تابعنا
منذ انفجار المعارك شهدت الساحة السودانية العديد من المبادرات الداعية إلى وقف إطلاق النار سواء من أطراف إقليمية أو دولية، كان أبرزها المبادرة السعودية- الأمريكية التي نجحت في إقناع الطرفين بتوقيع "إعلان جدة".

مثّل التوقيع على اتفاق جدة لحماية المدنيين السودانيين الذي عُرف باسم "إعلان جدة" محطة بارزة في جولات تفاوض شاقة تحتضنها المدينة السعودية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع برعاية ودعم سعودي- أمريكي مشترك.

ومع امتداد أمد القتال الذي اندلعت شرارته في 15 أبريل/نيسان الماضي، كان تدهور الحالة الإنسانية في مناطق الاشتباكات، ولا سيما الخرطوم، أحد أبرز ملامح هذه الأزمة التي باغتت السودان الذي كان يعاني أصلاً من تهالك بناه التحتية.

وقد أحيا التوقيع على الاتفاق بعض الآمال بأن ينجح المسار في بناء اتجاه تسوية سياسية تُنهي الصراع الدائر في البلاد.

ما وراء "إعلان جدة"

منذ انفجار المعارك شهدت الساحة السودانية العديد من المبادرات الداعية إلى وقف إطلاق النار سواء من أطراف إقليمية أو دولية، كان أبرزها المبادرة السعودية- الأمريكية التي نجحت في إقناع الطرفين بتوقيع "إعلان جدة".

في هذا السياق، يرى الباحث السوداني في الشؤون الإفريقية، عباس محمد صالح، أن "الضغوط الدولية كانت عامل الضغط الأكبر وراء التوصل إلى إعلان جدة".

وأضاف محمد صالح في تصريحه لـTRT عربي، أنه "ما شجع الطرفين على التوقيع حاجتهما إلى الوقت من أجل التعبئة وحشد القوات، وربما إدخال تكتيكات أو أسلحة جديدة في هذا الصراع، إضافة إلى الرغبة في استمالة الرأي العام الداخلي في المواجهات المتوقعة بعد التوقيع على الإعلان".

وهو ما يوافقه فيه الدكتور والباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، عماد بحر الدين، إذ يؤكد أن طرفي الاتفاق يقولان إن هدفهما هو الإنسان وتخفيف معاناة السودانيين الذين يحتاجون إلى ممرات آمنة للخروج من منازلهم والابتعاد عن مناطق الاشتباكات، وأن "يتفقدوا مساكنهم، والبحث عن ذويهم المفقودين أو المقتولين، وهو ما يحول دونه الاشتباكات بين الطرفين" على حد قوله.

وقال بحر الدين إن "الاتفاق رغم كونه إنسانياً بالدرجة الأولى فإن هناك دوافع أخرى كامنة خلفه منها حاجة الطرفين إلى إعادة التموضع من جديد وترتيب الصفوف، لأن هنالك قيادات كثيرة مأسورة أو محتجزة".

ويعتقد بحر الدين في تصريحه لـTRT عربي أن "هناك حاجة من الطرفين إلى الوقود، حيث إن مصفاة الجيلي لتكرير النفط يسيطر عليها الدعم السريع، فالطرفان لم يستطيعا التزود بالوقود لأن هذه المصفاة تعمل عبر موافقة وزارة المعادن وهذه الوزارة متوقفة الآن".

وتوقّع أنه سيجري في هذه الهدنة تشغيل المصفاة وتزويد الطرفين بالوقود، موضحاً أن "هذه الحصص سيجري تسليمها، وفق ما يقال، عبر لجنة الوساطة من الطرفين".

هل سيصمد الاتفاق؟

وسط دعوة وترحيب من الأطراف الدولية بالاتفاق والالتزام فيه وتأكيد لزوم الحوار ووقف إطلاق النار، إلّا أن الاشتباكات تواصلت في الأيام التالية مما طرح تساؤلات حول مدى صموده عملياً.

ويتوقع الباحث السوداني في الشؤون الإفريقية، عباس محمد صالح، أن "يكون مصير هذا الإعلان كمصير الهدن الست السابقة، وفي أحسن الأحوال أن يجري تنفيذه جزئياً أو انتقائياً بما يخدم استراتيجية الطرفين خلال المرحلة المقبلة".

"الاتفاق هو مجرد إعلان عام وليس إعلان مبادئ بشأن وقف العدائيات أو الوقف الدائم لإطلاق النار، وبالتالي لا يلزم أياً من الطرفين بالامتناع عن المضي قدماً في استراتيجيته من أجل تحقيق الحسم العسكري، لا سيما عند النظر إلى التباعد الكبير في المواقف والثقة بعد اندلاع المواجهات المسلحة"، حسب وصف الباحث.

أما الدكتور والباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، عماد بحر الدين، لفت إلى أن تطبيق الاتفاق ممكن في حالة وجود لجنة وساطة يناط بها مراقبة طرفي الصراع، موضحاً أن "هذه اللجنة لا بد أن تكون من أعداد كبيرة من المراقبين بما يمكنهم من معرفة أي خروقات صادرة من أحد الطرفين، وبالتالي يمكن أن يشكلوا عليه عقوبات أو ضغوطاً للالتزام بما جرى الاتفاق عليه".

وأشار بحر الدين إلى أن أساس تطبيق "اتفاق جدة" هو "الالتزام بوقف إطلاق النار، وقبول كل طرف بالبقاء في المنطقة التي يتموضع فيها سواء كان الجيش أو الدعم السريع، لأن الاتفاق لم ينص على الخروج من أي منطقة، إلا خروج قوات الدعم السريع من المستشفيات والأماكن المدنية".

أما المسائل السيادية المتعلقة بمباني القيادة العامة والقصر الجمهوري والإذاعة، وفقاً لبحر الدين، فقد جرى السكوت عنها.

هل يرجح الاتفاق كفة أي من الطرفين؟

استغل أنصار كل من طرفي الصراع في السودان توقيع "اتفاق جدة" للترويج له باعتباره نصراً لهذا الفريق أو ذاك، وبينما يمكن وضع هذه الادعاءات ضمن البروباغندا السياسية والحرب الإعلامية فإن الباحث والمحلل السياسي عباس محمد صالح يذهب إلى أن "ادعاءات كلا الطرفين صحيحة".

ويكمل موضحاً في تصريح لـTRT عربي أن هذا الزعم يعد "صحيحاً بالنظر إلى استراتيجية كل طرف، فالقوات المسلحة تريد إظهار مدى احترامها لقواعد الاشتباكات وقوانين الحرب والنزاعات المسلحة بخاصة حماية المدنيين وتسهيل المساعدات وإثبات مدى تورط الطرف الآخر في ارتكاب انتهاكات لتلك المبادئ".

أما قيادة قوات الدعم السريع، وفقاً لمحمد صالح، فهي تريد في المقابل "تحسين صورتها أمام الرأي العام المحلي والدولي، والتي تشوهت جراء الممارسات الإجرامية التي وثقت ضد عناصر هذه القوات، فضلاً عن انتهاكات مبادئ قوانين الحرب والقانون الإنساني أثناء النزاع كطرف محارب".

ويخلص محمد صالح من ذلك إلى أن "تداول هذه المزاعم من الطرفين مؤشر يدعو إلى القلق وإلى عدم التفاؤل لأنه يرجع إلى اختلاف تفسير الطرفين المتحاربين لبنود إعلان حماية المدنيين، إذ إن هذا التفسير في الواقع قد يؤدي إلى تأجيج حدة الاقتتال بينهما لا سيما في ظل عدم النص بوضوح على آلية للمراقبة".

هل يفضي مسار جدة إلى الحل النهائي؟

أدى توقيع الاتفاق إلى تصاعد موجة من التفاؤل بقرب التوصل إلى تسوية نهائية تُخرِج السودان من عنق الزجاجة الذي وضعته فيه الاشتباكات الأخيرة.

"بارقة سلام" هكذا يصف عماد بحر الدين الاتفاق، مضيفاً أنه من الممكن أن يكون هناك سلام دائم، قبل أن يستدرك قائلاً "لكن إن لم يجرِ وقف إطلاق النار فعلياً بين الطرفين فهذه بادرة سوء نية، ولا سيما أن هناك أقاويل عن مواجهات في مناطق متفرقة، بجانب أن هناك قصفاً بالطيران صباح اليوم لمعسكر طيبة التابع للدعم السريع، ومناوشات في منطقة في أم درمان، وهذه ربما تفشل الاتفاق".

وفي تصريحه لـTRT عربي يرى بحر الدين أن "قادة الطرفين العسكريين يرغبون في الحل، ويرغبون أن يخرجوا بتوافق، لكن دعاة الحرب من الجانبين هم الذين سعّروها وما زالوا يقودونها ويحثون الطرفين على مواصلة الاقتتال، في حين أن العسكريين هم الذين يكتوون بنارها".

بدوره، أعرب الباحث عباس محمد صالح عن تشاؤمه إزاء احتمال أن يفضي هذا الاتفاق إلى تسوية نهائية، إذ يرى أنه "فقط يذكّر طرفَي القتال بمراعاة القواعد والمبادئ المتعلقة بحماية المدنيين خلال الجولات المقبلة من هذا الصراع".

ولكن الاتفاق من جهة أخرى، وفقاً لمحمد صالح، "مكسب كبير على صعيد التأكيد على الالتزام بأبجديات حماية المدنيين والعمل الإنساني في حالات الصراع المسلح، بعد تكشف الجوانب المرعبة نتيجة ارتكاب انتهاكات جسيمة، وتحديداً من طرف قوات الدعم السريع، في غضون أسابيع قليلة من بدء الصراع".

TRT عربي