هل تنقذ ألمانيا الطاقة النووية الفرنسية؟ / صورة: AFP (John Macdougall/AFP)
تابعنا

حسبما نشرت وسائل إعلام غربية، يرتقب أن يشد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الرحال إلى برلين في زيارة دولة، شهر يوليو/تموز المقبل. وعينه على تباحث ملفات عديدة مع نظيره المستشار الألماني أولاف شولتز، على رأسها الطاقة النووية الفرنسية، التي تسعى باريس لحشد الدعم لضمها إلى لائحة مصادر الطاقة النظيفة من الاتحاد لأوروبي.

فيما تأتي هذه الزيارة وسط استمرار التوتر بين فرنسا وألمانيا، الذي انطلق إثر الانتقادات شديدة اللهجة التي وجهها ماكرون إلى الحكومة الألمانية، بخصوص إجراءاتها لتعزيز القدرة الشرائية والتصدي لارتفاع مستويات التضخم. بالمقابل، تعد برلين اليوم من أشد المناهضين للطاقة النووية، ما يطرح أسئلة حول إمكانية ماكرون إحداث تغيير في الموقف الألماني في هذا الشأن.

زيارة في ظل التوترات

وحسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، سيزور الرئيس إيمانويل ماكرون برلين في يوليو/تموز المقبل. هذا بدعوة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، من أجل "تكريم الصداقة الوثيقة بين البلدين في العام الستين لمعاهدة الإليزيه" بشأن العلاقات الثنائية.

وبالرغم من هذا، فإن هذه الزيارة تعد الأولى من نوعها للرئيس الفرنسي بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين الحكومة الألمانية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. إذ يومها، وعلى هامش قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لم يتوانَ ماكرون عن رص الانتقادات لجارته الشرقية ألمانيا التي اتهمها بعزل نفسها عن محيطها القاري.

وكان رفض ألمانيا لقرار تسقيف أسعار النفط، وإعلانها بشكل منفرد حزمة دعم لأسعار الطاقة بـ200 مليار يورو، هو ما جرَّ عليها سخط فرنسا التي اعتبرت أن برلين كان ينبغي أن تستشير حلفاءها بشأن مثل هذه الإنفاقات الضخمة التي يمكن أن تشوه الاقتصاد الداخلي الأوروبي. وقال ماكرون وقتها: "أعتقد أنه ليس من الجيد لألمانيا، أو أوروبا، أن تعزل ألمانيا نفسها"، مضيفاً أنه "بالتأكيد، يجب أن نحافظ على وحدتنا" في اتهام ضمني لبرلين بزعزعة هذه الوحدة.

هذه المشادات الكلامية نتج عنها لاحقاً تأجيل اجتماع كان يعقد سنوياً بين الحكومتين الألمانية والفرنسية في باريس، ما دلّ وقتها على اتساع الشرخ بين القوتين المركزيتين في أوروبا. وعُوّض ذلك الاجتماع بلقاء بين الزعيمين، لم يخلو هو الآخر من إشارات التوتر، إذ عمد ماكرون إلى إلغاء مؤتمر صحفي كان من المزمع أن يجمعه بشولتز.

ماذا يرجو ماكرون في برلين؟

في برلين، من المقرر أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المستشار الألماني أولاف شولتز لمناقشة السياسة الأوروبية والدولية. هذا بالإضافة إلى مأدبة رسمية في قصر بلفيو، سيستضيفها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في 3 يوليو، وفقاً لما نقلت "بوليتيكو" عن ثلاثة مسؤولين مطلعين على ترتيبات الزيارة.

وحسب الموقع الأمريكي، سيتدارس الجانبان الألماني والفرنسي عدة ملفات حساسة، إيجاد أرضية مشتركة لتوحيد الموقف بشأن القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، وموقع الاتحاد الأوروبي من التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى برامج تطوير الصناعات العسكرية التي يشترك فيها البلدان.

فيما الملف الأكثر حساسية وإلحاحاً، لباريس على الأقل، هو ملف الطاقة النووية الذي تسعى لإدراجها ضمن لائحة الاتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة الخضراء، في إطار برنامج بروكسل للتحول الطاقي بحلول 2035، والوصول إلى الحياد الكاربوني بحلول 2050.

وأطلقت فرنسا استثمارات ضخمة في تطوير وتوسيع قدراتها لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية. وتملك البلاد حالياً نحو 56 محطة نووية، وتتصدر الإنتاج الأوروبي بإجمالي يعادل 61 غيغاوات. وسبق أن أعلن الرئيس ماكرون، في فبراير/ شباط 2022، برنامجاً لبناء 6 محطات نووية جديدة بحلول 2050، أولاها ستدخل الخدمة عام 2035.

هل تنقذ ألمانيا الطاقة النووية الفرنسية؟

من الصعب الجزم بحدوث توافق فرنسي-ألماني حول إدراج الطاقة النووية في اللائحة الأوروبية لمصادر الطاقة الخضراء. لعدة عوامل، أهمها موقف برلين وحكومتها الفيدرالية المعارض لهذه الطاقة، إذ سعى شولتز منذ توليه حكم البلاد إلى إنجاح الطلاق مع الكهرباء النووية.

وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي، أعلنت ألمانيا إغلاقها آخر ثلاث محطات نووية لتوليد الطاقة في البلاد، والقطع مع حقبة دامت نحو 60 سنة. حظي قرار الخروج بشعبية كبيرة، إذ تنشط في ألمانيا حركة قوية مناهضة للطاقة النووية، بسبب المخاوف المستمرة من حدوث نزاع أشبه بالحرب الباردة، إضافة إلى كوارث المرتبطة بهذا المصدر الطاقي.

وكانت فرنسا حثت برلين مراراً للتخلي عن هذا الموقف المعادي للطاقة النووية. وفي وقت سابق، شهر أكتوبر الماضي، قال الوكيل الوزاري لبرنامج تعزيز وتجديد القدرات الطاقية النووية في فرنسا، جويل بار، منتقداً الموقف الألماني: "لا أفهم موقف ألمانيا لأنني لا أعتقد على الإطلاق أنه حتى منتصف القرن سيكونون قادرين على تنفيذ استراتيجية خالية من الكربون تعتمد فقط على مصادر الطاقة المتجددة".

بالمقابل، كانت فرنسا مارست نفس المعارضة لسعي ألمانيا لتمرير الوقود التركيبي مصدراً نظيفاً للطاقة في اللوائح الأوروبية، إنقاذاً لقطاع صناعة السيارات الذي يمثل أحد الأعصاب الحيوية لاقتصادها. ووقت كانت برلين تفاوض لإقناع نظرائها الأوروبيين بقبول مطلبها، وقفت باريس ضدها، بل وحذّر وزير النقل الفرنسي كليون بون مما وصفه بـ"مخاطر" ذلك النوع من الوقود.

إضافة إلى هذا، يثير النهج الحمائي الذي تنهجه الحكومة الفرنسية امتعاض ألمانيا، إذ عرقلت باريس، لوقت طويل، التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز "ميدكات"، الذي يربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال أوروبا. وتعول ألمانيا على هذا الخط ليكون البديل لـ "نوردستريم 2"، بعد أن أصبحت واردات الغاز الروسي غير مأمونة، عبر تمكينها من الاستفادة من الغاز والهيدروجين الأخضر القادم من شمال إفريقيا.

TRT عربي