً من حيث الإشارة إلى الأهمية التي توليها الحكومة الجديدة للتعاطي مع العديد من المشكلات الاقتصادية خلال ولاية أردوغان الجديدة التي سترسم معالم السنوات الخمس المقبلة.

ولقد حمل خطاب شيمشك خلال تسلّمه حقيبة المالية من سلفه نور الدين نباتي، العديد من الرسائل المهمة في هذا السياق، إذ أكد ضرورة الاتجاه نحو "أرضية عقلانية" لحل المشاكل الاقتصادية، مشدداً على أن "الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون مبادئنا الأساسية في تحقيق هدف زيادة الرفاه الاجتماعي".

أولويات ثنائية الأبعاد

في حديثه عن أولويات الرئيس أردوغان في الملف الاقتصادي في المرحلة المقبلة، يشير الأستاذ المحاضر وعضو هيئة التدريس بقسم الاقتصاد في جامعة غلاطة سراي التركية، أتا أوزقايا، لـTRT عربي إلى "أولويات ثنائية الأبعاد، تعتمد على مكافحة الخسائر السابقة من جهة، ومواصلة دورة الاستثمار والإنتاج وتشغيل اليد العاملة".

ولفت أوزقايا إلى أنه على الرغم من "وضع أهداف مثل التنمية والإنتاج في السنوات الخمس السابقة، فإن تقلّب سعر الصرف جعل الأولوية الرئيسة هي السيطرة على انخفاض قيمة الليرة في الأسواق العالمية".

واستدرك أن "هذه الاستراتيجية كان لها تكلفتها، إذ أعاقت البنك المركزي عن توفير احتياطات العملات الأجنبية، بسبب عزوف المستثمر الأجنبي عن الأصول بالليرة التركية، والاضطرار لاقتراض العملات الأجنبية".

وأضاف أوزقايا أن الأولوية في المرحلة المقبلة هي "تعويض هذه الخسائر، وتوجيه المستثمر الأجنبي نحو الأصول بالليرة التركية، إلى جانب توفير سيولة النقد الأجنبي، وزيادة احتياطات البنك المركزي منه، وتمويل الاستثمارات من خلال تدفق العملات الأجنبية".

من جانب آخر، عدَّ المحاضر التركي أن تعيين شيمشك لإدارة الملف الاقتصادي "أمر جيد"، مشيراً إلى أن ذلك سيمنح "الثقة" للمستثمرين في الأسواق المالية العالمية، عبر تطبيق مروحة من السياسات الاقتصادية الرشيدة.

ولفت إلى أن تعيين رجل اقتصاد نائباً للرئيس وهو جودت يلماز، سيكون بمنزلة اتساق مع سياسة شيمشك التي تقوم على اتباع "المعايير العالمية"، بما يضمن تحقيق أولويات الإنتاج والاستثمار، مشيراً إلى أنه بينما "سيعمل شيمشك على خفض التضخم، فإن يلماز في المقابل سيولي أهمية مواصلة الاستثمارات"، و"بالتالي سيُحتفظ بمعدل نمو بين 4 و5% قدر الإمكان"، حسب أوزقايا.

النمو وخفض التضخم

بدوره، توقع رئيس تحرير صحيفة "EKONOMİ" التركية، شرف أوغوز، أن مواصلة النمو الاقتصادي سيكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة قبيل الانتخابات المحلية المقبلة في 2024، مستكملاً أنه "فيما بعد ستكون الأولوية للسياسات النقدية والمالية من أجل خفض التضخم".

وعن الصعوبات الأبرز في هذه المرحلة، رأى أوغوز خلال حديثه مع TRT عربي أن "المشكلة الرئيسية هي سيولة النقد الأجنبي، مشدداً على ضرورة تنفيذ "إصلاحات هيكلية" في الاقتصاد من أجل إدارة عجز الحساب الجاري".

وأضاف: "التحدي الآخر هو عجز الميزانية، ولذلك فإن برنامج مكافحة التضخم بشكل كامل، من الممكن أن يخلق متنفساً للبلد في هذا السياق".

وبشأن تعيين شيمشك وزيراً للمالية، رأى أوغوز أنه مع "بناء مصداقية دولية نظراً لسمعة شيمشك، فإن ذلك سيدعم توفير موارد خارجية للاقتصاد"، مشيراً إلى أن الدعم السياسي الذي سيحصل عليه شيمشك سيكون كفيلاً بـ"التغلب على الصعوبات الاقتصادية".

رفع الدخل القومي

إلى جانب تأكيد أهمية وأولوية مكافحة التضخم في المرحلة القادمة، لفت الباحث الاقتصادي في مركز "سيتا" للأبحاث والدراسات (SETA)، "دنيز استقبال"، إلى عامل النمو في الاقتصاد، مشيراً إلى توقعات صندوق النقد الدولي بأن يرتفع الدخل القومي في تركيا إلى 1.30 تريليون دولار.

وقد عدّل البنك الدولي، يوم الثلاثاء الماضي، توقعاته بشأن نمو الاقتصاد التركي لعام 2023، بتحقيق نمو بنسبة 3.2% عوضاً عن 2.7 بالمئة التي توقعها مطلع العام.

ولفت "استقبال" خلال حديثه مع TRT عربي إلى أن "الأولوية الأولى للرئيس أردوغان في المرحلة المقبلة هي مكافحة التضخم، إلى جانب سياسة تتمحور حول تشغيل اليد العاملة، والتركيز على الإنتاج والتصدير".

ورأى الباحث في مركز سيتا أن "إدارة الوزير شيمشك لملف الاقتصاد يحمل أهمية كبيرة"، مشيراً إلى أن "شيمشك يتمتع بسمعة عالية على الصعيد الدولي"، وهو شخص "يمكنه مكافحة التضخم والحفاظ على توازن الإنتاج في الوقت ذاته"، وفق تعبيره.

وأكد "استقبال" أن "مكافحة التضخم ستكون الأولوية الرئيسة على مدار العامين المقبلين، وتوقع أن ينخفض معدل التضخم في تركيا نهاية العام الجاري إلى ما دون 20%، ليستمر في الانخفاض إلى ما دون 8% مع نهاية العام المقبل 2024".

وأوضح "استقبال" أنه على "المدى القريب ستركز تركيا على مكافحة التضخم، على حين ستولي الأهمية على المدى المتوسط لسياسة الإنتاج والتشغيل والتصدير".

وذكّر الباحث التركي بانخفاض معدّل البطالة في 2023 إلى فئة الآحاد، إذ تراجع إلى 9.9%، من خلال تشغيل 4 ملايين شخص خلال العامين الأخيرين، وإلى جانب ذلك نجحت تركيا في زيادة الدخل القومي بنحو 200 مليار دولار في الفترة ذاتها.

كما ذكّر بأن تركيا نجحت طوال السنوات القليلة الماضية، في مواجهة أزمتي الطاقة والغذاء العالميتين، إلى جانب أزمات الإمداد والوباء والحرب (بين أوكرانيا وروسيا)، لافتاً إلى أنها تستعد الآن لتطبيق سياسة أولوية التضخم.

يُذكر أن الرئيس أردوغان، أكد في كلمة له عقب أول اجتماع مع وزرائه بالحكومة الجديدة الثلاثاء 6 يونيو/حزيران، أنهم عازمون على خفض التضخم إلى فئة الآحاد، لافتاً إلى أن التضخم سجل تراجعاً في مايو الماضي، إذ انخفض إلى ما دون 40% لأول مرة منذ 17 شهراً.

TRT عربي